متعايشون مع الإيدز..في ذمة الحياة
لا يتقبل المجتمع المصاب بفيروس HIV المعروف عالميا بالإيدز، ليسقط صريعا أمام "وصمة عار" تلازمه طوال حياته، ليكون ضحية مرتين؛ الأولى من المرض والثانية من المجتمع.أثناء خوف المصاب من الخضوع للفحص الطوعي وعدم جرأته على الذهاب، أثناء ذلك، يستمر الفيروس بنهش خلايا جسده؛ معلنة بذلك اقترابه إلى درجة الصفر من الحياة.
يخضع المصاب بمرض نقص المناعة المكتسبة HIV لسلسلة فحوصات شأنها تخفيف حدة المرض ورفع انعكاسها السلبي على خلايا الجسد عبر تطويل أمدها وتقوي من جهاز المناعة، ليرحل فيروس الإيدز من مرض قاتل إلى مرض مزمن يلازم الضحية طوال حياته خاضعا لعلاجات دورية؛ إما يومية أو شهرية.
الأردن عالميا، لا يسجل أرقاما مرتفعة في أعداد المصابين بهذا الفيروس، ويرصد البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز الذي تأسس عام 1986 أرقاما تراكمية طوال السنوات الماضية الملازمة لعمر البرنامج حيث وصلت إلى 589 بين هذه الأرقام 191 أردني و398 من جنسيات مختلفة كانت تقطن في الأردن ومن بين الذين توفوا من الأردنيين 89 شخصا.
الآن، تخضع 52 حالة مصابة لمراجعات دورية تتلقى فيها علاجات مدعومة حكوميا من قبل وزارة الصحة التي تتلقى الدعم المالي عالميا لأجل الحد من انتشار الفيروس الأخطر عالميا بين سلسلة الأمراض المعدية، ولم يسجل الطب حتى الآن أية حلول جذرية للحد من انتشار الفيروس الذي يطرأ على الضحية وما ان ينتهي حتى يقضي على ضحية بالموت.
"المجتمع لا يعرف أني إنسان عادي ولا يعرف الطرق الحقيقية لنقل العدوى" يقول المصاب سمير والمتعايش مع المرض منذ عام 2005. "العدوى لا تنتقل بسهولة" يقول سمير 27 عاما "مجتمعي لا يرحمني، ولا يقبل بي كمريض".
حال حسام المتعايش مع المرض منذ عشر سنوات أصعب، فهو يعتبر ان حياته مع المرض داخل مجتمعه حرب لا هوادة فيها، "خوفي من المجتمع ان ينبذني يدفعني لأبقى صامتا". متعلما طوال السنوات الماضية على كيفية التعامل مع المرض إلى أن أصبح قادرا على التعايش معه.
"خوف المريض يمنعه من الجرأة على الفحص الطبي وهذا ما قد يزيد من فرص انتشار المرض". لكن البرنامج الوطني يتلقى الاتصالات بدون ذكر الأسماء أو التعريف عنها في إطار التعامل السري مع الحالات.
في السنوات العشر الماضية استطاع حسام ان يتعايش مع الفيروس، بانتظام مع فحوصات طبية دورية، "أصبحت أمارس سلوكيات صحية من أكل وشرب وأنماط مختلفة".
رفض المجتمع للمريض لا يتوقف عند المصاب فحسب إنما يشمل عموم عائلته والتي يعاني كافة أفرادها من الوصمة السيئة، يقول سمير: "العائلة الكبيرة ستقاطع أسرتي وكذلك الوسط المجاور فلا أحد يريد الزواج من شقيقاتي وقد أعزل عن المكان الذي أسكن فيه، المجتمع ينبذني ولا أعلن عن نفسي".
فيما يروي حسام تجربته الشخصية مع أحد الأطباء الذي قاله له "المجتمع الذي لا يقبلك لا تصافحه وقد حزنت لان ذلك يؤثر علي كثيرا ويجعلني أحقد لكني لست كذلك". ويعزل المجتمع المصاب بالإيدز تلقائيا "ليس لدي أي ثقافة جنسية في السابق والثقافة الجنسية".
يعمل حسام وسمير وعدد من المتعايشين مع المرض على تأسيس جمعية لمرضى الإيدز، "سيكون أساسها نشر الوعي بالمجتمع وتغيير صورة المصابين السيئة لدى الناس". ويقول إن الكثير من المصابين في الأردن أخذوه عن طريق نقل الدم أو عن طريق الأم المصابة وقد حملته لأطفالها وهو ما يجعلهم ضحايا لا ذنب لهم في المجتمع.
سمير، عضو اللجنة الوطنية لمكافحة الإيدز، يعتبر ان مهنته الوحيدة الآن، هي تغيير نظرة المجتمع للمصابين بهذا الفيروس. "يرحمنا المجتمع، ولا يفكر بالكبار المصابين إنما بالأطفال المتعايشين مع المرض والمحرومين من دخول المدارس".
الفحص الطوعي، مجاني، وبدون الكشف عن الهوية أو الاسم..حيث يتم إعطاء المراجع ثلاثة رموز وتأخذ النتيجة عن طريق الهاتف، وسمير يوجه رسالة إلى المجتمع "أن يتعاملوا مع المتعايش مع المرض باحترام وإنسانية، نحن لسنا وحوش أو مشردين ولا نعتمد على أحد رغم ان غالبية الوظائف ترفضنا ولا يتقبلنا المجتمع فقط كل ما أتمناه ان يعاملنا كبشر".
لم يرفض أهل حسام ابنهم المصاب، لكنه أدرك حجم الضغوطات النفسية عليهم وتأثيره السلبي "ما شعرت به حينها هو الخروج من بيت العائلة والسكن لوحدي" ويعمل بشكل متقطع في أعمال متفرقة بين لا تؤمن له قوته اليومي ليجد في التعاون مع المجموعات الطوعية فرصة له مادية ونفسية.
بدأت الاستراتجيات الحكومية لمجابهة فيروس الإيدز بعد دعوات عالمية ومن منظمة الصحة العالمية عموم دول العالم ان تشدد من رقابتها ومتابعتها لجميع الحالات المصابة بهذا المرض القاتل والذي سرعان ما تحول في السنوات الأخيرة إلى داء مزمن.
إحدى الاستراتجيات والبرامج التي تقوم بها وزارة الصحة والبرنامج الوطني لمكافحة الإيدز "هي الحد من الوصمة والتمييز الموجهة ضد المريض والحد منها وليس منعها" على ما يقوله بسام الحجاوي، مدير رقابة الأمراض والبرنامج الوطني لمكافحة الإيدز معتقدا ان الحد منها أكثر منطقية من المنع لان إمكانية الانتشار حاصلة.
ويؤكد الحجاوي، ان الأردن من الدول ذات الانتشار المنخفض في انتشار المرض "بدورنا يجب ان نحافظ على هذه المعدلات المنخفضة".
انتقال الفيروس، متنوع بين الاتصال الجنسي إلى نقل الدم الملوث بالفيروس إلى نقل الأم الحامل لجنينها، وانتقاله عبر الاتصال الجنسي هو الأكثر انتشارا بين المصابين، ليضع كل المصابين به أمام عجلة مجتمع لا ترحم المصاب أو من المجاورين له من الأقارب.
يقول الحجاوي ان هناك سيطرة كاملة على الدم في الأردن من خلال بنك الدم الوطني وهو مؤسسة وطنية يعمل تحت مظلة وزارة الصحة ولا يوجد أحد مصدر دم ملوث بفيروس الإيدز، ليجزم ان وسيلة الاتصال الجنسي هي الوسيلة الرئيسة لنقل فيروس المرض.
ويعمل مركز المشورة والفحص الطوعي على استقبال أي من الحالات حال ورودها على الخط الساخن حيث تبدأ الإصابة بالإيدز بحمل الفيروس ولا تظهر عليه الأعراض وهنا الخطورة تكمن ولا يمكن ان تحدد المرض إلا بالفحص المخبري.
"هذا المرض ليس له علاج شافي أو مطعوم لكن يوجد علاج قد يؤخر من ظهور الأعراض ويستطيع المصاب أن يعيش بدون أعراض"..يقول الحجاوي "العلاج متوفر في المركز للعلاج ومركز الفحص الطوعي وتقوم وزارة الصحة بتوفير العلاج بشكل دائم".
يتلقى مركز الإرشاد والمشورة الاستفسارات والإجابات عن طرق العدوى وكيفية الكشف عن فيروس الإيدز، على الخط الساخن التابع لوزارة الصحة على أرقام الهواتف 5697933 أو 5673436.
يشار إلى أن الإصابات بالإيدز تقع ضمن الفئة العمرية من 27- 52 عاما وان الإصابة بالغالب تنتقل إليهم من خارج الأردن. وفي هذا الصدد ، تشير أرقام وزارة الصحة الى إن 41 إصابة من إجمالي الإصابات نقلت لها العدوى من داخل الأردن، في حين نقلت 450 حالة من الخارج و5 إصابات غير معروف مصدرها.
ويراجع المركز والمنتشرة فروعه في كل من اربد والبلقاء والزرقاء 52 مصاب بشكل دوري ويشمل الفحص غير الأردنيين المصابين به حيث ان طرق الوقاية العالمية وهناك فحص مخبري ونؤكد إذا كان هناك في إيدز ونعمل ضمن اتفاقات مع الدول بالتالي يتم تحويل المصاب لبلده.
الدكتور بسام الحجاوي وغيره من الأطباء المشتغلين في البرنامج يعولون على المجموعات الطوعية المساندة لهم والتي تعمل على تغيير الصورة النمطية عن مرضى الإيدز كذلك مع مؤسسات المجتمع المدني.
ويرى الحجاوي ان الأمراض المنقولة جنسيا لا تكون حالات التبليغ عنها كبيرة "هي ضعيفة" عازيا ذلك لخجل المصاب لذلك "نشدد على سرية العمل" أما وبائي المرض فقد اختلفت عن السابق – على ما يقوله الحجاوي- فقد أصبح المرض مزمنا أكثر منه قاتلا.
"ويعامل المجتمع المصاب بالوصمة والعار وهي ليست في بلادنا فحسب إنما في كثير من دول العالم ولكن النصيب الأكبر في بلادنا" ويقول الحجاوي: "مهمتنا شاقة وصعبة وعلينا ان ندرب الكادر الصحي والأهل والمصاب أولا باحترام ".
رئيس قسم الأمراض المنقولة جنسيا ورئيس مركز المشورة والفحص الطوعي التابع لوزارة الصحة د.رجائي العزة يتواصل مع الحالات بشكل يومي يقول: "أطلع المريض على الأعراض الجانبية التي قد تطرأ على استخدام العلاج والعلاج يقلل كمية الفيروس في الجسم إلى الحدود التي قد تصل إلى الصفر ويرتفع جهاز المناعة إلى المستويات الطبيعية ونحاول إقناعه في الاستمرار في المعالجة وكلما استمر في العلاج يوميا يكون وضعه طبيعي مثله مثل مريض السكري الذي يأخذ الأنسولين".
هناك مرضى ينتظمون ومرض يبتعدون وهناك حالات يتعامل معها الدكتور العزة متعايشة مع الفيروس منذ أكثر من 23 عاما وتزوجوا وأولادهم غير مصابين.
يتحدث العزة عن نسبة الإصابة بالفيروس ما بين المتزوجين من 15-18% فقط "نسب انتقال المرض متراوحة ما بين الاتصال الجنسي إلى استخدام التاتو". دورنا كما يقول الدكتور رجائي في وزارة الصحة يكمن في التوعية خصوصا ان السلوكيات أغلبها مجتمعية أكثر منها مرضية في البداية المصاب إلا بعد مضي كم من السنوات ومن هنا لا بد من توعية الشباب بالفحص المبكر.
يتمنى سمير من وزارة الصحة والبرنامج الوطني لمكافحة الإيدز ان تتفق مع وزارة التنمية الاجتماعية على ان تدعم عائلات مصابة بمرض الإيدز وفيها أطفال متعايشين مع المرض ووضعهم سيء جدا.
يمارس سمير حياته بشكل طبيعي ولا يعاني من أي مرض، لكنه يخاف يوما ان تصاب إحدى أضراسه بالوجع ليضطر للدخول في رحلة عناء البحث عن طبيب أسنان ليقبل بحالته، أما الدكتور الحجاوي يتمنى من وزارة الصحة ان تكثف من تأهيلها للأطباء ليكونوا قادرين على التعامل مع المصابين بفيروس الإيدز لأن المشكلة تبدأ من الأطباء أولا وتنتهي عند المجتمع.