مبدعون يكتبون في الخفاء..والقارئ هو القلم

الرابط المختصر

الكتابة، ذلك الهاجس الذي يتملك النفس وبجعل صاحبها مختلفا عن غيره من الناس؛ تجعله قادرا على تحوير العالم من حوله في فكرة أو عبارة، أو قصيدة أو قصة أو رواية. لكن، لماذا ينتظر الشعراء والكتاب والروائيين زمنا وسنوات من عمرهم حتى يبلغوا تلك الثقة الكاملة حتى يمتلكوا "اسما" في عالم الثقافة لينشروا، هي أفكار تجول عند من يكتب ولا تجد كتاباته نصيبها من النشر والنقد، لكن ثمة أسباب وجيهة تدعو بعضهم من الاعتكاف والكتابة لأجل التفريغ على ورق ووضعها في الدرج، فالمال وانتظار دعم ما وانشغالات الحياة، كلها مجتمعة أم غير مجتمعة تدفع الكثيرين إلى احتراف الصمت.



محمد كمال 25 عاماً، يقول "لا شيء يشجع الكاتب على النشر، فالوضع الثقافي في الحضيض لأسباب عدة أولها العامل النفسي وثانيها المادي وكلها جراء الهزائم المتلاحقة، وكذلك الحال عند الكاتب والشاعر الذي ينصب تفكيره على كيفية إطعام أولاده ودفع الفواتير والرسوم المدرسية وغيرها من مسؤوليات الحياة".



لكن الكاتب مجدي ممدوح يرى أن النص الجيد يجد طريقه للنشر، ويفرض نفسه سواء في الجرائد اليومية، أو إصدارات أمانة عمان، ويتابع في حديثه لـ"برائحة القهوة"، "الكثير من الكتاب المغمورين يعرفون أنفسهم بأنفسهم، ومن خلال كتاباتهم الأولى، وهناك كتُاب لم يسمع بهم أحد؛ فمن العمل الأول استطاع أن يثبت حضوره على الساحة الثقافية. هذه مسألة لا أؤمن بها".



ويعتقد الكاتب زهير توفيق أنها "إذا كانت ظاهرة فما هي شروطها كي تصبح أعمالا إبداعية"، "هل تم مثلا تعيينها برابطة الكتاب، أو في الملاحق الثقافية، يتساءل توفيق، "لا يكفي أن تكون عملا إبداعيا بعين كاتبها ومن هنا يجب أن يتم متابعتها فيما لو أراد أن ينشرها".



الظروف المادية مشكلة الكاتب، كما يقول توفيق، "هي مشكلة يتفق عليها الجميع، ففي زحمة الحياة تصبح الأعمال الإبداعية في آخر الأولويات، لكن بالنهاية إذا كنت مقتنعا بما كتبته ومدركا أهميته فلا بد لك من محاولة طباعته وعرضه على أصحاب الاختصاص كي يتسنى للجميع قراءته".



ويلقي الشاب محمد كمال اللوم على الفضائيات التي أثرت على ذوق المتلقي، "وهي ما أدت بهم وخصوصا فئة الشباب إلى الانجرار خلف هذه المحطات التي تكبدت نشر فيروس خطير في جسد الذوق العام، وأخيرا دور النشر التي تبحث عن الاسم وشهرة الكاتب".



ويتحدث الكاتب مجدي ممدوح عن نفسه، "شخصيا كنت أكتب في العراق، لمدة عشرين سنة، وأول ما حضرت إلى عمان قدمت نصا نثريا ونال الاهتمام. فالنص الجيد يفرض نفسه، وهو ما حصل معي".



لكن بالنسبة لمحمد كمال فإنه يعتبر نشر كتاب له أو لغيره رسالة ليست للتباهي أو لنشر اسمه في الوسط الثقافي، "إذا لم تؤد هذه الرسالة واجبها فلا داعي لها، فالنشر في جريدة أو ديوان أو أي مجال آخر هو ضمن رسالة وإذا لم تصل هذه الرسالة للمجتمع فلا داعي لنشرها".



ويعلق مجدي ممدوح "أطالب الشباب أن يظل يكتب ويكتب كي يصبح نصه منضج. فاحص النصوص من أول سطر يعرف أن صاحب النص كاتب أم لا، أنا كنت فاحصا للنصوص، ولا أحتاج إلى قراءة النص كله كي أقرر جودته طالما أنه رديء من أول سطر".



إذا كنت مقتنعا بما كتبته فانشر

أستاذة الأدب العربي، الدكتورة هدى أبو غنيمة، تجد أن بعض من يكتب يستعجل الشهرة، "الكاتب الحق لا يتطلع إلى الشهرة، هو يكتب لأن هناك شيء يريد أن يقوله، ويعتقد أنه في لحظات سيصبح كاتبا كبيراً. كبار الكتاب تعرضوا لاحباطات ومثبطات ومع ذلك ولأنهم يثقون بموهبتهم ولأن هناك عمل جاد، كان يصلون إلى هدفهم، لذلك على الكتاب والشباب تحديدا القراءة والكتابة والمتابعة ومن خلال تدريسي في الجامعة هناك طلابا يدعّون السخف ولكن من داخلهم أعمق من ذلك".



ويعود ويقول الشاب محمد كمال "لن أنشر في كتاب إلا على مدى بعيد، قد يطول"، مؤكدا أن ذلك سيكون "إذا حلت الأمور وتغير الوضع الثقافي، ففئة الشباب طاغية على المجتمع الأردني وحتى المجتمع العربي فلا أريد أن أعطي للمجتمع الأردني خصوصية في مسألة الانجرار وراء التفاهات، لكن من الصعب أن توعيهم من جديد، ونحن بحاجة لمؤسسات جادة تعمل على ذلك".



الثقة مهمة فيما يكتبه الكاتب، فإذا كنت غير مقتنع بنصك فارمه بالزبالة، مقولة يرددها الكثير من الكتاب ذوي الباع، لكن الشابة جمانة سمير، تقول "لا أريد أن أنشر شيء في كتاب قبل أن أكون مسؤولة عن ما ينشر، وأن يكون ما أنشره خارج من همّ المجتمع، وأن تكون لغته قوية ولأجل هذا أذهب إلى الكثير من الندوات التي تقام لأجل أن أقوي كتاباتي أكثر، وعندئذ أنُقد أدبيا فإذا أصبحت كتاباتي بالمستوى تنهض بالمجتمع فسوف انشرها".



للإبداع أبوة

الناقدة رفقة دودين، ترى أن الشباب الذين لم ينشروا، يذكرونها بظروف جيلها، "لكننا وجدنا من يهتم بنا في الإبداع، وهذا ما يمكن تسميته بالأبوة في الإبداع"، واجدة أن هذه جزء من الإشكالية الكبيرة، عندما تفصل مسارات التنمية عن غيرها من المجالات وتحديدا الثقافة.



ورغم عدم نشر الكثيرين ما يكتبونه في الصحف أو حتى التفكير في عرضه على دار نشر أو ناقد لإبداء رأيه، تذهب جمانة إلى نشر ما تكتبه على الانترنت، لأن النشر عبره "أسرع وأسهل"، وتؤكد جمانة "لكل من الإنترنت والنشر سماتهما، لكن في العصر الذي نحن فيه تتطور فيه الحياة، فمثلا لا يوجد معارض كتب كثيرة، ومواقع بيع الكتب بعيدة عن أماكن سكننا، وأسعارها أيضا غير متداولة والإنترنت أرخص بكثير لنقرأ منه، فالكتب غالية كثيرا، فلو أردت أن أنشر كتاب يجب أن يكون لي اسما، يعني يجب علي أن أعمل على تطوير اسمي في مجال الكتابة وأقرأ كثيرا قبل أن أتجرأ على نشر كتاب".



لا يوجد أحد يساند من ألح عليه تفكيره في عرض نتاجه، تقول جمانة "لا أعرف كيف أقوم بعمل ديوان، وكيف أنشر كتاباتي، لست اعرف كيفيتها بعد، ولهذا قبل أن أصل لهذه المرحلة. قد أنشر بعد خمس أو ست أعوام".



وتعلق الناقدة دودين "أحزن كثيرا عندما أجد شابا يضع في جيبه قصيدة، ولا يدري أين يذهب بها، يجب أن تخصص لهم صفحات خاصة بإبداعهم والتفات نقدي جدي إليهم، وأن يصبحوا في حزمة اهتمام المؤسسات الراعية على الثقافة".



"هناك مواهب مدفونة في المجتمع، ربما يكون هناك كاتب مميز ولا ينشر، لكننا لا نعرف عنه شيئا"، يجيب رئيس الملحق الثقافي في جريدة الدستور، فخري صالح، لـ"برائحة القهوة"، ويتابع "لا يقدم نفسه للصحافة ولا لدور النشر، التي تقوم بطرحه".



ليس لمن لديه الإبداع الحجة في عدم نشر ما يكتبه، ويقول صالح "حتى الآن لم أجد كاتبا لديه موهبة حقيقية ولا ينشر"، معتقداً أن "الشخص الموهوب والحقيقي إذا طرق الأبواب فلا بد أن تفتح له، ولكن هناك مواهب قد تُجهض بالبدايات؛ بسبب ضغط الحياة العامة، وبسبب أن الكتابة لا تطعم خبزا، ولأن الكتابة لم تتحول بعد إلى مهنة في العالم العربي، ولا أعلم إن كان هناك كاتبا عربيا متفرغا للكتابة إلا عدد قليل، ولكن الكتابة تبقى هواية وليست عملاً يجني من وراءه الكاتب المال، وللأسف ربما يفكر السامع أنا الكاتب هو كاتب طلبات يعمل أمام دائرة".



لعل الأردن ليس البلد الوحيد بين الدول العربية الذي فيه "قد تجهض مواهب" ويذهب كثيرون كان من الممكن أن يصبحوا أصحاب إبداع لا يستهان به، لكن مشاغل الحياة والمادة كما ذكر الكتاب والنقاد، وثمة علاقات و"صحوبيات" تدخل في صميم الجسم الثقافي، تجهض إبداع من يكتب في الخفاء وتجعله يسطر نصوصا وأشعارا على ورق يخزن في النهاية داخل الدرج أو يرمى في الزبالة لعدم وثوقه بجدوى نشرها على الملأ.



وبالإضافة إلى ذلك، فإن انحسار القراءة وتراجع ثقافة الاهتمام بالكتاب أو متابعة الفعاليات الثقافية من ندوات وأمسيات شعرية وفكرية، أبعدت من لديهم الإبداع من نشر ما يكتبونه، ناهيك عن هيمنة الصورة في الفضائيات والتي أثرت على منحى حياة الناس.



هيمنة الأسماء المعروفة، أيضا لها مكانة في الحد من مَن أراد النشر في صحيفة ما، فبعض المحررين المسؤولين عن مشاركة القراء يلتفتون لأسماء بعينها، على حساب أخرى تبقى تنتظر رحمة الله ورحمة المعني عن نشر النتاج على سبيل الصدفة والقدر.

أضف تعليقك