ما بعد حديث الملك

الرابط المختصر

لعل نسبة من الاردنيين حرموا من الاستماع او معرفة كل حديث الملك لوكالة الانباء الاردنية, وهنالك الكثير من التفاصيل الهامة والمواقف التي لم تصل كاملة, والامر مرتبط بطريقة اعلان هذه المواقف والتفاصيل, فالصحف اعطت المقابلة حقها في العرض, وكذلك التلفزيون قدم خبرا ومقابلات وتحليلات, لكن طبيعة الناس انها تستقي الاخبار بالاستماع, ورغم كل الاهتمام الصحفي بالحديث الا ان الصحف جمهورها ليس بجمهور المستمعين الى مقابلة تلفزيونية او حديث مباشر, ولو كان الامر غير ما تضمنه حديث الملك من تفاصيل دقيقة لكان الامر عاديا, لكن هذه التفاصيل لم تصل الى نسبة من الناس من الضروري ان تصلهم.

ولعلنا بذات الشفافية نقول ان بعض من قاموا بالتحليل والتعليق ذهبوا في اتجاهات تتجاوز الوضوح الذي اتسمت به المقابلة, وهنالك من اعتقد ان خدمة الحديث الملكي هي بالهجوم على بعض الفعاليات السياسية او الاعلام, فالملك كان يتحدث عن ظواهر محددة ونقاط واضحة.
واذا توقفنا اليوم عند الجانب السياسي فإن ما سمي بالخنادق والتراشق او التنافس والصراع لم يكن بين جهات مجهولة بل بين اطراف معروفة ومحدودة بل وكان بعضها جزءا من السلطات واصحاب المواقع والمؤسسات, وما نقوله ليس سرا بل هو معلوم لكل متابع وقريب, وكل الاطراف استخدمت كل ادواتها واسلحتها السياسية والاعلامية واشاعات, ولهذا فالقصة لم تكن تعني الاردنيين وابناء المحافظات والقرى والبوادي, وحتى الاشاعات فقد كان مصدرها من هذه النخب, وكانت الاشاعات والقصص جزءا من اسلحة هذه الحرب السياسية.
من عليهم التوقف واخذ الموعظة والدروس من حديث الملك هم اطراف تلك الحالة الذين صنعوا اجواء مشحونة, وما نتحدث به ليس سرا او اختراعا فالجميع يعلمون ما الذي جرى خلال الاسابيع الماضية, وما صدر من اتهامات واشاعات ونميمة وغيبة كان واضحا في مصادره وجلساته, وكانت هناك اجواء قابلة للهدوء لكن كانت اطراف التنافس هي التي ترى مصلحتها في ابقاء التوتر والشحن السياسي والاعلامي.
الاردنيون وصلتهم بعض القصص واستفزتهم بعض الامور, وكان خوفهم صادقا على انفسهم وعلى وطنهم, لكنهم ليسوا معنيين بمن يكون في هذا الموقع او من يخلفه او من يبقى ومن يذهب, وكما اشار الملك في حديثه فإن التحدي والاولوية التي تشغله وتشغل الاردنيين هي الاسعار ثم الاسعار ثم الاسعار, ولهذا كانت تلك التجاذبات ينطبق عليها المثل الشعبي "عرس عند جيراننا", فما الذي يقلق الاردنيين بمن يشغلون المواقع او من ينتصر على من, لأن طبقات السياسيين واصحاب المواقع من السهل ان ينسوا خلافاتهم, فمن كانت مصالحهم متناقضة اليوم سيعودون للتوافق خدمة لمصالحهم غدا, وبعض اطراف التنافس السياسي كانوا في وقت سابق متجانسين.
الناس ليسوا بحاجة الا الى ان يستفيد السياسيون في السلطتين التنفيذية والتشريعية من الحديث الملكي؛ فإن حدثت هذه الاستفادة فإننا نكون قد تجاوزنا الحالة السلبية, فالمشكلة ليست بين الناس بل يتضرر منها الناس والاردن ومساره. ومن صنعوا الحالة وفتحوا الابواب امام تصاعدها الى درجة اضطرت الملك الى التدخل هؤلاء هم اول من يجب عليهم قراءة الحديث الملكي مرة بعد مرة ليلتزموا بنصه وروحه.

*نقلا عن جريدة الغد الاردنية