ما بعد الموازنة

الرابط المختصر

لا شك ان حجم الانتقادات التي وجهها السادة النواب الى الحكومة في خطابات الموازنة لا يعكس بأي حال حجم التأييد الذي حصلت عليه وزارة الذهبي من خلال التصويت على مشروع قانون خطة الدولة المالية لسنة 2009 والذي حصد 77 صوتا من اصل 89 نائبا حضروا الجلسة وبنسبة 90 بالمئة تقريبا, اي اعلى مما حصلت عليه في الثقة.

 

على أية حال, النواب دائما كانوا يستغلون موسم الموازنات للخطابات الرنانة والظهور الاعلامي والمطالبات الخدمية بعيدا عن مناقشة مسألة الاصلاح المالي وتعزيز الاستقرار الاقتصادي, لذلك كان رئيس الحكومة الاكثر تفهما للدستور اولا ولقانون الموازنة ثانيا, ولاول مرة استطاعت حكومة ان تمرر قانون الموازنة في موعده الدستوري, وان لا تخضع لمطالبات النواب والتي هي في العادة مخالفة دستورية من حيث زيادة الانفاق, على العكس كانت هناك توصية من المجلس بتخفيض النفقات الجارية باستثناء الرواتب 10 بالمئة وللعلم توصية النواب غير دستورية لانها تتطلب تغييرات في معظم بنود الموازنة من عجز ونفقات وغيرها ومن ثم التصويت عليها بناء على التعديلات الجديدة.

حصول الحكومة على التأييد الكبير من النواب على الموازنة يضعها امام تحديات جسيمة لا تقل عن ما واجهته بداية العام الحالي, لانها ببساطة ستتحمل المسؤولية كاملة عن تنفيذ ما جاء في قانون الموازنة الذي وضعته هي بنفسها ولم تتورثه كما حدث في القانون السابق.

كلمة الرئيس امام النواب قبيل البدء بالتصويت تضمنت تفهما واضحا لطبيعة تلك التحديات الجديدة التي ستواجه الاردن في العام المقبل, فمع تلاشي خطر ارتفاع اسعار النفط والمواد الغذائية وضعف الدولار والضغط على اسعار الصرف وتنامي عجز الميزان التجاري, تظهر امام الحكومة معضلة كبيرة في التصدي لتداعيات الازمة الاقتصادية العالمية من حيث الوصول الى حجم المساعدات المقدر لسنة 2009 والبالغ قيمته حوالي 684 مليون دينار, في ظل اوضاع ما زالت غير مستقرة بالنسبة للمانحين.

الحكومة ستواجه تحديا في تعزيز تنافسية الصادرات الوطنية حيث ان التباطؤ في الاقتصاد العالمي سيلحق خسائر جسيمة لدى المصدرين, الا ان المعضلة الرئيسية التي ستقف عقبة امام جهود التنمية هي مسألة جذب الاستثمار الاجنبي للاقتصاد الوطني.

ولعل هذا التحدي سيكون كبيرا في تداعياته امام الحكومة اذا لم تقم بادارة غير تقليدية للاستثمار, وقد اكد الرئيس الذهبي انه سيشرف شخصيا على جانب مهم في عمليات الترويج الاستثماري من خلال جولات مكوكية سيقوم بها على رأس وفد من القطاعين الى دول الخليج العربي لتعريف المستثمر الخليجي بخارطة الفرص الاستثمارية في المملكة والتي نجحت لغاية الآن في المحافظة على استقرارها في منطقة لم تعرف الاستقرار, ناهيك عن وقوفها صامدة امام تداعيات الازمة المالية, حيث ان الجهاز المصرفي ما زال يتمتع بأعلى درجات الاستقرار والادارة الرشيدة, ناهيك عن ان الاقتصاد الاردني يستطيع ان يكون نقطة ارتكاز استثماري في المنطقة بسبب الهدوء الذي تتمتع به قطاعاته الاقتصادية.

التحديات القادمة امام الحكومة لا تقل اهمية عن ما خلفته ازمة الاسعار من كوابيس على صانع القرار والمواطن معا, لذلك من الطبيعي ان يكون التعديل الوزاري المقبل ملائما ومناسبا مع تطلعات الرئيس في خلق آليات جديدة لمواجهة تلك التحديات, والجميع يتطلع الى التعديل الوزاري الاول المرتقب على حكومة الذهبي, فمن سيخرج ليس لانه قصر في عمله تحديدا, لكن لان متطلبات المراحل المقبلة تتطلب فريقا اكثر تجانسا وفاعلية في العمل الميداني والمتابعة والانجاز.0