ما الذي يدفع طفلا للأكل من “القمامة”؟
ما أن حُملت صورة، المصور الصحفي الزميل ساهر قدارة، لطفل يتناول الطعام من حاوية “نفايات” أو “قمامة”، على موقع “الغد” وعلى صفحاتها، حتى انتشرت الصورة كالنار في الهشيم، ليدور جدلًا حولها، ما بين متحسر على وضع الطفل، وكيف وصل به الحال، حتى يتناول طعامه من “حاوية قمامة”، وأخرى مشككة بصحة الصورة.
“الغد” وبعد نشر صورة بحثت مجددا عن الطفل حتى تمكنت من الوصول الى والدته التي أوضحت للغد ماذا حدث مع طفلها ابن الثلاثة عشر عاما وكيف انتهى به الحال ليتناول طعامه من الحاوية.
في التفاصيل، لا تختلف حكاية هذا الطفل، عن كثير من العائلات الهشة، التي يعمل معيلها كعامل مياومة، إذ ضاعفت أزمة جائحة فيروس كورونا، من الصعوبات اليومية التي تعيشها الأسر، ودفعت بها لتشجيع أطفالها على الانخراط في العمل غير المنظم، وما يتضمن من نبش نفايات، لكن ما لم يكن بحسبان العائلة أن تصل الأمور حد أن يتناول أي من أبنائها طعامه من حاوية نفايات.
تقول والدة الطفل “نحن عائلة مكونة من عدد كبير من الأبناء، واحد منهم عنده إعاقة ذهنية شديدة، بالإضافة لي ولزوجي”، مضيفة “أعمل كعاملة نظافة في إحدى المدارس الخاصة، أما زوجي فهو عامل مياومة في قطاع البناء والإنشاءات، لكن شغله تأثر سلبًا، جراء جائحة كورونا، خصوصًا في فصل الشتاء”.
وأكدت أن “زوجها يُعاني من أمراض. عشان هيك ما بقدر يحمل وزنا ثقيلا”.
كبر حجم الأسرة وعدم وجود دخل كاف لها، إضافة إلى الاحتياجات الخاصة للطفل المريض من علاج ومستلتزمات خاصة، مثل “الحفاظات” وغيرها، ضاعفت من حالة الهشاشة والفقر التي تعيشها الأسرة، حسب الأم التي قالت إنها “تتقاضى راتبًا قدره 292 دينارًا، بعد الاقتطاعات أستلم منه فقط 259. لا يكفي هذا الراتب أيًا من متطلبات عائلتي”.
وتضيف الأم “جميع أبنائي على مقاعد الدراسة، لكن مع “كورونا”، والتحول للتعلم عن بُعد، التحق 3 من أبنائي بالعمل، حيث يعمل أحدهم
في منشأة، والآخر مع والده، وابني الثالث الذي ظهر في الصورة يعمل في جمع النفايات”.
يعمل الابن الأكبر، الذي يبلغ عمره 17 عامًا في منشأة تجارية، تتركز مهامه في تنظيف المنشأة، إعداد القهوة والشاي وتوصيل الطلبات، وأثناء تواجده في المنشأة يتابع دروسه على المنصة، كما يتلقى مساعدة في متابعة الدروس من قبل صاحب المنشأة، تقول الأم “صاحب المنشأة متعلم وبساعد ابني بدراسته. الحمد لله ابني حقق معدل 87 % بالفصل الأول”.
أما الابن الثاني للأسرة، فبالإضافة لمتابعته تعليمه عن بُعد، فإنه يساعد والده في أعمال البناء، لكن دخله غير ثابت، بسبب سوء أوضاع العمل، خاصة في فصل الشتاء، فضلًا عن تأثر قطاع الإنشاءات بأزمة كورونا.
في حين يعمل الابن الثالث، والذي ظهر بصورة “الغد”، في جمع الخردة، بحسب الأم التي بينت “كان ابني يجمع الخردة في أيام العطل، بحيث يجمع دخلًا يتراوح ما بين دينار ودينارين يوميًا، لكن بعد “كورونا” والتحول للتعليم عن بُعد، أصبح يعمل في جمع الخردة بشكل يومي، إذ يتجه يوميًا لمنطقة صويلح لجمع الخردة”.
وحول المبالغ المالية التي يجنيها الأبناء من العمل، تقول الأم “جزء منها مصروف لهم، بما فيه الهاتف والانترنت، حتى يستيطعوا إكمال التعليم على منصة التعليم، والباقي بيعطوني إياه عشان مصروف البيت”.
“لكن ما الذي دفع بالابن الثالث لتناول طعامه من الحاوية؟”، تتساءل الأم، التي قالت “في هذا اليوم طلعت الصبح بكير حوالي الساعة الـ6.30 صباحًا من البيت، لآخذ ابني المريض إلى المستشفى. هناك طلبوا اعمله صورة، وطبعًا أخذت كل الفلوس معي، حتى استطيع دفع بدل المواصلات وثمن الصورة الإشعاعية، والعلاج”.
وتتابع “طلع ابني عالشغل بدون تناول وجبة الإفطار. وأثناء نبشه “حاوية القمامة” كالعادة ليجمع الخردة، لقي دجاجة ملفوفة بمادة القصدير، وعلبة معمول مغلفة”، موضحة أنه “قام بفتحها وأكل منها. بس كان طعمها سيئ، فتركها، وأكل المعمول”.
تعبر عن الأم عن صدمتها بتناول ابنها لطعام من “القمامة”، قائلة “زي ما أنت شايفة العيلة كبيرة. أنا كل يوم بطبخ لأولادي. الطعام الأساسي لنا خبز وبندورة، فضلًا عما يصل إلينا من تكية أم علي”.
“لكن احكيلك.. اللحمة والجاج، مش قدرتي أطعميهم إياها. قلبي عليه كان جوعان. وشاف الجاج اشتهاه”، بهذه الكلمات أكملت الأم حديثها لـ”الغد”.
وتزيد “بعرف هو ابني ومسؤوليتي ومسؤولية أبوه. بس ما باليد حيلة. المصاريف عالية مش ملحقين، لا عالبيت ولا الولاد ولا علاج ابني الصغير”، معربة عن أملها أن يأتي ذلك اليوم الذي استطيع أن اجلس فيه بالبيت، أرعى أولادي وابني المريض، “بدل ما اتركه كل يوم لاخوانه يطعموه ويغيروله ويحفظوه”.
كانت الأم قد حاولت تسجيل ابنها في مدرسة دامجة، لكن إدارة المدرسة رفضت، بسبب عدم قدرته على استخدام الحمام وحده، اما المراكز النهارية فكانت كلفتها الشهرية اعلى بكثير من قدرة العائلة.
وبحسب الأم، فقد زار ممثلون من مديرية التنمية الاجتماعية المعنية العائلة لبحث تقديم مساعدة لها.
وفي هذا السياق، قال وزير التنمية الاجتماعية ايمن المفلح لـ”الغد” إنه “بعد الوصول إلى العائلة قامت مديرية التنمية الاجتماعية بإجراء زيارة للعائلة واجراء دراسة لحالتهم وسيتم تقديم المساعدة لهم”.
وكتب المفلح في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، أول من أمس، إن الوزارة تبحث عن الفتى الذي نشرت صحيفة “الغد” صورته، قائلًا إن الوزارة ستدرس حالة الفتى لتقديم الرعاية الضرورية له في حال الوصول إليه.
وأضاف المفلح “تواصلت مع رئيس تحرير صحيفة “الغد”، مكرم الطروانة، للوصول للفتى الظاهر في الصورة المنشورة، لدراسة حالته وتقديم الدعم والرعاية الضروريه له. أبدت “الغد”، مشكورة، استعدادها للتعاون مع الوزارة لتسريع الوصول للفتى”