ماذا يحصل عند حجز جواز سفر عاملة المنزل؟

الرابط المختصر

 بداية عام 2008 وقعت "جوي" من الجنسية الفلبينية عقد عمل كعاملة منزل لسنتين في الأردن، ليتم أخذ جواز سفرها من صاحب العمل مخالفا بذلك أحكام قانون العمل وقانون جواز السفر، وإجبارها على العمل لمدة 18 ساعةً يوميًا لـ 5 سنوات أملًا بالحصول على جوازها، والانتقال لعملٍ آخر.

الا أن جوي فقدت الأمل وتركت المنزل في سبتمبر 2013، وعملت في المياومة لمدة سنتين عسى أن تصوَّب أوضاعها وتتمكن من الحصول على جواز سفرها والعودةِ لبلادها.

غير أن ما لم تتوقعه، هو قيام صاحب العمل بتقديم بلاغٍ لدى المركز الأمنيّ حال تركها المنزل، مدعيًّا أنها "هربت"، ويستخدم أصحاب العمل "بلاغ الفرار" للضغط على العاملات وإجبارهنَّ على العودةِ للعمل.

 

طلب المساعدة

وصلت جوي في آذار عام 2018 إلى مؤسسة مجتمع مدني، والتي قامت بوساطة مع صاحب العمل ، إلا أنه رفض إعادة جواز السفر إلى العاملة، مما أدى إلى توجه العاملة إلى القضاء.

حاولت العاملة في 5\3\2018 برفقة المحامي تسجيل الشكوى بشكل رسمي لدى مدعي عام غرب عمان وموضوعها حجز جواز السفر خلافا لأحكام قانون العمل وقانون جوازات السفر و وقانون العقوبات، إلا أن قلم التسجيل في المحكمة رفض استقبال الطلب إلا بوجود جواز السفر وهو بالأصل موضوع الشكوى.

لم يفهم الموظف موضوع القضية وأصر على وجود جواز السفر، ليتوجه المحامي إلى المدعي العام الذي طلب الرقم الشخصي للعاملة، وحصل عليه من إدارة الإقامة والحدود بعد 7 أيام.

 

معاناة الترجمة

في 12/3/2018، ولأن جوي لا تتحدث اللغة العربية وتحتاج الى طريقة للتواصل، انتخب المدعي العام مترجمة وذلك حسب قانون أصول المحاكمات الجزائية الا ان الترجمة أوكلت الى مترجمة سيريلانكيّة موجودة في المحكمة، لتقوم بالترجمة من الإنجليزيّة دون التأكد من خبرتها في الترجمة للمحاكم. حيث قامت أمام المدعي العام بترجمة إفادة العاملة بقولها "هربتُ من منزله وعملت في منازل أخرى وبقي جواز سفري لديه"، الا أنه وبالتدقيق في هذه الإفادة فإن العاملة أفادت "تركت العمل في المنزل للعمل في منازل أخرى" وأضافت أنها تعرضت للعديد من الانتهاكات.

 

المحاكمة

حضرت جوي للجلسة الأولى في محكمة صلح جزاء غرب عمان بتاريخ 23/4/2018، وقررت المحكمة انتخاب نفس المترجمة التي تواجدت أثناء تحقيق المدعي العام، اعترض كلا مُحاميَّ العاملة وصاحب العمل، ولم يمانع الأخير انتخابَ مترجمٍ آخر، ومع بدء إجراءات المحكمة عاد محامي جوي واعترض مرةً أُخرى على عدم جودة الترجمة، إلا أن المحكمة رفضت الاعتراض دون تسجيل ذلك في المحضر.

في الجلسة التالية، ورغم اعتراض محامي العاملة على جودة الترجمة، أكملت شهادتها "عندما كنت أطالب المشتكى عليه وزوجته بجواز سفري كان يخبرني بضرورة مراجعة المركز الأمني لاستلام جواز السفر، ولم أكن أراجع خوفًا من حصول مشكلة هناك وحبسي".

 

قرار المحكمة.

في 15/7/2018، قررت المحكمة عدم مسؤوليّة صاحب العمل، إذ انه عرض تسليم الجواز عبر المركز الأمنيّ للعاملة ، لكنها رفضت ذَلك؛ لخوفها من السجن كون عليها تعميم مفقود منه ، وقد قام  صاحب العمل بذلك بغية تسليم العاملة  للمركز الأمني و ابعادها ، ما دفع المحكمة للحكم بأن احتفاظه بجوازها لا يعتبر لغاياتٍ غير مشروعة، لا سيما وأن جوي هربت لجهةٍ غير معلومة. 

استأنف محامي العاملة القضيّة، وفي 19/11/2018، قررت محكمة الاستئناف رد الدعوى عملًا بأحكام قانون أصول المحاكمات الجزائيّة، وتأييد القرار المستأنف، ويعني ذَلك أن المحكمة لم تعتبر صاحب العمل مذنبًا، ولم تطالبه بإرجاع جواز السفر، ما جعل جوي بلا جواز وعدم تصويب أوضاعها القانونيّة في البلاد، كما أنها لا تزال ملاحقة بقرار "تعميم  المفقود" الذي قام به صاحب العمل في المركز الأمنيّ.

 

نظام الكفالة

بموجب تعليمات شروط واجراءات استخدام واستقدام العمال غير الأردنيين لسنة 2012، تم إعطاء الصلاحية لصاحب العمل بأن يقوم بالتعميم لدى مديرية العمل في حال ترك العامل عمله خلال مدة سريان تصريح العمل وعلى أن لا يقبل التبليغ خلال الشهرين الآخرين من مدة التصريح.

ما يدفع صاحب العمل للتعميم على العاملة في المركز الأمني بأنها مفقودة حتى وإن لم يستصدر لها إقامة وتصريح، ابتداءا ودون التأكد من صحة ترك العمل، فمن الممكن التعميم على العاملة أنها تركت العمل وهي لازالت تعمل لديه و ذلك للتهرب من تكاليف تجديد التصريح، وإقامتها، وعند انتهاءها من عملها يسلمها للمركز الأمني الذي سيقوم بدوره بتحويلها إلى الحاكم الإداري وإبعادها.

كما ويقوم بالتعميم لدى وزارة العمل على أن العاملة قد تركت العمل و يسمى هذا  التعميم " تعميم الفرار" ، وخلافًا للتعليمات حتى وإن كان التصريح منتهيًّا، وهذا كله من شأنه أن يعزز نظام الكفالة و يجبر العاملة على العمل كما يعرضها للاستغلال و العبودية من قبل صاحب العمل .

 

التأثيرات اللغوية على مسار القضية.

إن استخدام بعض المصطلحات من قبل المحاكم و الدوائر الحكومية يعزز مبدأ الكفالة والعبودية، وبالرجوع إلى قرار المحكمة السابق نجد أن مصطلحيّ "هروب" و"خادمة " قد ورد بالقرار، إضافة إلى ورود كلمة فرار بالتعليمات، وهو ما يعني وجود عملٍ جبريّ.

إضافةً إلى أن عقد العمل هو عقد شريعة المتعاقدين، و يستطيع كلا الطرفين أن يقوم بإقالة أو فسخ العقد في الحال الطبيعي، فلا يوجد أي تبرير لاستخدام كلمة "فرار" او "هروب" طالما انه عقد عمل وليس عقد للعبودية و الاستغلال و كلمة فرار عادة ما تطلق على متهم بجريمة و فار من وجه العدالة .

كما أن استخدام كلمة "خادمة" ينتقص من قيمة العمل ويدل على وجود نوع من الخضوع والعبودية، فعاملة المنزل هي إنسان وتعتبر موظفة تتمتع بالحقوق و يقع على عاتقها الالتزامات كأي عامل آخر .

كما ان للترجمة دور هام حيث إن التبديل بين كلمتيّ ترك العمل والهرب الذي حصل لدى المدعي العام يعطي انطباع للمحكمة بأنها تخلت عن جواز سفرها خلافاً للحقيقة بأن صاحب العمل كان يحتجزه، وهذا ما ترتب عليه قرار المحكمة بعدم مسؤوليّته وأن فعله لا يشكل جرمًا جزائيًا.