ماذا يحدث للأردنيين؟!
ثمة دلالات وإشارات مرعبة ومقلقة في قصة الطفل يزن، ابن الخمس سنوات، الذي قضى بعد مظنة خضوعه لمسلسل كامل من التعذيب والإساءة!
يزن، الذي انتقل قبل شهر للعيش في منزل خالته، بعد أن سُجن والداه وزوجة أبيه، أصيب بنزيف في الدماغ، قبل أن يتخلص من قسوة الحياة القصيرة التي عاشها! بينما يؤكد تقرير الطب الشرعي وجود "آثار عنف" واضحة للعيان.
هذه القصة الفاجعة للمجتمع الأردني، مع غيرها من قصص تخلع القلوب، نسمع عنها في الآونة الأخيرة، تصيبنا بالصدمة والذهول، وتطرح السؤال على مصراعيه: ماذا يحدث للأردنيين؟!
السؤال نفسه يعيدنا لكتاب المفكر المصري المعروف، جلال أمين "ماذا حدث للمصريين"، الذي رصد فيه ملامح التغيرات الاقتصادية والاجتماعية- الثقافية، التي أصابت المجتمع المصري خلال نصف قرن (1945-1995).
كتاب أمين أحال إلى تداعيات "انهيار الطبقة الوسطى" في القطاع العام المصري منذ عقد السبعينيات على البنية الاجتماعية، ما أدى إلى اختلالات كبيرة، من تفكك اجتماعي وانهيار قيمي، وبروز ظواهر اجتماعية وثقافية جديدة تعكس الحراك الطبقي المشوّه، وارتفاع معدل التضخم، والفساد، و"الاستثمارات غير النافعة" (على حد تعبير أمين).
مناسبة استحضار كتاب أمين، هنا، هي تفسير الصدمة التي يشعر بها الأردنيون خلال الشهور الأخيرة من حجم التحولات الاجتماعية المرعبة التي تمرّ بها البلاد، والانهيار القيمي وانتشار لأنماط جديدة من الجرائم والسلوكيات غير المعهودة في مجتمعنا.
دعك من دراسات لم يتم الإفراج عنها، إلى الآن، تتثير تساؤلات جوهرية حول القيم الوطنية والانتماء لدى جيل الشباب. فإنّ هنالك تساؤلات أخرى حيوية تُثار اليوم، في سياق التحولات الاجتماعية والحراك الاقتصادي، من وجود دلائل ومؤشرات واقعية على انتشار تعاطي المخدرات لدى جيل الشباب، وتنامي حالة الاضطراب الاجتماعي، وبروز أنماط جديدة من الجرائم الاجتماعية.
ذلك يبرز بالتزامن والتوازي مع ظواهر أخرى، أكثر جرأة في مصادمتها للثقافة الاجتماعية، كطلب مجموعة من "المثليين جنسياً" ترخيص جمعية خاصة بهم، وارتفاع نسبة الأطفال اللقطاء في "سلاّت المهملات".
الأخطر من ذلك المؤشرات المتعلّقة بهيبة القانون والنظام والدولة، وهي قيم كانت دوما في مكان محترم، مقارنة بدول أخرى. أما اليوم فثمة دواعٍ حقيقية للمراجعة، فما معنى أن تتعدد حالات ومحاولات الاختطاف والاعتداء بالضرب على عدد من الأشخاص، دون مبالاة للقانون والدولة؟!
مع التذكير بجيوب التطرف الديني التي بدأت تزدهر بمناطق الحرمان الاجتماعي في المدن الكبيرة، وفي الأطراف، وهي أقرب إلى وصفها بحركات "احتجاج اجتماعي بعباءة دينية"!
هذه الظواهر والتحولات وليدة برنامج "الإصلاح الاقتصادي" غير المدروس في أبعاده السياسية والاجتماعية، والذي أدّى إلى ضغوط كبيرة على الطبقة الوسطى، بحسب خلاصات دراسة أعدها د. إبراهيم سيف، وإلى شقوق اجتماعية واسعة وكبيرة.
لا يعني ذلك تجاهل أهمية الإصلاح الاقتصادي وضرورة التحول من الدور الرعوي للدولة إلى منح القطاع الخاص مساحة واسعة، لكن ضمن تصور استراتيجي مدروس، تدريجي، يراعي التوازن مع الأبعاد الاجتماعية والسياسية، ويتعامل مع الدولة باستحقاقاتها الأمنية الواسعة (اجتماعياً، سياسياً، ثقافياً)، لا أن يكون مسحوراً بنماذج اقتصادية تختلف في طبيعتها وشروطها عن الحالة الأردنية، وكثير منها كالقصور المبنية على "رمال متحركة"، كما أثبتت الأزمة المالية العالمية.
المشكلة الثانية في برنامج الإصلاح الاقتصادي أنّه لم يراع أثر تلك التطورات والتحولات على شروط الحياة السياسية، بعد أن تحوّل جذرياً نمط العلاقة بين المواطن والدولة.
الظواهر الاجتماعية والأمنية العديدة تؤكد الحاجة إلى "عقد اجتماعي" جديد، لا يعيد صوغ العلاقة بين المواطن والدولة فقط، بل تتم من خلاله إعادة النظر في وظائف الدولة، ومنح المجتمع المدني مهمات حيوية رئيسة لسد الفراع الناجم عن انسحاب الدولة من قطاعات أساسية، وصولاً إلى ترتيب البيت الداخلي بصورة أكثر إدراكاً وعمقاً.











































