ماذا سنطبخ غداً؟
اعتاد الأردنيون في أغلب الأحيان التعبير عن مشاعرهم بالسعادة أو الغضب أو التواصل الاجتماعي لمريض أو قريب بدعوته إلى وليمه في البيت أو في المطعم وحتى الهدايا تكون في العادة شيئاً يؤكل.
ام محمد زوجه وأم لأربعة أطفال يكاد يشغل بالها يومياً وبشكل أساسي فكرة واحده تظل تلح عليها باستمرار: ماذا ستطبخ لليوم التالي؟ فتمضي نصف نهارها الأول في مفاوضات حثيثة بين أفراد عائلتها على وجبه اليوم؟ وعندما يقع الاختيار بعد تسويات عديدة تمضي باقي النهار بإعدادها ثم التفكير بوجبة اليوم التالي.
تقول أم محمد" إن أكثر من نصف دخلها يذهب لشراء الطعام ومستلزماته، وبالتأكيد العزائم واقامة الولائم التي ترهقها صحيا واقتصاديا".
اقرب طريق للمنصب هو المواكله
ويعتبر البعض أن العزائم وإقامة الولائم بهذا الزخم يدخل احيانا في باب المصالح وليس من باب المحبه والكرم هذا ما تؤكده اروى ابو طير وهي ربة بيت وام لثلاث اطفال (بننعزم بره وبنعزم كمان وهذا راجع لطبيعة عمل الزوج وهناك جزء من العزائم مصالح وبعيده عن العلاقات الوديه).
وربما من أشهر المصالح المرجوة من وراء العزائم هي المناصب، يقول د. عامر الحافي استاذ الشريعة في جامعة ال البيت (المواكله تدخل من اجل المصالح الشخصية وأطماع شخصية معينه لكن تكون من خلال نظرية: اقرب طريق لقلب الرجل معدته وهنالك قناعة بأن اقرب طريق للمنصب هو المواكله وكأنه اذا اكلت مع انسان تستطيع ان تطلب منه ما تشاء".
وهذا افرز مشكله عند فئة الأقل حظا في المجتمع وهم الفقراء الذين لا يستطيعون إقامة الولائم وردّ العزيمة بعزيمة ولا يسعفهم وضعهم المادي لمشاركة الآخرين بالمواكلة" ففرض ذلك على تلك الفئه نوع من العزلة الاجتماعية والانكسار والشعور بالدونية مما يؤدي الى خلل في التركيبه الأجتماعيه)" بحسب الدكتور الحافي.
الطعام اهم سلعة تجارية
هذا الاهتمام المبالغ فيه بالطعام، كرس لكي يكون أهم سلعه تجارية فأصبحت السلع الغذائية المادة الأكثر رواجا مقارنه مع غيرها من السلع، كما يقول المخرج اياد الحيدري صاحب شركة انتاج إعلانات تجارية، الذي أوضح "تقريبا 75% دعايات أكل لأن الناس ما بفكروا في مسارح ولا ثقافة ولا رياضة ولا متحف حتى الزيارات الشخصية للناس كل هداياهم حلو وشوكولا وكل تفكيرنا أكل".
ويتابع الحيدري" أكثر ماده مغرية هي السلع الغذائية مثلا ابني وزنه 70 كيلو لأن المدارس ما بتعلمنا نروح مسرح وحتى لما نروح رحلة بنروح ناكل لذلك وعلى صعيد العمل كل الإعلانات أكثرها عن الأكل لأن الكسب المادي فيها كثير مجدي كل الإعلانات اللي عملتها 75% منها دعايات عصير ومطاعم وشوكولاته افتحي التلفزيون أكثرها دعايات شوكولاته لأنه ما في ثقافة توجهنا انه لازم نستغل أوقاتنا باشياء أخرى".
ليست كل عزومه صلة رحم
البعض يعزو هذه الظاهرة الى الدين فهو دعا الى المواكله في المناسبات من اجل صلة الرحم الا ان د.عامر الحافي ينفى ان الدين يدعو الى قصر التواصل على الطعام فقط من اجل صلة الرحم "في الأسلام مساحة المباح واسعة تهادوا تحابوا وليس التهادي بالطعام فقط وإقامة علاقات ودّيه واجتماعية بالطعام فقط فهنالك الفكرة والكتاب والورد اما الأقتصار على نمط الأكل فهذا غير صحيح".
مبالغه في الأكل وإغفال للروح
ويبدو أن مجتمعنا يبالغ في إشباع حاجاته من الطعام ويغفل حاجاته الفكرية والروحية بحسب ما يرى د.عامر الحافي بسبب أن "الخيارات أمام الناس محدودة لأسباب اقتصاديه" إلا أنه يتساءل بذات الوقت عن سبب الاعتماد على الطعام في إقامه العلاقات بين الناس ويؤكد " مجتمعنا يعيش الآن مراحل تحول فنجد المكتبة وخيارات كثيرة أخرى للتعبير عن المحبة وصلة الرحم وإقامة علاقات اجتماعية ناجحة ولماذا الاقتصار على المواكلة وتضخم نزعة العزائم او ما اسميها بثقافة الهفيت).
مواكلة وهفيت
وهو ما يعزوه الدكتور عزمي منصور دكتور علم اجتماع بأن مجتمعنا ما يزال يعيش ثقافة بدويه ويوضح منصور" إذا أردنا ان نعزم شخص نعزمه على أكل لما للأكل من قيمة اجتماعية، ونتيجة للتطور اصبحنا نعزم شخص على مطعم بشكل حضاري لكن لم يتغير شيء فما زلنا نعيش امتداد لمرحلة البداوة التي تركز ثقافتها على ثقافة حسية تركز على الحاجات الحسية للأنسان وبالتالي نمط الهدايا يتمحور حول المأكل والمشرب والملبس...لا نبادر للذهاب إلى مسرح وسينما لأنها من مفردات المجتمع المدني ونحن لم نصل لتلك المرحلة بعد).
ومن الواضح أن ثقافة المواكلة لا تقتصر فقط على مجتمعنا الأردني فهي عربية بامتياز، تقول أم محمد " أهلي في العراق وعندما يتصلون بي يقولون أنهم عاملين الطبخة الفلانية ويبقى عقلي بالطبخ فالأكل غالب على عقولنا ومسيطر عليها، مثلاً برمضان لا تستطيعين الدخول إلى المؤسسة من الأزمة والناس صافين على الدور وكأن الأكل سيخلص من الدنيا).
وإذا كانت اللمه على مائدة ثقافة حميميه اعتدنا عليها، فإن تجربه مشاركة من تحب بنزهة أو فكره هو أفق رحب من الجميل لو أننا نكتشفه من جديد.











































