لماذا نجحت كرة السلة وفشلت كرة القدم؟
عاند الحظ المنتخب الأردني لكرة السلة أمس وحال بينه وبين الخطف المبكر لإحدى بطاقات الوصول إلى نهائيات كأس العالم بعد خسارة غير مستحقة أمام الفريق الإيراني ، ولكن تبقى أمام المنتخب فرصة إضافية في نيل البطاقة الثالثة عندما يلتقي اليوم مع الخاسر من مباراة الصين ولبنان.
بغض النظر عن النتيجة النهائية لهذه البطولة فإن منتخب كرة السلة يستحق الشكر والتقدير والثناء على الأداء الفني الرفيع والانضباط الكبير الذي ميز أدائه وجعله يحوز على إعجاب كافة المتابعين ويرسخ وجوده كأحد القوى الكبرى في كرة السلة الآسيوية والعربية. ان هذا المنتخب يمثل بالفعل وجها حضاريا للأردن يجمع ما بين النمط الاحترافي العالي والإبداع والالتزام ومن المهم أن لا تكون نتيجة واحدة محبطة سببا في تعطيل مسيرة هذا الجيل من اللاعبين الموهوبين.
من المهم دراسة وتحليل الأسباب التي جعلت رياضة كرة السلة تزدهر فنيا واقتصاديا في الأردن مقابل الانهيار الدائم لكرة القدم والتي تعتبر اللعبة الشعبية الأولى. تألق منتخب كرة السلة الأردني ليس جديدا فمنذ أكثر من 20 سنة حقق الجيل الذهبي بقيادة مراد بركات وشقيقه هلال وزملائهم سمير نصار وعماد السعيد ويوسف زغلول وينال ألخص وجمال البحيري وغيرهم نتائج مبهرة وضعت كرة السلة الأردنية على قمة السلم العربي. هذا الفريق الذهبي كان مبنيا على نجوم فريقي الأرثوذكسي والأهلي الذين تقاسما البطولات والألقاب في الأردن وكانت المنافسات بين الفريقين تعتبر قمة حقيقية لكرة السلة وكانت تستقطب جماهير كبيرة ومتحمسة وخاصة من الطبقة الوسطى التي ينتمي إليها كلا الناديين. لم يكن النادي الأرثوذكسي فقط ممثلا للمجتمع المسيحي في الأردن ولم يكن النادي الأهلي ممثلا للمجتمع الشركسي وكان اللاعبون والجمهور من مختلف الفئات والاتجاهات والاعمار لكن طبيعة الناديين المفتوحة جعلتهما مصنعا لإنتاج النجوم.
بقيت ملاعب كرة السلة مكانا ممتازا للمتعة العائلية ، وضمن شروط حرصت الاندية الأردنية على حمايتها من الحرص على الأمن واحترام المنافس وعدم السماح بالبذاءة والعنف والاستفزاز بين الجمهور. ومع أن بعضا من جمهور كرة القدم حاولوا غزو ملاعب السلة بلغتهم غير الحضارية وسلوكهم المتعصب في نهاية التسعينات فإن سمو الاميرة هيا بنت الحسين تصدت لهم بوضوح عندما أوقفت مباراة المنتخب الأردني مع شقيقه السوري في بطولة الحسين الرياضية العربية عام 1999 وطلبت من الجمهور احترام الفريق السوري الزائر بعد أن تعرض الأشقاء إلى سيل من الإهانات غير المقبولة.
حققت كرة السلة الأردنية نقلة نوعية جديدة مع الدخول الجدي إلى عالم الاحتراف في بداية القرن الحادي والعشرين ونشوء أندية من الشركات وكذلك الجامعات مما رفع من سوية الأداء وإدخال عقود احتراف ومكافآت ورواتب عالية للاعبين ونمط تدريبي متميز جعل المنتخب يتجاوز الكثير من العقبات التي كانت تعيق طريقه في السنوات الماضية وتمكن من التفوق بالذات على المنتخب المصري في الإسكندرية عام 2007 وعلى المنتخب اللبناني في عدة مناسبات قبل أن تظهر العقدة الإيرانية. ومع أن النادي الأهلي اضطر إلى إلغاء كرة السلة بعد أن تزايدت المتطلبات المالية والاحترافية فإن النادي الارثوذكسي بقي منافسا للأندية الجديدة التي ظهرت مثل زين والرياضي والأرينا والتطبيقية وحتى نادي الوحدات ساهم في المنافسة لعدة سنوات وقدم لاعبين مهمين لكرة السلة الأردنية.
النمط الاحترافي الحقيقي في كرة السلة وغياب سوء السلوك عن المدرجات وعدم وجود الخلفيات المتعلقة بالتعصب الإقليمي والإدارات المتمكنة للأندية ساهمت في الحفاظ على منتخب قوي رفع رأس الأردن في كافة المحافل التي شارك فيها ، وهذه التجربة من المهم أن يتم دراستها بدقة ومحاولة تطبيقها على كرة القدم التي تعاني من كافة الأمراض التي تمنع تطور الأندية والمنتخب.











































