لماذا تعاطف الناس مع سارة حجازي؟

الرابط المختصر

أكثر من مرة جرى التلميح لوجود سبب مؤامراتي وراء تعاطف الناس مع انتحار الشابة المصرية سارة حجازي، خصوصاً من قبل معارضي حقوق المثلية الجنسية في المجتمع العربي، وفي أحدى المدونات التي تم تداولها بكثرة طُرح تساؤل عن سبب تعاطف الناس مع قضية سارة مقابل انتشار التعاطف مع قضية سيدة توفيت بإطلاق نار خلال عنف المخدرات في مخيم فلسطيني في لبنان.

للأمر عدّة عوامل لا علاقة لها بالمؤامرة، وهي كالتالي:

- الاختلاف بين رمزية الموت ورؤيته مجرّداً: مَن منكم شاهد صورة جثة سارة بعد وفاتها؟ لا أحد بالطبع ولا أعلم إن كانت هذه الصورة موجودة أم لا، لكن ما شاهدناه هو رسالة مقتضبة ومؤثرة مكتوبة بخط اليد الجميل والواثق، أعطتنا دلالة رمزية عن الموت دون أن تخدش مشاعرنا كجمهور، في حين أن حادثة السيدة الفلسطينية كانت مرعبة، وترددت شخصياً أكثر من مرّة قبل مشاهدته ولن أجرؤ على إعادة مشاهدته لقسوته، ولن أفكر بمشاركته مع أحد، وهو ما تسبب بشكل أساسي بعدم انتشار المقطع بشكل كبير (كتبت مقال سوف ينشر قريباً مجلة الصحافة أشرح فيه أكثر عن خصوصية الموت في قضية جورج فلويد أسرد فيه تفاصيل أكثر لذلك لن أشرح أكثر من ذلك هنا).

- الهوية المجهولة: في قصيدة حالة حصار، يلخّص محمود درويش هذه القاعدة الذهبية بالآتي "ولا نبأ يزعج العالم المتمدن، فالزمن البربري انتهى. . والضحية مجهولة الاسم، عادية"، فكلما كانت الضحية غير معروفة وبقي اسمها مجهولاً تصبح القضية أقل انتشاراً وتعاطفاً، فنادراً ما نتعاطف مع أشخاص مجهولين، وفي علم النفس هنام ما يعرف بتأثير الضحية القابلة للتحديد أو Identifiable victim effect والتي تعبّر عن نزعة الأفراد بشكل جماعي إلى التعاطف ومساعدة الضحايا المحددين حتى وإن كانوا ينتمون لقضايا عامة، والعكس صحيح أيضاً، أي نزعتهم إلى عقاب شخص مذنب.

- التراجيديا البطولية: الفارق بين حادثة سارة وحادثة السيدة الفلسطينية هو أن سارة قامت بفعل الانتحار، بعد أفعال أخرى فيها نوع ملحمي من ناحية روائية، فتاة وسُجنت عُذّبت ولجأت، سارة لديها قصّة ولم تكن شخصاً عارضاً ذهب ضحية تواجده في في المكان والوقت الخاطئين، يقول أرسطو " أن شخصا واحدا قد يقوم بأفعال كثيرة ليس من بينها فعل واحد يصلح أن يكون فعلاً درامياً"، وفي حالة سارة فإن كل أفعالها درامية.

في حادثة مشابهة للسيدة الفلسطينية، تعرّضت سيدة سويدية للقتل على يد مجهولين العام الماضي على الملأ وهي تحمل رضيعها بين يديها وأدت إلى إحداث صدمة في المجتمع السويدي، لكن الاختلاف بالتفاصيل بين القصتين كان كبيراً أيضاً، فالسيدة السويدية تعرضت للإعدام العام ولم تكن هناك بالخطأ، والسيدة طبيبة ومتزوجة من رجل عاصابات سابق وتم نشر صورتها واسمها بسرعة من قبل الإعلام السويدي، أي كان هناك حكاية غير متوقعة في القضية، بالإضافة إلى ان المجتمع السويدي غير معتاد على قتل النساء بهذه الطريقة.

- التعبير عن المظلومية: أعداء سارة هم أعداء الكثير من الشباب العربي الذي خسر حلم الحرية والتعددية، وبات يفكّر بعقلية الأقلية داخل المجتمعات العصيّة على التغيير، والتي تسيطر عليها الشريحة التقليدية التي تمارس الهيمنة الاجتماعية وتجلد بسوط العار المجتمعي كل ما هو مختلف، ابتداءً من الأسرة مروراً برجال الدين وشيوخ القبائل وانتهاءً بالسلطة السياسية، لذلك فإن صرخة سارة الأخيرة عبّرت عنهم أيضاً وعن المشاكل التي يواجهونها يومياً، في حين أن الشريحة التي لديها مظلومية أو مشاكل مباشرة مع تجار المخدرات قليلة جداً عند مقارنتها بالشريحة الأولى.

بالضرورة هناك عوامل أكثر تؤثر على حصول قضايا معينة على تعاطف أكثر، لكن باعتقادي هذه النقاط الأساسية التي أرغب بمشاركتها، إذا كان لديك نقاط أخرى شاركنا إياها.

احمد أبو حمد\صحفي اردني في المهجر