لا وقت للثقافة في رمضان..

الرابط المختصر

يبدو المشهد الثقافي يتيماً في أيام وليالي رمضان، حائراً لا يدري المثقف فيه ما يفعل، والى أين يتجه. هل هذه حقيقة؟ وأين المؤسسات التي نصبت أنفسها راعية للثقافة في البلاد. قلة الأنشطة الثقافية لدرجة إنعدام الندوات والمحاضرات، وإلغاء الأمسيات وحتى الأصبوحات الثقافية والشعرية في أكثر المؤسسات المعنية، هل له أسباب مبررة، وهل احتياج المثقف إلى مثل هذه الفعاليات يخفت في شهر رمضان؟



شهر رمضان شهر العبادات والممارسات الروحانية، لكن هل يعني هذا توقف الممارسات المتعلقة بثقافة الفرد وإثراء فكره، في غير رمضان تكاد الندوات تعد على الأصابع، والمحاضرات والأمسيات محدودة، وفي رمضان تصبح هذه الفعاليات شبه معدومة. ليدعونا ذلك للوقوف عليه بدهشة.



توقف أم إجازة؟

مؤسسة عبدالحميد شومان من المؤسسات التي تعنى بالثقافة، واعتاد المثقف على الندوات والمحاضرات التي تقيمها على مدار السنة، لكنها في شهر رمضان تتوقف عن إقامة هذه الأنشطة. هل هناك هدف معين من هذا؟ أجاب المسؤول الإعلامي في مؤسسة شومان أحمد طمليه، لبرنامج "برائحة القهوة قائلاًَ "تتوقف الأنشطة الثقافية لمؤسسة عبدالحميد شومان فقط في رمضان، والمقصود فيها الأنشطة المتصلة بالندوات والمحاضرات، أما فيما يتصل بالخدمات الأخرى على صعيد خدمات مكتبة عبدالحميد شومان العامة، فهي تبقى متاحة، قبل الإفطار من الساعة الثامنة والنصف وحتى الواحدة والنصف ظهراً، وبعد الإفطار من الساعة السابعة والنصف حتى العاشرة مساءاً".



توقف الأنشطة تقليد اتبعته المؤسسة بناءاً على تجربتها السابقة، ويؤكد طمليه "لوحظ أن شهر رمضان له خصوصيته، وأكثر الرواد يكونوا أكثر ميلاً للتواجد في بيوتهم، ولممارسة الطقوس الإجتماعية المألوفة في الأردن".



"فبعد تجربتنا ونحن نعمل في هذا الحقل الثقافي منذ عشرين عاماً، لاحظنا أن النشاط الثقافي المتمثل بالندوات والمحاضرات لا يلقى الإقبال المطلوب، ومن جهة أخرى فقد دأبت المؤسسة فيما يخص الأنشطة الثقافية فقط، أن تتوقف في كل سنة لمدة شهر، لأننا نعمل على مدار السنة بواقع نشاطين أو أكثر كل أسبوع، ومحاضرة كل يوم إثنين وفيلم سينمائي كل يوم ثلاثاء، ونشاط على شكل مائدة مستديرة أو ندوة أيام السبت. فهذا الضغط يلزمنا أن يكون هناك استراحة حتى نعدّ لبرامجنا في المواسم القادمة".



ويرى طمليه أنه ينبغي على المؤسسة، وعلى جميع المؤسسات المشابهة، أن تأخذ إجازة حتى تعيد برمجة نشاطاتها، لكن هذا التوقف متعلق في الندوات والمحاضرات فقط أما الأنشطة الأخرى فتستمر، "نشاطاتنا متصلة ببعضها البعض، هناك محاضرات وهناك عمليات نشر فكر، بمعنى أن هذه المحاضرات تنشر في كتب وبالتالي توقف النشاط المعلن لا يعني أن المؤسسة توقفت عن نشاطاتها، لكن المؤسسة تعمل على إصدارات هذه المحاضرات في كتب، وتلاحظوا أنه في الجرائد وفي وسائل الإعلام المختلفة، إصدارات المؤسسة من الكتب تغني المكتبة العربية وتوزع بشكل ممتاز".



والسبب... اختلاف إيقاع الحياة

محمود الريماوي كاتب وقاص وصحفي، وجد أن الفعاليات الثقافية في رمضان تقل ولا تتوقف نهائياً، "بدليل أننا نرى نشاطاً في رابطة الكتاب وفي بيت الشعر الأردني، فالنشاطات تقل ولا تتوقف".



لكن إيقاع الحياة كله يختلف في شهر رمضان، ومواعيد الناس وارتباطاتهم وطبيعة نشاطهم كله، ويؤكد الريماوي "فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك كله على النشاط الثقافي، وهذه القلة أصبحت نوعاً من التقليد، فشهر رمضان هو مزيج من العمل والعطلة والراحة والعبادة، فهذا الطابع العام في شهر رمضان ينعكس على النشاط الثقافي"



"المثقف هو من أقل فئات الجمهور التي تقبل على الفعاليات الثقافية، وهي مشكلة موجودة عندنا في الأردن ففي معظم النشاطات والفعاليات المقامة قلما يحضرها المثقفون والأمسيات الشعرية قلما يحضرها الشعراء والأمسيات القصصية قلما يحضرها القاصون، فالأدباء والمثقفون قلما يقبلون على الأنشطة الثقافية في رمضان أو على مدار الأيام الاخرى، وهذه الظاهرة لها صلع بعلاقة المثقفين فيما بينهم".



الكاتب أو الأديب بإمكانه أن يتزود بمصادره وبما يشبع حاجته في الثقافة والإبداع من غير هذه النشاطات، من خلال القراءة ومن خلال الإنترنت ومن أي مصادر أخرى وليس بالضرورة الفعاليات والنشاطات الثقافية كما يقول الكاتب الريماوي.



لا طلب على الثقافة... في رمضان

ويوافق الكاتب موسى برهومة في أن طبيعة شهر رمضان وأوقاته تكون محصورة في وقت النهار، موضحا أنه "قد بدأت مؤسسات ثقافية في الآونة الأخيرة مثل رابطة الكتاب وبيت الشعر بتنظيم أمسيات شعرية وأدبية تستضيف من خلالها عدد من الكتاب والمثقفين".



"الذي يطغى على هذه الفعاليات الطابع الإحتفالي أكثر من الطابع الثقافي والأدبي، فطبيعة السهر في رمضان يفضل فيه الأفراد التسلية والترفيه والذهاب الى الخيم الرمضانية أكثر من الذهاب الى محاضرة جافة ورصينة لا تشعرهم بالمتعة التي يطلبوها في رمضان".



ولما ليس هناك أيضاً أصبوحات ثقافية؟

"لو أقيمت أصبوحة، لن نجد من يحضرها أو يأتي إليها، لأن طبيعة ال بسبب ضيق الوقت في النهار، ويكون الناس صائمين، فيجد بعضهم صعوبة للإصغاء لمحاضرات تحتاج الى تركيز وتفكير".



"أؤيد أن يكون شهر رمضان استراحة، وهو طقس تغلب عليه الصفة الدينية أكثر من أشهر السنة فلا ضير أن يكون محطة للاستراحة، استراحة الجمهور من المحاضرات والرصانة الفكرية، واستراحة الكتّاب من الانهماك في الأمور الجدية".



هل تحتاج الثقافة إلى التوقف، وهي بطبيعتها تراوح مكانها وتنازع لأجل الاستمرار باقي السنة، وهل يحتاج المثقف إلى فترة نقاهة في رمضان، يستعيد فيها والمؤسسات الثقافية من خلاله النشاط، أم شهر للتقاعس. أم كما ذكر الكتاب أنه كحال أي شيء في رمضان يؤجل لما بعده.

أضف تعليقك