لا أحد يستطيع التنبؤ بالزلازل

الرابط المختصر

نتحدث منذ فترة عن مصداقية الاعلام ، ونؤكد بأن المصداقية تعني الحقيقة وعدم تضليل القارئ أو المشاهد بمعلومات غير مكتملة أو استنتاجات غير مبنية على الوقائع. وفي حقيقة الأمر فان هذا التباعد عن قيم المصداقية لا يحدث فقط في السياسة والتي هي خاضعة للكثير من قوى التلاعب وتكييف المواقف وفق المصالح ، بل ايضا ترتبط بما يفترض أن يكون مبنيا على الحقيقة التامة والمقاسة رقميا وهي التغطية الاعلامية للشؤون العلمية.

نقرأ منذ ايام عن احتمال وجود هزة أرضية مدمرة في المنطقة وهذا الموضوع مكرر ومطروح دائما للنقاش لأن العالم العربي يقع فوق فالق زلزالي معروف دوليا. ولكن ابنتي في الصف الثاني الابتدائي لن تصدق ابدا ، بما حصلت عليه من معارف في السنة الدراسية الأولى والثانية بأن زلزالا واحدا يمكن أن "يدمر" بيروت وتل أبيب والقاهرة معا وهي مدن تبعد عن بعضها البعض مئات الكيلومترات.
ولكن بعض وسائل الاعلام العربية تعتقد بذلك ، بل وتضع الخبر في مقدمة الأخبار العاجلة وتتم مناقشة هذه الاحتمالية ، ويتبرع أحدهم للقول بأن الزلزال العتيد لن يحدث لأن دراساته وأبحاثه الخاصة المرتبطة بعلاقة الزلازل بحركة القمر لا تشير الى وقوع هذا الزلزال ، على اعتبار أن صاحبنا هو المرجعية الأولى والأخيرة في توقع حدوث الزلازل في العالم وأن مناهجه البحثية الفريدة لا يستخدمها اي باحث زلازل في العالم.
لست خبيرا فلكيا ، وكذلك هو حال الغالبية العظمى ممن يتنطح للحديث عن توقع الزلازل ولكنني أدعي بأنني وبحكم تخصصي المهني أتابع أهم ما يصدر عن العالم من أبحاث علمية وما أعرفه أنه لا يوجد اي شخص سواء كان جارنا أبو محمد أو كبير خبراء الزلازل في العالم قادرا على تطوير منهجية قياس علمية يمكن أن تتوقع حدوث الزلازل ، أو حتى عدم حدوثها.
الكثير من العلماء المحترفين والهواة حاولوا الربط ما بين تواتر حدوث الزلازل وبعض الظواهر الجيولوجية والفلكية والعلمية ومنها المجالات الكهرومغناطيسية وتصرف الحيوانات وكميات الغيوم في السماء وتواجد غازات الرادون والهيدروجين وكذلك حركة القمر وما يرافقها من المد والجزر ولكن لا يوجد أحد يملك حسا علميا مسؤولا يمكن له أن يدعي أنه يستطيع التنبؤ بالزلازل.
نظرية الربط بين الزلازل وحركة القمر والمد والجزر ليست جديدة وهي منتشرة في "الاعلام العلمي الشعبي" والذي يعتقد ايضا بوجود كائنات فضائية هبطت في أريزونا في الولايات المتحدة ولكنها ليست نظرية يعتد بها علميا ولم يثبت أنها يمكن أن تكون قابلة للاستخدام كمرجعية في محاولة التنبؤ بالزلازل. ولا توجد ضمن هذا المنطق الا ورقة علمية واحدة نشرتها مجلة "سيانس" المحكمة والمعروفة دوليا في العام 2004 للباحثين اليزابيث كوكران وجون فيدالي وساشيكو تاناكا وهي تظهر ترابطا بين بعض الهزات الأرضية الضحلة ذات المنشأ البحري وبين حركات المد والجزر.
التقدم العلمي مطرد يوميا ومن الطبيعي ظهور دلائل جديدة وأفكار وتوجهات يمكن لها أن تحدث اختراقا في كيفية التنبؤ بالهزات الأرضية ، ولكن هذه المعلومات تنشأ من أوراق علمية واضحة تدرس عدة حالات وتقارن بينها وتضع عوامل الترابط المناسبة ، وتتوقع الأوساط العلمية في العالم أن الريادة في هذا المجال ستكون للعلماء الصينيين. الى أن يحدث ذلك ، استطيع أن أقدم نصيحة واحدة لكل من يقرأ هذا المقال مفادها لا تصدقوا ابدا اي شخص يدعي قدرته على التنبؤ بالزلازل خاصة اذا كانت منهجيته غير واضحة علميا. ولكن الحذر مطلوب على المستوى الشخصي وعلى مستوى الدولة من خلال تطوير والتدريب على خطط الطوارئ في مواجهة آثار الهزات الأرضية لأن الأردن والمنطقة العربية تقع بالفعل على فالق زلزالي معروف.

*نقلا عن الدستور الاردنية