كيف يمكن أن تكون وطنيا ولا تحب أغاني عمر العبدلات؟

الرابط المختصر


مزاجي في الموسيقى محدد غالبا في الموسيقى الهادئة والكلمات المعبرة، وأجد نفسي في كثير من الأحيان غير قادر على الإستماع إلى الأغاني السريعة الصاخبة إلا إذا كانت من قبل مطرب بصوت متميز وموسيقى ذات إيقاع راقص (نجوى كرم، كارول سماحة، الخ...).

هذا السبب يجعلني من غير المعجبين بالمطرب الأردني عمر العبدلات وخاصة في أغانيه الجديدة والتي تعتمد على الصراخ والإيقاع السريع جدا والكلمات المسلوقة، ولكن المشكلة أن أغاني عمر العبدلات وبفضل الإعلام الرسمي والذوق الشعبي العام باتت وكأنها مؤشر على الوطنية في الأردن ولا بد لكل شخص وطني أن يستمتع بها أو على الأقل يملك القدرة على احتمالها.

 
 
في الصيف الماضي تخرجت زوجتي من برنامج الماجستير في الجامعة الأردنية وقد حضرت وأفراد الاسرة حفل التخريج في ملعب الجامعة. بالطبع كان حضورنا قبل ساعتين وأكثر من بداية التخريج للحصول على موقع مناسب وبالرغم من ذلك فقد كان من نكد الدنيا في ذلك اليوم أنني لم أنتبه إلى أن مقعدي كان قريبا من السماعات الكبيرة والتي لم تكن قد بدأت بالعمل وبالتالي لم أعرف مسبقا ما الذي سوف ينتظرني في الساعتين القادمتين.

ما حدث بعد ذلك كان أكبر وأقسى عملية إنهاك لطبلة أذني تعرضت لها في حياتي. المشرفون على الحفل قرروا أن نمضي الساعتين ما قبل الإحتفال بالإستماع إلى عمر العبدلات في أعلى صوت يمكن تخيله، وكنت أنا من الضحايا الأساسيين لوجودي قرب السماعات. خلال ساعتين اصابني أسوأ صداع يمكن لأي إنسان أن يحس به لأن الجامعة الأردنية أرادت تعليمنا درسا في الوطنية بأغاني العبدلات وليس نجاة الصغيرة وفيروز مثلا. لقد أكدت لزوجتي العزيزة بعد تخرجها بأن أكبر إثبات على محبتي لها هو قدرتي على تحمل أغاني العبدلات ساعتين متتاليتين في مكان واحد بدون أن أهرب للنجاة بنفسي، وهذه قمة التضحية.

من حق كل شخص أن لا يحب أغاني مطرب معين ومنهم العبدلات، وليس من حق اي شخص أن يفرض هذا الذوق من الأغاني على الآخرين بحجة الوطنية. والمفارقة أن بعض هذه الأغاني يتم عرضها في مواقع لا تتناسب أبدا مع الحدث أو نوع الأغنية، ولكنها تكون دائما في المقدمة بإعتبار أنها أغنية وطنية. لقد حضرت عرسا لصديق مؤخرا كان فيه تقديم للمشروبات الكحولية، وبعد ثلاث أو أربع لفات من المشروب بدأ الشباب يرقصون مترنحين على أنغام "جيشنا جيش الوطن" وكذلك "عنقر بوريتك" مع أن أحدا منهم ما كان قادرا على عنقرة رأسه في مكان ثابت لمدة دقيقة!!

عندما ابديت رأيي في أغاني العبدلات لصديق لي يعتبر نفسه وطنيا أردنيا إمتعض ونظر لي وكأنني خائن للوطن والملك لأن هذه الأغاني أصبحت في العرف الوطني مؤشرا على الإنتماء والولاء، ولكن هذا توجه غير منطقي وخطير في نفس الوقت.

أغاني العبدلات تستهوي الكثير من الأردنيين ولكن هناك من لا يحبها وهناك من يجد صعوبة في فهم معانيها ولا يجوز أن تكون هي النمط الثقافي الوحيد للأغاني الوطنية. عندما كنت صغيرا في سن السادسة أو السابعة تعلمت أول درس لي في الوطنية من أغنية "معه وبه أنا ماضون" والتي كانت من أروع ما تم إعداده من أغاني وطنية في تاريخ هذا البلد. لقد حفظت الأغنية عن ظهر قلب وأنا صغير وكنت أغنيها في كل مكان وفي ذاكرتي كانت هي أول إحساس حقيقي يغمرني بالوطنية وحب هذا البلد والملك الحسين رحمه الله. ثم إستعمنا إلى روائع نجاة الصغيرة وفيروز والتي كانت نماذج للأغاني الوطنية الرائعة والمتعوب عليها والتي تدخل قلوب جميع المواطنين بغض النظر عن ثقافاتهم المحلية.

وعلى كل حال يبقى العبدلات أكثر موهبة وقدرة من عشرات النماذج المشوهة من مطربي الكباريهات الذين يحاولون إستغلال المناسبات الوطنية لتقديم أغاني مسلوقة وضعيفة النص واللحن مهداة إلى الأردن أو الملك وتكون في حقيقة الأمر إهانة للأردن بسبب المستوى الركيك لهذه الأغاني.

أنا وطني أردني وأحب بلدي ولكنني لا أحب أغاني عمر العبدلات باستثناء "يا سعد لو تشوفه" فقط عندما اشاهدها بمونتاج مشاهد كأس العالم 1994 وأتمنى أن نعود إلى زمن الأغاني الوطنية الهادئة والمعبرة التي تناسب جميع الأذواق.