كيف سيطرت كتائب القسام على "فرقة غزة"؟

الأداء القتالي للمقاومة الفلسطينية ومعرقلات العمل
الرابط المختصر

مقدمة

شنّت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عملية عسكرية خاطفة في منطقة "غلاف غزة"، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أطلقت عليها اسم "طوفان الأقصى"، وكانت هذه العملية مفاجئة وصادمة بالنسبة إلى إسرائيل. ركز الهجوم على مقر "فرقة غزة" في جيش الاحتلال الإسرائيلي والمواقع والقواعد العسكرية التابعة لها، لكنه سرعان ما توسع ليشمل العديد من الكيبوتسات في منطقة غلاف غزة، وقد أسر مقاتلو القسام عددًا من العسكريين والمدنيين، وعادوا بهم إلى غزة، في ظل مواجهة غير متناظرة من الناحية العسكرية بينهم وبين جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يطرح تساؤلات عن الأداء القتالي لكتائب القسام، على الرغم من الحصار المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من 17 عامًا؛ من ناحية تطوير قدراتها العسكرية، ومن ناحية إدخال أسلحة جديدة محلية الصنع في معركة طوفان الأقصى. فما الخطة العملياتية التي وضعتها كتائب القسام لتنفيذ هذه العملية التي تضمّنت عنصرَي المفاجأة والصدمة سياسيًّا وعسكريًّا في إسرائيل؟ وما المعرقلات، على المستوى العسكري، التي قد تجعل من العمل البري المحدود/ الموسع مكلفًا بالنسبة إلى إسرائيل في قطاع غزة؟

أولًا: الحرب اللامتناظرة: إسرائيل والمقاومة

تُعد الحروب اللامتناظرة Asymmetric Warfare نوعًا من أنواع المواجهات العسكرية التي تدل على وجود فارق كبير في القوة والقدرات والتدريب بين الأطراف المتحاربة. وعمومًا، يكون طرفٌ في هذه الحرب ذا قوة عسكرية هائلة، في حين يكون طرفٌ آخر ضعيفًا نسبيًّا. وهذا الأمر ينطبق على المواجهات العسكرية في فلسطين بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وقوى المقاومة العسكرية في مراحل تاريخية مختلفة، آخرها معركة طوفان الأقصى؛ من ناحية وجود فوارق كبيرة في ميزان القوة بين كتائب القسام وجيش الاحتلال الإسرائيلي متعلقة بالقدرات العسكرية، والتكنولوجية، والموارد، والتدريب.

تتميز الحروب اللامتناظرة باستخدام الطرف الأضعف في معادلة الصراع تكتيكات غير تقليدية تقوم على عنصرَي المرونة والتكيف على نحو يجعله يغير من استراتيجياته وفقًا لطبيعة المعركة. ففي حالة الهجوم، يلجأ الطرف الأضعف في معادلة الصراع إلى الاعتماد على الهجمات الانتحارية، والعبوات الناسفة، والصواريخ، والمسيّرات المحلية الصنع، واستخدام التكنولوجيا المحدودة والمتاحة. أما في حالة الدفاع، فيعمل على توظيف معرفته بالبيئة المحلية، والاستفادة من التضاريس والمناطق الجغرافية التي تعزز قدراته الدفاعية، فضلًا عن العمل على التعبئة والتنشئة السياسية والمعنوية بالنسبة إلى المقاتلين.

لقد شنّت قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال الفترة 2003-2023 نحو 33 عملية عسكرية كان فيها قطاع غزة الهدف الرئيس أو الحصري، أبرزها المواجهات العسكرية بين قوى المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي (في الأعوام: 2008/ 2009، و2012، و2014، و2021)، وقد كانت ساحتها الأساسية قطاع غزة المحاصر منذ 17 عامًا. واتسمت تلك المواجهات بأنها "مواجهات غير متناظرة" Asymmetrical Warfare؛ نظرًا إلى التفاوت في القدرات العسكرية بين الطرفين من ناحية، ونظرًا إلى التكتيكات والاستراتيجيات التي تتبعها قوى المقاومة الفلسطينية في مواجهة القوة الغاشمة لجيش الاحتلال الإسرائيلي من ناحية أخرى. ومع ذلك، لم تستطع إسرائيل المتفوقة عسكريًا (من حيث العدد والعدة والمستوى التكنولوجي) والمدعومة دوليًا (سياسيًّا وإعلاميًّا) في هذه الحروب غير المتكافئة (ينظر الجدول 1) تحقيق نصر عبر حسم المواجهات لمصلحتها، وفشلت في تحقيق الأهداف التي تضعها عند كل مواجهة؛ مثل ضرب البنية التحتية للمقاومة، وإضعاف قدراتها، وردعها عن إطلاق الصواريخ تجاه عمق الأراضي المحتلة، بل إن الأمر على عكس ذلك؛ فقد ازدادت قوة المقاومة الفلسطينية نسبيًّا في قطاع غزة. كان اندلاع المواجهات العسكرية السابقة، بعد كل عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، يقابله ردٌّ من قوى المقاومة، تعقبه هدنة هشة بوساطة دول إقليمية ودولية، إلا أن معادلة الاشتباك بين إسرائيل وقوى المقاومة تغيرت في معركة "سيف القدس"، في أيار/ مايو 2021 ، حين شنّت قوى المقاومة في قطاع غزة ضربات صاروخية ردًّا على اعتداءات إسرائيلية على مدينة القدس.

  • *المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات