كلى برسم البيع!

كلى برسم البيع!
الرابط المختصر

اتخذ من إحدى زوايا الساحة الهاشمية مكانا له لا يفارقه أبدا، نحيل الجسم متوسط الطول لوحت شمس الساحة بشرته

غزا الشيب شعره، جميل 42 عاماً كان فيما مضى قوي البنية فهو عامل بناء عاطل عن العمل، أما الآن فلا حول له ولا قوة بعد أن باع كليته بسبب الفقر، ففقد حتى المبالغ البسيطة التي كان يكسبها من عمله.

جميل ونعيم رداد، ضحايا من عدد كبير ممن لم يقدموا شكاوى للجهات الأمنية المختصة لأنهم يعرفون سلفاً أن ما قاموا به قد يدخلهم السجن لكن الأهم أن قلة المعلومات القانونية وليس غياب التشريع هو أحد الأسباب الرئيسية لتكتم الضحايا، فهناك 10 قضايا أمام الجهات المختصة في هذا الموضوع حسب مصادر في الإدعاء العام منذ بداية هذا العام ليس من بينها واحدة قام برفعها ضحية تبرع بكليته بإرادته أو بعدمها.

يقول جميل: "الظروف المادية السيئة دفعتني لبيع كليتي، تعرفت بالصدفة في منطقة الساحة الهاشمية على شاب عرض علي اصطحابي لمصر لبيع كليتي مقابل خمسة آلاف دينار" كانت في حينها مبلغاً كبيرا من المال بل كما وصفه"حلماً كبيراً " أما الآن فهي في حكم النسيان فلم يتبق منها شيئاً.

يتابع جميل "بعد ما بعت كليتي لا استطيع أن ابذل اقل مجهود اقتنعت بالفكرة وقتها لضخامة المبلغ بالنسبة لي وأقنعني ذلك الشاب أن بيع كلية واحدة لن يؤثر على صحتي وذهبت معه".
وروى جميل بحرقة وندم بالغين تفاصيل ما أصابه وكيف أصبحت حالته ويقول" كنت جالساً في الساحة الهاشمية وجلس بجانبي شخصان دار حديث جانبي بيننا، ومن ثم تعمق الحديث لنتعارف، وبعدها أصر الشخصان على دعوتي للغداء وسألوني عن وضعي المادي" وبالطبع كان الجواب الذي ينتظرونه، يتابع جميل "أخبرتهم بالوضع السيئ الذي أعيشه وسألوني:ما رأيك أن تحصل على مبلغ خمسة آلاف دينار لتبني مستقبلك مقابل بيع كليتك لشخص مريض؟! .

وتكفل السماسرة بمبالغ السفر والإقامة في مصر جميعها، يتابع جميل بالقول "تم الدفع نقداً أخذت جزءاً من المبلغ عند مطابقة الفحوصات والجزء الآخر بعد التبرع مباشرة، وفعلاً الفحوصات كانت متطابقة بيني وبين الشخص المصري الذي كان ممداً على سرير وأنا على سرير آخر بجانبه عندما وصلنا إلى المستشفى لإجراء الفحوصات".
قال"لماذا اشتكي عليهم لا يوجد قانون يعاقبهم أنهم معروفون ويتجولون دائما في الساحة الهاشمية ؟!".. بهذا السؤال أجاب جميل عن سبب عدم تحريك شكوى ضد سماسرة البشر تجار الأعضاء البشرية الذين غرروا به بعد أن أقنعوه ببيع قطعة من جسده أمام بريق المال وذل الحاجة.


ولهذه القضية شكلت الحكومة اللجنة متخصصة لمتابعة قضية بيع الكلى أظهرت أن بائعي كلاهم في الأردن هم من الشباب الذكور، ومنهم 55% تقل أعمارهم عن 31 سنة، فيما كان 46.9% منهم متزوجين". وأن نحو 60% من بائعي كلاهم "أنهوا المرحلة الإعدادية (الأساسية العليا حتى الصف العاشر) من التعليم"،43.2% منهم ينتمون لأسر فقيرة "فقرا مطلقا".

ورصدت لجنة حكومية المشكلة من مندوبين من وزارتي الداخلية والصحة ودائرة المخابرات العامة ومديرية الأمن العام81 حالة بيع كلى في المملكة تركز معظمها في مخيم البقعة بمحافظة البلقاء.
وعن الآلية التي يقوم بها السماسرة في إقناع الضحية ببيع كليته يقول د.عزمي الحديدي مدير الرقابة الداخلية في وزارة الصحة ان السماسرة يقنعون الضحية ان بيع كلية واحدة لن يؤثر عليهم مقابل حصولهم على مبلغ من المال ".

لكن المريض حسب الحديد لا يعلم ان الكلية الثانية مجرد ما أصابها أي خلل تبدأ المعاناة خصوصا ان هذا الشخص لا يتلقى التثقيف الصحي المناسب ناهيك عن ظروف العملية السيئة الذي سمعناه من الشباب الذي اجروا العملية تم وضعهم بظروف مزرية بعد إجراء العملية تتغير طبيعة المعاملة".

اما عن الإجراءات في وزارة الصحة لمعالجة الوضع يقول الحديدي" سيكون هناك حملات تثقيفية تشمل كافة أبناء المجتمع والتركيز على فئة الشباب، كما أنا أصدرنا تعليمات لمتابعة هذه الحالات في المستشفيات للإبلاغ عن أي حالات وصلت للمستشفى".

ما بين العراق ومصر والآن في سوريا فإن البيع ما زال مستمراً، ومزاد البشر ما زال مفتوحاً لشد الضحايا الواقعين في متاهات الفقر والبطالة والإهمال وغياب حكومي لما يدور في الشوارع المظلمة في قاع المدينة، المستفيد الأكبر هم عصابات الأعضاء البشرية التي تختفي في شقق فخمة في أحياء العاصمة الراقية تعتاش على شباب يضحون بقطعة من أجسادهم مقابل مبالغ ضئيلة لا تكفيهم أجرة علاجهم بعد عودتهم من رحلة التبرع فلا عمل بعدها ولا معيل.

أضف تعليقك