كفاءات عراقية تتعرض للاستغلال في عمان

كفاءات عراقية تتعرض للاستغلال في عمان
الرابط المختصر

ثمة طرفة يتناقلها العراقيون المغتربون عن العراقيين الذين يعيشون ويعملون في الأردن، تقول إنك إذا شاهدت جزارا يقطع اللحم بمهارة، فهذا يعني أنه جراح عراقي.هذه الطرفة الجارحة، تشير من طرف خفي إلى الوضع الذي يعيشه العراقيون الذين يعملون في الأردن، وهم، عموما، من أصحاب الكفاءات العالية، ما جعلهم يمثلون حالة فريدة ضمن العمالة الوافدة التي تعيش وتعمل في الأردن، فهم في معظمهم، أصحاب كفاءات وخبرات كبيرة، وتخصصات كثير منها نادرة، ومجالات العمل التي يعملون فيها مهمة، ما يجعل بعض المهتمين بأحوال العمالة الوافدة يستثنونهم منها، فهل يمكن أن تطلق على المحامي والطبيب وأستاذ الجامعة صفة العمالة الوافدة؟

طبيب أردني يجيب قائلا: "كل من وفد إلى الأردن للعمل فهو عمالة وافدة، بغض النظر عن نوع العمل الذي يقوم به".
 
ما يضفي على وصف الطبيب الأردني كثيرا من الصدقية، أن العراقيين، مثل العمالة الوافدة المنتمية إلى جنسيات أخرى، يتعرضون هم أيضا إلى الاستغلال.
 
رغد علي، طبيبة عراقية مقيمة في الأردن منذ سنوات، تقول في تقرير نشرته شبكة الأخبار العراقية إن الأطباء العراقيين في الأردن يواجهون مشكلة في وضعهم الراهن بالأردن، حيث لا يستطيعون مزاولة مهنتهم ما يحدهم العمل في الخفاء مع أطباء يستغلونهم في العمل المضني وبأجر زهيد".
 
علي رشيد طبيب عراقي مقيم في عمّان يذهب إلى أبعد من ذلك، ويقول أن هناك أطباء عراقيون يحملون خبرات اضطروا لوضعهم في الأردن بمزاولة مهن أخرى غير الطب، موضحا أنهم تركوا مهنة الطب نهائيا، وبعضهم يعمل بدون أي امتيازات ما يجعله يعمل دوما على هامش الطبيب الذي يعمل لديه.
 
الطبيبة العراقية "شذى" متخصصة في طب المجتمع، لم يسعفها تخصصها الطبي العمل في الأردن كما تريد، ما اضطرها إلى التعاون مع جمعيات تطوعية وجمعيات خيرية، "أتمنى أن أمارس مهنتي في الأردن بشكل اعتيادي وأخذ مكانتي الطبيعية". 
 
هذه الأوضاع التي يعيشها الأطباء العراقيون، جعلت وزير الصحة العراقي صالح الحسنواي يطالب بعودة الأطباء العراقيين المقيمين في الأردن بالعودة إلى العراق في ظل الظروف الأمنية التي يعيشها بلدهم حاليا، كان ذلك في لقاء نظمته السفارة العراقية في عمان بتاريخ الأول من كانون ثاني الماضي بحضور 40 طبيبا عراقيا. الوزير دعا الأطباء العراقيين إلى العودة وإيجاد حلول للمشاكل التي تواجههم منها صعوبة الحصول على فرص عمل في المستشفيات الأردنية.
 
يعد القطاع الطبي، من أبرز القطاعات التي يعمل فيها عراقيون قدموا إلى الأردن، وبحسب نقيب الأطباء زهير أبو فارس، يعمل 150 طبيبا عراقيا في تخصصات مختلفة ضمن مستشفيات وزارة الصحة، وتصل أعداد الأطباء العراقيين المسجلين لدى النقابة إلى 400 طبيب، كما يعمل 1000 من دون ترخيص.
 
يضيف أبو فارس "نُقِر أن هناك أطباء غير أردنيين وتحديدا من الجنسية العراقية لهم دور إيجابي كبير في الساحة الطبية بالأردن".   
 
ربما كان قطاع التعليم العالي الأبرز بين القطاعات التي يعمل فيها العراقيون، بلاسم محمد أستاذ علم الجمال في جامعة عمان الأهلية، يقول إن العراقيين أحدثّوا تغييرا في مسيرة التعليم العالي وتحديدا في الجامعات الخاصة.
 
"في السنوات العشر الأخيرة كانت دواعي الهجرة متوفرة لدفع مجموعة من الأساتذة الجامعيين إلى مغادرة العراق ومعهم محمولات من الكفاءات والمواهب الكبيرة تبحث عن المكان والوسائل التي يمكن أن تفعل نفسها فيها ولقد توفرت عمان على ذلك حيث انتشر الفنانون والأساتذة في جسد المدينة الثقافي في الجامعات ودور العرض التشكيلية"، يقول الدكتور بلاسم.
 
تعود هجرة الأكاديميين العراقيين للأردن إلى العام 1991، بعد حرب الخليج الأولى، غير أن هذه الهجرة لم تشكل ظاهرة في الجامعات، لكن الهجرة الثانية، التي حدثت في العام 2003، زادت من أعدادهم ما جعل مساهمتها في إنشاء أقسام التصميم والغرافيك في عدد من الجامعات الأردنية "واضحة وضوح الشمس" وفق أكاديمي عراقي فضل عدم ذكر اسمه.
 
يقُدّر عدد الأساتذة العراقيين العاملين في الأردن حاليا بحوالي 700 أستاذ جامعي عراقي موزعين على أكثر من 30 جامعة حكومية وأهلية وكلية مجتمع.
 
فضلاً عن كونه أكاديمياً، فإن بلاسم من الفنانين العراقيين المعروفين، وهو يشير إلى دراسة تقول أن العام الجاري شهد 68 معرضا تشكيليا عراقيا مقابل 16 معرضا لفنانين أردنيين وعرب، "هنا نلاحظ حجم المساهمة وفعلها في الفضاء الثقافي".
 
لكنه يشير إلى جانب آخر هو "الظروف القاسية التي تحيط بالعراقيين جعلت الكثير من الكفاءات وفي شتى المجالات مجمدة تفكر بالهجرة الى بلدان أخرى وهكذا كان هاجر أكثر من سبعين بالمائة من الفنانين والأدباء وغيرهم".
 
شنكول حسيب، رئيسة جمعية الإخاء الأردنية العراقية، تعتقد أن "العراقي" وعلى اختلاف تخصصه "لن يكون صاحب الامتيازات من الدرجة الأولى وهذه حقيقة يتعامل معها كل عراقي من طبيب ومهندس وأستاذ لذلك يسعى لأن يخلص لعمله ويعتمد على عطائه الكبير، فهو لا يريد أن يتوقف عن العمل".
 
من الغريب أن الوسط الثقافي والأكاديمي الأردني لم يعر انتباهاً إلى مدى الخسارة التي لحقت به جراء هجرة هذا العدد الكبير من المثقفين والفنانين والأكاديميين إلى الخارج بدلاً من المساعدة على إبقائهم والاستفادة من خبراتهم الكبيرة في إثراء الحياة الثقافية الأردنية.