كارثة اللويبدة مسؤولية من؟

انقلبت أحزان الأردنيين على كارثة انهيار في عمارة بمنطقة اللويبدة في عمّان قبل أيام قليلة (وفاة 14 شخصاً وإصابة 17 إلى حين كتابة هذا المقال) إلى حالة غضب أصابت الحكومة وكبار المسؤولين، وانطلقت وسوم تصدّرت موقع تويتر في الأردن تطالب بإقالة مسؤولين في الدولة على خلفية ما حدث.

 

وبالرغم من أنّ الترجيحات بأنّ سبب انهيار العمارة يعود إلى أعمال صيانة غير مرخّصة أو ربما لأعمال بناء مجاورة، لكنّها على العموم تبتعد عن المسؤولية المباشرة للحكومة، أو حتى لأمانة عمّان التي تعطي التراخيص المرتبطة بالمباني وغيرها. مع ذلك، هناك مزاج شعبي غاضب وساخط، وكأنّه في حالة استفزاز في انعقاد دائم ضد المسؤولين والحكومات، يتحيّن أي فرصة مواتية لإيجاد مبرّر لمهاجمة المسؤولين والحكومات!.

وفي محاولة للتجاوب مع حالة السخط هذه، درجت "دوائر القرار" على تقليد إقالة المسؤولين بعد أي كارثة من هذه الكوارث، كما حدث في حكومات سابقة، بصورة متكرّرة، وفي حكومة عمر الرزاز مع وزيري التربية والتعليم والسياحة، وفي حكومة بشر الخصاونة مع وزير الصحة. وبالرغم من أنّ الوزراء المعنيين جميعهم كانوا قد قدموا استقالاتهم بأنفسهم، في الحكومتين، إلّا أنّ الرواية الرسمية كانت حريصة على إخراج الموضوع وكأنّه "طلبٌ بالاستقالة"!

 

قد يُنظر إلى الموضوع من زاوية "المسؤولية الأدبية"، وذلك صحيح تماماً، وهي سنّة دارجة في العالم، إذ يستقيل رئيس الحكومة والوزراء المعنيون اعترافاً بالمسؤولية الأدبية، بوصفهم السلطة التنفيذية المسؤولة، واحتراماً لمشاعر الرأي العام. ولكن قد يُنظر إلى هذا السلوك أردنيّاً من زاوية أخرى، تتمثل في البحث عن "كبش فداء"، والتضحية به، لإنهاء كرة الثلج المتدحرجة لردّات الفعل الشعبية!

 

لماذا نظن أنّ ما يحدث في الأردن يتجاوز المسؤولية الأدبية إلى البحث عن شمّاعات؟ لسببين رئيسين: الأول، أنّ هنالك ترهلاً ملحوظاً وكبيراً في القطاع العام، وعمر الحكومات والوزراء محدود، وبالتالي يتحمّل الوزير أو المسؤول مسؤولية تراكمات تاريخية وأخطاء مركّبة، ما قد يخلط الحابل بالنابل، ما يدفع شخصياتٍ كثيرة مؤهلة إلى تجنب المواقع الرسمية، حتى لا تدفع ثمن أخطاء سابقة أو تحظى بخروج سيئ لشيءٍ لا تعرف عنه أصلاً، في وزاراتها.

 

وإذا كانت الكارثة تستوجب تحمّل المسؤولية الأدبية والأخلاقية للحكومة، فمن المعروف أنّ الحكومة مسؤولةٌ بالتضامن أمام السلطة التشريعية، وحتى أمام الرأي العام، فإذا كانت هنالك دواعٍ للاستقالة فلتكن استقالة الرئيس، وليست استقالة وزير أو مسؤول هنا أو هناك. فلنأخذ إذاً المسؤولية الأدبية إلى الحدود الحقيقية لها. وبالطبع، هذا مختلف عن إقالة مسؤول أو وزير أو إخراجه من الحكومة بسبب تقصير وضعف في أعماله، أو مسؤولية مباشرة واضحة عن كارثة أو مشكلة من المشكلات.

 

السبب الثاني أنّ أي قصة أو قضية تتحوّل إلى غضب على الحكومة مرتبط بالمزاج العام الساخط، وبفجوة الثقة المتنامية الكبيرة في الحكومات والمسؤولين. وبالتالي، إقالة مسؤول هنا أو هناك هي مثل المسكّن للألم وليس معالجة للجرح، وربما تُفاقم بعض المسكّنات، على المديين المتوسط والبعيد، جذور المشكلة، وتعزّز من انتشارها بدلاً من حلّها، فالهروب من استحقاقات مواجهة الأزمة لا يكون بإلقاء الناس تحت دواليب القاطرة!

 

كارثة اللويبدة، بعد كارثة العقبة، وقبلها مستشفى السلط، وغيرها من مشكلاتٍ تظهر إلى درجة كبيرة حجم الأزمة السياسية في الأردن. وللأسف لم تؤت العملية القائمة بعد مخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية ثمارها في ردم الفجوة وترتيب البيت الداخلي، فما زالت الديناميكيات متضاربة في داخل الدولة بين من يرى ضرورة الإصلاح والخروج من الحلقة المفرغة الراهنة ومن يتمسّك بمواجهة أي محاولات إصلاح وتغيير وتطوير للعملية السياسية وبناء جسور المصالحة بين الشارع والحكومات.

 

ثمّة شعورٌ متداولٌ في أحاديث الصالونات والجلسات السياسية بأنّ البلد كمن يمشي على رؤوس أصابعه يتوقع في كلّ يوم مصيبة أو مشكلة هنا أو هناك، مع حالةٍ من عدم اليقين والشكّ المستمر في ما سيحدُث في اليوم التالي.

العربي الجديد 

أضف تعليقك