قيود أمنية تلاحق أردنيين بلا جنسية 

 ولد رامي (27 عاماً) وشقيقه ماجد (22 عاماً) لأب وأم أردنييْن، لكنهما بقيا بلا جنسية طوال حياتهما، فلم تتمكن العائلة من استخراج أي أوراق ثبوتية للأبناء سوى شهادات ميلاد أردنية حصلت عليها والدتهما في إحدى الزيارات إلى الأردن.

انتقل الوالد من الأردن إلى سوريا مطلع الثمانينيات وانضم لمنظمة التحرير الفلسطينية، وظلّ هناك حتى وفاته عام 2010، ورغم محاولات أبنائه المتكررة للحصول على الجنسية في كل زيارة لهما إلى الأردن، لكن دون جدوى، إذ تلقوا رداً واحداً من دائرة الأحوال المدنية في كل المرات مفاده "والدكم فلسطيني"، لذلك ظن الوالد أن جنسيته سحبت منذ مغادرته الأردن، ليتبين لاحقاً أنها سُحبت عام 2009، بينما كان قبل ذلك أردنيّ الجنسية ويحق له تمرير جنسيته لهم، لكن الرفض الأمني حال دون ذلك، وقد أرجعت الداخلية سبب سحب جنسية الوالد إلى علاقته بأيلول الأسود.

تحت ذريعة المشاركة في أيلول الأسود، تم تجريد آلاف المواطنين الأردنيين من أصول فلسطينية من جنسيتهم الأردنية كوالد رامي وماجد، الذي لم تربطه أي علاقة بأيلول الأسود، كما يروي ابنه ماجد، مشيراً إلى أن والده من مواليد عام 1966، ما ينفي فكرة مشاركته في أحداث أيلول الأسود الذي نشبت عام 1970.

لا يملك رامي قيداً مدنياً ولا رقماً وطنياً وإنما رقماً متسلسلاً (الرقم المخصص للأجنبي في سجلات الدائرة وفقا لأحكام قانون الأحوال المدنية لعام 2001 وتعديلاته)، بينما يملك ماجد رقماً وطنياً دون قيد مدني (لكل مواطن أردني قيد مدني برقم)، ولم يحصل على الجنسية.

ويشير الحلتة إلى قرارات سحب الجنسية التعسفية التي اتخذتها أجهزة الدولة، ورغم وجود لجنة مختصة تعنى بأمور تظهير الجنسية وفقدانها، إلا أن الكثير من الاجتهادات الشخصية، وشخصنة الأمور أدت إلى فقدان الآلاف لمواطنتهم.

يتفق المحامي إيهاب شقير في ذلك، مؤكداً أن دائرة المتابعة والتفتيش قد قامت بدور مخالف للقوانين في هذا الأمر بسحبها الجنسية من مواطنين، لأن قرارات سحب أو منح الجنسية يجب أن تتم من خلال اللجنة المختصة، وقراراتها خاضعة لموافقة الملك ومجلس الوزراء.

ووفقاً للقانون الدولي، يعرف الشخص عديم الجنسية بأنه "الشخص الذي لا تعتبره أي دولة مواطناً فيها بمقتضى تشريعها"، فقد يولد عديم الجنسية، والبعض الآخر قد يتحول إلى عديم الجنسية.

ولم تستجب وزارة الداخلية لطلب معدة التقرير بالحصول على عدد الأشخاص الذين سحبت جنسيتهم، وعدد الذين يعيشون بلا جنسية بسبب القيد الأمني رغم امتلاكهم رقماً وطنياً، وتظهر آخر إحصائية منشورة في تقرير منظمة "هيومان رايتس ووتش" عام 2010، حمل عنوان "بلا جنسية من جديد: الأردنيون من أصل فلسطيني المحرومون من الجنسية"، أن هناك (2700) أردنياً سحبت جنسيتهم بين عامي 2004 و2005. وازداد عدد هؤلاء نتيجة استمرار السياسة ذاتها في السنين اللاحقة، دون إفصاح الجهات المعنية عن عددهم.

 

ق

سحب الجنسية بقرارات فردية

عاش يوسف وأخوته بلا جنسية منذ ولادتهم لأب أردني جُرَد من جنسيته دون سبب قانوني، إذ سحبت منه بسبب خلاف مع شخص متنفذ، كما يروي يوسف، ما أدى إلى تحول العائلة بأكملها إلى عديمي الجنسية، ومُنحوا جوازات سفر مؤقتة وبطاقات "الجسور الخضراء".

" يعيش والدي في الأردن قبل صدور قرار فك الارتباط، ولم ينخرط في أي نشاط سياسي، وفقد جنسيته دون مبرر"، يقول يوسف. وحيث تقدم بطلب استدعاء لدائرة الأحوال المدنية، يطلب فيه شرح أسباب سحب الجنسية من والده، لكنّ الدائرة لم تستجب للاستدعاء.

أما عائلة والدة مروة التي فقد جميع أفرادها أرقامهم الوطنية عقب سحبه من الجدّ منذ أربع سنوات، يعيشون مرارة الحياة بلا جنسية، ويورثون المعاناة لأبنائهم عديمي الجنسية منذ ولادتهم.

لم يعلم جدّ مروة سبب سحب جنسيته، إذ أخبره موظف دائرة الأحوال المدنية لدى مراجعته أن السبب عائد لقرار فكّ الارتباط.

قرار فك الارتباط الصادر في تموز عام 1988، أنهى الارتباط الإداري والقانوني بين الضفتين الشرقية والغربية، لغايات تسهيل إعلان الدولة الفلسطينية، وبموجب هذا القرار، فإن الفلسطينيين المقيمين في الضفة الشرقية قبل صدور القرار أردنيون، ولا يجوز سحب جنسيتهم، أما المقيمين في الضفة الغربية قبل صدوره يعتبرهم القرار فلسطينيين.

لكن سوء تطبيق ذلك القرار أدى إلى سحب جنسيات آلاف الأردنيين من أصل فلسطيني رغم أحقيتهم بها، بناء على افتراض بأن جده أو والده ينطبق عليه قرار فك الارتباط، والقسم الآخر ممن ذهبوا إلى سوريا فراراً من الخدمة العسكرية في الأردن، وعادوا إليها بعد الحرب السورية، منهم من صوبت أوضاعهم، وقسم امتنعت الجهات المختصة في الأردن عن إصدار أي وثائق لهم. كما يوضح شقير.

ويؤكد المحامي أحمد العثمان الصفدي أن الأشخاص الذين انضموا إلى منظمة التحرير الفلسطينية أردنيو الجنسية، لا تسقط جنسيتهم إلا في الحالات التي حددها قانون الجنسية، وأجاز القانون الطعن في قرار سحب الجنسية أمام القضاء.

ولا يحدث فقدان الجنسية تلقائياً، بحسب شقير، فلا يمكن إلغاء جنسية أردني إلا بقرار من مجلس الوزراء وبموافقة الملك، بموجب قانون الجنسية الأردني، وإن اعتبر قرار فك الارتباط  قرارا سياديا تبقى التعليمات المنبثقة عنه وتطبيقها تعليمات تنفيذية تخضع للطعن أمام القضاء، وانفراد وزير الداخلية أو مدراء المخابرات والأحوال المدنية بهذا القرار هو اجتهاد، و قرار معيب بالشكل والإجراء والاختصاص. على حدّ قوله.

تحت رحمة القيد الأمني 

تمتنع دائرة الأحوال المدنية عن إصدار أي وثائق لأردنيين من أصل فلسطيني سحبت جنسيتهم بحجة قرار فك الارتباط، إذ يعيش هؤلاء تحت رحمة القيد الأمني في سجلاتهم المدنية، رغم أن تعديل القيد أو التصحيح أو التظهير بسبب قرار فك الارتباط يجب أن يتم وفقاً لإجراءات قانونية، وخلاف ذلك ليس مشروعاً، وفقاً للمحامي شقير.

نتيجة القيد الأمني، لا يستطيع هؤلاء العمل أو السفر أو التعلم أو الحصول على الرعاية الصحية اللازمة، حتى في تنقلاتهم يتم توقيفهم أو احتجازهم بشكل متكرر، وهذا انتهاك لحقوق الإنسان، بحسب شقير، وفي حالات كثيرة يبتّ القضاء بأحقية هؤلاء بالجنسية، بينما تمتنع الإدارات المعنية عن التنفيذ، ليظلوا "معلقين"، كما يصفهم الباحث والمحلل السياسي حمادة الفراعنة. 

ويعتبر الصفدي أن امتناع دائرة الأحوال المدنية عن إصدار الوثائق لأي شخص أردني وادعائها بضرورة الحصول على الموافقة الأمنية ليس قانونياً، ولا يحقّ لها الامتناع عن القيام بواجبها بإصدار الوثائق للمواطن.

ويبين أن طلب الموافقة الأمنية لدى استصدار جواز يخص المقيمين خارج المملكة، حيث يتم ذلك من خلال السفارات، أما المقيمين في الأردن ليسوا بحاجة  إلى موافقة أي جهة أمنية لإصدار الجواز بغض النظر عن وضع وحالة الشخص على الإطلاق، وفي حال الرفض، يستطيع تقديم استدعاء الى دائرة الجوازات يطلب فيه شرح أسباب عدم منحه الجواز، وعلى إثره يتقدم صاحب الاستدعاء بدعوى إدارية إلى المحكمة  للحصول على جواز السفر.

ماذا يعني سحب الرقم الوطني؟

لم يعلم رامي وماجد تاريخ سحب جنسية والدهم إلا مؤخراً، وذلك بعد رفع دعوى قضائية بالاستعانة بمركز العدل للمساعدة القانونية، بغية استعادة جنسيتهم الأردنية، بعد أن باءت جميع محاولاتهم للحصول عليها بالفشل، وسدّت جميع أبواب الحياة أمامهم من عمل واستقرار وإقامة، نتيجة فقدانهم الجنسية.

مدير إدارة التوعية والتدريب في المركز الوطني لحقوق الإنسان المحامي عيسى المرازيق يؤكد أن سحب الوثائق الثبوتية من الأشخاص يتبعه تقييد حرية التنقل وحرمانهم من العمل المنتظم وكسب العيش، والزواج والسفر، ويتوارث أطفال هؤلاء ذات المشاكل المرتبطة بالعيش بلا جنسية، ويحرمون من حقوق أساسية كالحق في التعليم والحصول على الرعاية الصحة، وهو ما يعد تدميراً كلياً لحياتهم، وانتهاكاً لأبسط حقوق الإنسان، كما يقول المرازيق.

ويضيف أن كارثة فك الارتباط تخالف قانونا الجنسية والجرائم والعقوبات، وما زالت الجهات الرسمية تتبنى قراءة منافية لنص قانون الجنسية الأردني لعام 1954، ويؤكد على ذلك الفراعنة بقوله أن هناك تعليمات سرية لقرار فك الارتباط، كما يخضع التطبيق لمزاجية المسؤولين، وما بين قرارات سحب الجنسية والامتناع عن إصدار الوثائق، تستمر معاناة آلاف الأردنيين من أصل فلسطيني.

قصور في الرقابة 

في تقرير أصدرته منظمة هيومان رايتس ووتش تحت عنوان " بعنوان " اعتقالات مُريبة: دائرة المخابرات العامة ومشكلة سيادة القانون في الأردن"، أوصت بضرورة توفير الحكومة الأردنية لضمانات على أسس قانونية ليلتزم بها المكلفين بتنفيذ القرارات أو التعليمات بشكل يضمن احترام حقوق الإنسان، فاللجوء إلى الاعتقال أو الاحتجاز أو الترحيل من قبل قوى الأمن منافٍ للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وعلى مجلس القضاء الأعلى أن يعمل على تعزيز استقلالية القضاء وتحقيق رسالته المنشودة وضمان عدم مقاضاة المدنيين إلا من قبله، وعلى النيابة العامة محاسبة موظفي الحكومة وعناصرها إذا ما ارتكبوا جرائم ضد حقوق الإنسان.

وفي حالة وثقتها معدة التقرير، أقدم عناصر من الأجهزة الأمنية على احتجاز أشخاص والتحقيق معهم، ثم اصطحبوهم إلى مناطق حدودية مع سوريا، وذلك بعد مراجعتهم لهم بغية الحصول على موافقة أمنية  بطلب من دائرة الأحوال المدنية.

ورغم أن الأردن وقع وصادق على اتفاقية مناهضة التعذيب والعقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة عام 1984، ونشرت في الجريدة الرسمية عام 2006، والتي تضمن الحق بعدم التعرض للتعذيب أو سوء المعاملة، كما تُلزم الدولة بالتحقيق في ادعاءات سوء المعاملة، وتطالبها بالتعويض الفعلي على ضحايا التعذيب، لكن ممارسات تقوم بها أجهزة في الدولة تتعارض والتزامها بالاتفاقيات.

ويؤكد شقير على ضرورة الرقابة والتحقق من مشروعية القرارات، وتحقيق العدالة بحماية الحقوق والحريات، فالقضاء الإداري يجب أن يقوم برقابة فاعلة دون أي اعتبارات، محذراً من ادعاءات شخصيات رسمية بقدرتها على إعادة الجنسية لأشخاص فقدوها، أو رفع القيد الأمني عنهم، مقابل مبالغ كبيرة تدفع لهم، واصفاً ذلك بـ"الاحتيال والفساد"، كون القضاء هو الفيصل في حماية الحقوق والحريات، وفي ظل غياب التوعية القانونية في الأردن، قد ينساق كثير من الأشخاص مع هذه الوعود فيقعون ضحية للاحتيال والوهم الذي يقدمه بعض المسؤولين أو من يدعون قدرتهم على تحصيل الجنسيات أو استعادتها مقابل مبالغ طائلة.

"ليس كل من فقد الجنسية يلجأ إلى القضاء"، يقول شقير، مرجعاً السبب في ذلك إلى ارتفاع رسوم التقاضي، فلم يحدد القضاء الإداري رسماً محدداً رغم وجود حد أدنى يبلغ 30 ديناراً، وهذه الإشكالية تحول دون اللجوء للقضاء الإداري، إذ تخضع رسوم التقاضي في المحاكم الإدارية لتقدير رئيس المحكمة، وقد تصل أحياناً إلى 300 دينار وأكثر، عدا عن أتعاب المحاماة، كما يوضح شقير، مؤكداً على أن التقاضي يجب أن يكون مجانياً، فالأصل أن المحاكم مفتوحة للجميع، لأن تحقيق العدالة من واجبات الدولة.

 

قق

الحق في امتلاك جنسية

هناك اليوم 10 ملايين شخص على الأقل محرومون من الجنسية في كافة أنحاء العالم، نتيجةً لذلك لا يُسمح لهم غالباً بالذهاب إلى المدرسة أو عيادة الطبيب أو الحصول على وظيفة أو فتح حساب مصرفي أو شراء منزل، أو حتى الزواج، وفق ما نشرته المفوضية السامية لحقوق الإنسان على موقعها.

ويقدِّس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حق كل شخص في امتلاك جنسية، ويحظر على البلاد حرمان أي شخصٍ منها تعسفاً.

ويبين خبير القانون الدولي المحامي المتخصص بقضايا الجنسية أنيس قاسم أن هنالك التزاما دوليا في التقليل من عدد الأشخاص عديمي الجنسية، وهذا مبدأ قانوني يتطور وينمو بسرعة، مؤكدًا أن ما جرى في الأردن من سحب للجنسيات يخالف القوانين الأردنية والأعراف الدولية، "فالأردن يمارس عقوبة سحب الجنسية من الأردنيين فلسطينيي الأصل"، على حدّ قوله، مشيراً إلى أن الدولة حين وقعت على معاهدة 

وادي عربة التزمت فيها التزاماً دولياً بتوطين اللاجئين الفلسطينيين، ثم بدأت بسحب أرقامهم الوطنية تحت 

ذريعة الخوف من الوطن البديل، رغم أن الحكومة من خلقته بتوقيعها على المعاهدة. بحسب قاسم.

 

*الأسماء الواردة في هذا التقرير مستعارة

*بدعم من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR

 

أضف تعليقك