قـتـل «عرفـي» بإسـم «الـشـرف»
عبير فتاة تبلغ من العمر ستة عشر عاما قتلت الاسبوع الماضي على يد عمها بعد اغتصابها من قبل زوج أختها، وفتاة ثانية تقدم على الانتحار، وفتاة تقتل على يد شقيقها بعد مضي عامين على زواجها لكن اسرتها لم تقتنع بهذا الزواج الذي رفضته اسرتها.
جرائم بشعة تحت مسمى (الشرف) تكررت خلال الفترة الماضية بشكل لافت للأنتباه فلا يكاد يمر يوم الا وتسجل وقائع ايذاء جسدي يقع على المراة بشكل واضح، اذ لم تعد الاسرة ولا الاطفال ولا بناتنا خطا احمر للذكورية التي تسهم في زيادة العنف الذي تتعرض له الفتاة او الاطفال فيقدمون على القتل الذي يعتقدون ان من تم اغتصابها من قبل الاخر تستحق الموت.
فلا الطفولة البريئة التي تنتهك بسبب الاغتصاب ولا الزواج الذي ان جاء بعد علاقة غير شرعية يحول دون استخدام هذا النمط من العنف الذي اصبح واضحا في المجتمع ويتزايد يوما بعد يوم.
فالفتيات اللواتي لم يبلغن عمر الثامنة عشر وتعرضن للأغتصاب لا يزلن في المؤسسات الاجتماعية التي توفر لهن الحماية من اسرهن فقد يقضين سنوات طويلة بهذه المؤسسات خوفا من عودتهن لاسرهن التي قد تتظاهر بالسماح والغفران الا ان الدم ينتظر هذه الفتاة و القتل هو العنوان الاشمل الذي لا مفر منه ؟ ويتساءل اخصائيون اجتماعيون هل ذلك يحدث لانها فتاة تتحمل هي المسؤولية وتدور حولها الشكوك دائما وقد تدفع حياتها ثمنا لهذه الشكوك التي اثبتت الاحصائيات ان 80% من جرائم الشرف التي ذهب ضحيتها فتيات تبين بعد الفحوصات الطبية انهن عذراوات.
ويقول استاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور حسين الخزاعي ان 78 % من جرائم العنف الاسري هي جرائم شرف ناتجة عن الاعتداءات الجنسية التي تتعرض لها الفتاة مبينا ان 40% من هذه الاحصائية ترتكب على يد افراد محيطين بالاسرة او من داخلها اي انهم ليسوا غرائب على الفتاة.
وعزا الخزاعي سبب ازدياد هذه الجرائم المسماة بجرائم الشرف بضعف التنشئة الاجتماعية الاسرية داخل البيوت وتنشئة الفتيات والشباب بطريقة خاطئة بحيث تغيب التوعية الجنسية عن حياتهم والتي تلعب دورا مهما وبخاصة إن جاءت عن طريق الاهل تكون بطريقة صحيحة.
واشار ان هناك موروثات خاطئة مفادها ان الفتاة هي مصدر الاغواء وانها دائما تتحمل المسؤولية اتجاه اي سلوك خاطىء وكأن الشاب ليس له علاقة بهذه القضية متناسين ان اي علاقة غير صحيحية هي شراكة ما بينهما.
واضاف الخزاعي ان هناك ضعفا في وسائل الضبط داخل المجتمع لسلوك الانسان، فقد غاب على سبيل المثال دور المسجد وتاثيره على سلوك الانسان وانتهى دور الجد والجدة حتى دور الوالدين اصبح يتضاءل امام التنكولوجيا الحديثة وامام ازدياد هذه القضايا التي يرفضها الانسان وتذهب ضحيتها الفتاة .
ويحذر الدكتور الخزاعي من انتشار العدوى الذهنية للجرائم بحيث تصبح هذه الجرائم نماذج يقتدي بها الآخرون وتتتحول الى حلول لمشاكل اجتماعية اخرى.
وطالب الدكتور الخزاعي بضرورة شراكة جميع المؤسسات الدينية ومؤسسات المجتمع الديني والاسرة بان تتولى زمام الامور وان تعمل على تفهم ابنائها وبناتها خلال مرحلة المراهقة مشيرا الى ان الطفل وهو لا يزال صغيرا يحتاج للرعاية والاهتمام لكنه عندما يصبح في سن المراهقة يحتاج الى عناية اكبر فيجب ان تتحول العلاقة بين الشاب و الفتاة في مرحلة المراهقة الى علاقة صداقة تقوم على الصراحة والوضوح وان يجد الوالدان الوقت الكافي للجلوس مع ابنائهم وبناتهم والاجابة عن جميع تساؤلاتهم كي لا يصلوا لمرحلة ان يخفوا عن اسرهم امورهم الشخصية التي قد تقودهم الى علاقات خاطئة تدفع الفتاة ثمنها في نهاية المطاف .
وتبعا لاحصائيات اشار لها الخزاعي فانه خلال العام الماضي تم تزويج (16774) فتاة قبل ان يكملن عمر الثامنة عشر وقع منها (1700) حالة طلاق اي ان 27% من هؤلاء الفتيات تزوجن قبل عمر التاسعة عشر.
مشيرا الى ان حالات الطلاق هذه يعني ان تعود الفتاة الى اسرتها والى المجتمع وهي مطلقة بما تحمله هذه الكلمة من نتائج سلبية كثيرة تتحمل الفتاة مسؤوليتها خاصة وانها حرمت من اكمال تعليمها ومن حقها بالنضوج والتوعية لتميز بين الخطا و الصواب في حياة قد تحمل لها الكثير من المصاعب ومنها ما يسمى بجرائم الشرف.
ويشير اخصائي الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان الى انه تمت الدعوة في أكثر من مناسبة لمواجهة جرائم قتل المرأة بإدعاء الحفاظ على الشرف، وأجري العديد من المشاريع بمبادرات مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية داعين لتوعية المجتمع وتغير القانون وتمكين المرأة لكنها لم تحرك ساكنا، فلا تزال المرأة تقتل لأنها تزوجت بدون موافقة أهلها أو للشك بسلوكها أو بسبب تغير في مظهرها.
ويقول إن الأسم الحقيقي الذي يجب أن يطلق على هذه الجرائم هو القتل العرفي.
حيث إن العرف هو نمط سلوكي سائد في ظروف إجتماعية محددة بعيدا عن القانون، ويشارك في إعتماده قوى إجتماعية ورسمية.
فجرائم قتل الشرف هي بالواقع قتل عرفي يمثل نمطا سلوكيا شائعا في بعض البيئات الإجتماعية ويرتكب من قبل فئات لها مصالحها الذكورية وتتقوى بتراخي نص القانون وتطبيقه.
واشار الى ان التحدي الكبير في الوقاية من القتل العرفي (جرائم الشرف) هو مواجهة هذا العرف التي يعتقد مرتكبو هذه الجريمة انه خطأ و أن القانون يسمح به وأن ثقافتنا العربية الإسلامية تتقبله، وبسبب ما عرف عن عقوبة مخففه على إرتكاب هذه الجرائم العرفية، بسبب النص المتراخي للقانون أو بتطبيقه، يعتبر مرتكبو هذه الجرائم بأن ذلك هو الضوء الأخضر بالسماح غير المباشر بها.
واوضح جهشان إن العرف السائد في مجتمعنا يحمل تناقضا واضحا ما بين العادات والتقاليد الإيجابية التي تحمي الفرد والعائلة والمجتمع والتكافل والإصلاح الإجتماعي وما بين العرف الذي يربط بين شرف العائلة وسلوك المرأة وتقبل قتلها إذا أعتقد أنها انتهكت المعايير التي وضعت لها من قبل الأسرة والمجتمع مؤكدا ان هذا التناقض لا يمكن تقبله بأي شكل من الأشكال ومن غير المنطقي أن يتحول العرف إلى جريمة وأن تتحول الجريمة إلى عرف.
وشدد جهشان على ضرورة الإعتراف بإن الخدمات الإجتماعية والقانونية والطبية والأدارية التي تقدم للمعرضات للقتل تطورت بالأردن بشكل إيجابي خلال السنوات الماضية، اضافة الى برامج تمكين المرأة إجتماعيا وإقتصاديا التي أظهرت نجاحا على أرض الواقع وبكل المقايس العلمية الحيادية متسائلا عن سبب استمرار القتل بإدعاء الحفاظ على الشرف؟ مبينا ان سبب هذا الامر هو الخدمات للمعرضات للقتل وبرامج تمكين المرأة وحتى أكبر الدراسات والمؤتمرات لن تغير من طبيعة أن جريمة الشرف هي جريمة عرفية وللتخلص منها يجب أن نقضى على هذا العرف السلبي السائد في المجتمع.
ودعا قادة المجتمع وشيوخ العشائر وممثلي الأمة من أعيان ونواب للتوقيع على ميثاق شرف يستنكر ويشجب هذا العرف السلبي المنتشر في بعض البيئات الإجتماعية في وطننا. وحض السلطة التشريعية لعلها تحمل مسؤوليتها لتحول محتوى هذا الميثاق إلى قوانين تحمي المرأة كما تحمي الرجل.
وتبقى الفتاة التي في اغلب الحالات التي وقعت لم تتجاوز التاسعة عشر هي الضحية وهي التي تدفع حياتها ثمنا للدفاع عن الشرف الذي ما يزال مفهومه عند الكثير من الاسر مرتبطا بها وحدها متناسين ان هناك على الطرف الاخر شريكا لها لا تتم محاسبته اسوة بها.
فالفتاة التي اقدمت على ارتكاب اي سلوك خاطىء هي حصيلة تنشئة اجتماعية غير سليمة في ظل غياب دور الاهل ومراقبتهم لابنائهم وبناتهم في ظل حياة اصبحت تطغى بها التنكولوجيا بجميع وسائلها عن دور الحوار وقضاء وقت كاف مع الابناء وتوعيتهم بما بمخاطر هذا الانفتاح يرافقه ايضا التشديد وعدم الصراحة والخوف الذي تعيشه الفتاة داخل اسرتها قد يدفعها الى اللجوء الى علاقات غير شرعية تدفع حياتها ثمنا لها وثمن عدم التوعية والتثقيف بامور كثيرة لا نزال نعتبرها من المحرمات وانها خطوط حمراء لا يجوز الحديث بها مع ابنائنا وبناتنا خاصة في سن المراهقة؟











































