قضاة يطالبون باستقلالية الإدعاء العام في الأردن

قضاة يطالبون باستقلالية الإدعاء العام في الأردن
الرابط المختصر

يمنح التعديل الجديد على قانون النيابة العامة الحق للمدعي العام بإحالة أي جريمة متلازمة مع إحدى الجرائم الداخلة ضمن اختصاص محكمة الجنايات الكبرى، إلى المدعي العام المختص وفق أحكام التشريعات النافذة إذا وجد المدعي العام سبباً مبرراً.

وبموجب القانون الجديد سيتم إنشاء قسم للتنفيذ القضائي من مديرية الأمن العام في مقر المحكمة لتتولى تنفيذ طلبات المحكمة والنيابة العامة لديها، بحيث يكون هذا القسم مرتبطاً برئيس المحكمة والنائب العام.

في وقت، يطالب قانونيون باستقلالية أكبر للمدعي العام، ويقول عضو في اللجنة القانونية لتعديل القوانين في وزارة العدل، فضل عدم ذكر اسمه أنه الوزارة تعمل على تطوير كامل لكل جهاز الإدعاء العام وهناك خطوات لتطوير النيابات العامة، "هذه الخطة من شأنها أن يصبح عمل النيابات العامة مستقلا وعلى أن يدخل قاضي الإدعاء العام ويترفع حتى يصبح فيما بعد رئيسا للنيابات العامة".

جدل الاستقلالية

"ويتمتع المدعي العام بالاستقلالية وإن كان يتبع وزير العدل، لكن له ان يمنع وزير العدل من التدخل في قضية ما، ومع ذلك فهو يواجه صعوبات تتعلق بالأمور المالية والإدارية وأيضا في التأهيل".. وفق عميد كلية الحقوق في الجامعة الأردنية كامل السعيد

ويعد الإدعاء العام الدعامة الأساسية التي يرتكز عليها العمل القضائي من خلال ممارسته لاختصاصاته وصلاحياته وفق نصوص القانون. وتحدد مهام الإدعـاء العـام بأن يتولى الدعوى العمومية باسم المجتمع ويشرف على شؤون الضبط القضائي، ويقوم بتطبيق القوانين الجزائية ومـلاحقة المذنبين وتنفيذ الأحكام.

ويطالب رئيس النيابة العامة القاضي يوسف الحمود بضرورة توحيد مرجعيات النيابة العامة في الأردن وترسيخ مبدأ تخصصها وعدم نقل أعضائها الى القضاء أو العكس والعمل على تعزيز قدراتهم لمواجهة التقانات الجديدة والمستحدثة في عالم الجريمة.

ولفت إلى "استقلال النيابة لا يحتاج الى فصلها عن الجسم القضائي". وما يحقق الاستقلالية هو قانون خاص بها، ما يعزز دورها في حماية المواطن من التعسف، معتبرا جمع الاتهام والتحقيق بيد جهة واحدة لا تتمتع بحصانة القضاة واستقلالهم يؤدي الى التغول.

وأضاف القاضي الحمود ان تطوير أداء النيابة العامة يحتاج الى تمكينها من خلال التخصص"الذي أصبح سمة العصر"ورفدها بكوادر قضائية وتحقيق احتياجاتها من خلال إطار النيابة العامة وليس ضمن احتياجات القضاء.

تكفل المادة التاسعة من قانون أصول المحاكمات الجزائية مساعدة مدير الأمن العام والشرطة والمراكز الأمنية "المدعي العام" في سبيل إجراء وظائف الضابطة العدلية "لكن الملاحظة ان علاقة المدعي العام معهم علاقة شخصية ولأنها تعتمد على شخصية المدعي العام، فإذا كانت شخصيته قوية تسير الأمور ولكن إذا كانت ضعيفة لا يستطيع ان يسّير الأمور فهو لا يملك نصوص قانونية واضحة في ذلك فلا يوجد سلطة عليهم في المادة التاسعة"، وفق المحامي مازن الطويل.

التخصصية

ولا يتمتع المدعي العام بالاختصاص الكامل، متنقلا مرة قاضي صلح ومرة في محكمة أخرى، وهذا ما يضعفه..على ما يقول كامل السعيد.

فيما يرى وزير العدل الأسبق شريف الزعبي أن النقص يحصل "بغياب التخصصية لدى القضاة" وخصوصا في عمل النيابة العامة، "حيث أصبح عمل القضاء معقدا، فهناك جرائم غير تقليدية لها علاقة بسوق عمان المالي أو البورصات العالمية أو قضايا بنكية مختلفة".

 

ويتابع الوزير "ينقصنا التخصصية في الإدعاء العام، ولا يوجد أعداد كافية من المدعين العامين، أو أي استقرار وظيفي في الإدعاء العام، فهو دائم التنقل، وبرأي العديد من خبراء القضاء فإن الإدعاء العام مهمل في القضاء".

ويعتقد الوزير الزعبي أن علاقة الإدعاء العام بالوزير "غير واضحة" فالمدعي العام مستقلا بالكامل عن السلطة التنفيذية وعلى أرض الواقع هناك قضاة مستقلين، ويوجد رابطة إدارية يستطيع عندها الوزير أن يحرك الدعوى.

 

وتحدث شريف الزعبي عن تجربته الخاصة عندما كان وزيرا للعدل، "عندما كنت وزيرا دعيت إلى استقلالية الإدعاء العام إداريا، فلا يوجد تجربة كاملة حول ذلك ولكن أعتقد أن بلدان أخرى استفادت من استقلال الإدعاء العام لديها وتدريب المدعي العام على الاستقلال..فالقاضي يختلف عن المدعي العام حتى في العقلية يختلف وقد ينجح كمدعي عام لكنه كقاضي قد يكون غير جيد".

أما في الأمور الفنية فلا يوجد مدعي عام متخصص مثل الدول المتقدمة التي تراعي التخصصية، "لدينا يكون قاضي صلح ثم يصبح مدعي عام..أو يكون محاميا ويعمل في بنك ويصبح مدعي عام، ولا يعرف كثيرا بأصول الجزاء أو أسلوب التحقيق..المدعي العام لا يعمر لدينا عن السنتين وسرعان ما يتحول إلى قاضي محكمة في حين وفي الدول الأخرى يبقى عشرين عاما"..على ما يقول المحامي الطويل.

معاصرة الواقع

الوزير الزعبي يرى أن الجرائم تنوعت في العصر الحالي خصوصا الاقتصادية منها والبورصات وقضايا المطبوعات والملكية الفكرية وهذا ما يستدعي إلى تخصصية عمل المدعين العامين، "لا بد من إعطائهم المكانة الصحيحة والتدريب والتأهيل وتعزيزهم بالكوادر الإدارية اللازمة وإعطائهم السيارات والموبايلات".

وفيما يذّكر ناجي الزعبي، نائب مدعي عام عمان، بالقانون الذي رسم حدود هذه العلاقة، "العلاقة بين وزارة العدل والنيابة العامة إدارية فقط"، والهدف منها "حسن الأداء وجودة العمل وتأمين احتياجات أعضاء النيابة العامة".

ويضيف السعيد "إذا كان لا بد أن يكون هناك تطوير في فصل النيابة العامة ماليا وإداريا وعلى أن يبقى خاضعا للمجلس القضاء الأعلى شريطة ان يكون لرئيس النيابة العامة دور القدح المُعلى في شؤون أعضاء النيابة العامة..ويجب أن يمنح رئيس النيابة العامة سلطات واسعة في شؤون أعضاء النيابة العامة، ويجب أن ينص ذلك في القانون، لا أن تكون ضمن التعليمات أو الأنظمة".

بضوء تجربة المحامي الطويل فيرى أن ثمة علاقة ملتبسة بين المدعي العام والشرطة المكلفين لديه لتنفيذ الضابطة العدلية، ويقول: "هناك مدعين عامين يحوّلون القضايا على الشرطة كأن يقولوا إن القضية فنية تحتاج للشرطة الذين يقومون بالتحقيقات".

ويخلص الطويل بالقول: "لا يوجد رؤية واضحة للمدعي العام ليحقق في الدعوى، ولا يوجد نص واضح في القانون يتحدث عن تحويل المدعي العام القضية على الشرطة".

ناجي الزعبي، يرى أن علاقة النيابة العامة بالضابطة العدلية "تنمو وتزدهر كلما عرف كل منهما الواجب القانوني الملقى على عاتقهما، لكن المدعي العام ليس لديه ضابطة قضائية مختصة أو تابعة له هناك ضابطة عدلية لكنها ترتبط معه عندما يباشر هذا العمل أما ما عداها فليس هناك ارتباط".

هناك قوانين تمنح صلاحيات للمدعين العامين، وقد يساء استخدام الصلاحيات وهناك أخطاء مقصودة أو غير مقصودة وهناك خطة شمولية كاملة تبحث في أمور الإدعاء العام والنيابة العامة..على ما يقوله الوزير الزعبي.

النيابة العامة

وينادي الوزير بالاستقلالية الكاملة للنيابة العامة، معتبرا أن تجارب دول أخرى نجحت في استقلالية النيابات العامة لديها وضمن هيكلية مستقلة وأنظمة وكادر إداري وقضائي وتخصصات وتأهيل.."لن أقول أن المدعين العامين هم الجزء المهمل في الجسم القضائي أو كما يقول البعض منهم بأن الحكومة لا تهتم بهم على أساس أن القضاء كقضاء ويتجاهلوا الإدعاء العام".

ويوضح ناجي الزعبي، نائب مدعي عام عمان أن وزير العدل يرأس جهاز النيابة العامة من الناحية الإدارية فقط، أما من الناحية القضائية فليس له أن يتدخل بعمل أعضاء النيابة العامة، "والهدف من رئاسته من الجانب الإداري هو لتأمين أكبر قدر ممكن من المساعدة لعمل لأعضاء النيابة العامة في عملهم، لغاية تسهيل العمل وحسن الأداء".

في المادة 100 من قانون أصول المحاكمات الجزائية توجب على رؤساء المراكز الأمنية والشرطة أن يحتفظوا في الأشخاص (الموقوفين) أكثر من 24 ساعة ويجب تحويلهم خلال 24 ساعة إلى المدعي العام..لكن الحال وفق المحامي الطويل "يبقى عندهم أسبوعين وثلاث ويتحايلوا على المادة المائة عبر حصولهم على قرار من المحافظ بتوقيفه إداريا ولا يتدخل المدعي العام عندها، فلا يوجد لديه سلطة رغم ان ذلك يحسب جريمة فيما لو كان بريئا بعد حجز حريته".

عن التوقيف الإداري، يطالب الوزير الزعبي بإعادة النظر فيه، فهو كان له وقته في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي لكن ليس الآن، "ففي العالم العصري انتهى التوقيف، فجاءت البينة وسماع الشهود وليس بقرار إداري يتم التوقيف".

حول العلاقة بين المدعين العامين والضابطة العدلية، "هي تعتمد على الأشخاص والتدريب والتأهيل فالاستقلالية تعطيهم استقلاليتهم وحريتهم"..وفق الوزير الزعبي.

النيابة العامة هي شعبة من شعب القضاء، حيث الأنظمة القانونية تختلف عن النظام القانوني في الأردن، فأعضاء النيابة العامة هم قضاة يتبعون المجلس القضائي مباشرة، في دول أخرى جهاز النيابة العامة له استقلال ذاتي ضمن جهاز القضاء، لا يتم النقل أو التأنيب إلا من خلال تنسيبات رئيس النيابات العامة أو النائب العام..والحديث لنائب مدعي عمان.

ويعتبر الوزير الزعبي أن في عهده أصدر قرارا بصرف مبلغ مالي لكل المدعين العامين من سيارات خاصة لكل واحد منهم، وهواتف خاصة ممولة من وزارة العدل، معتقدا أن تحسين أوضاعهم المادية ينعكس على أداءهم، "آن الأوان لإعادة النظر بالقوانين".

القاضي الحمود يجد أن أهمية إيجاد قانون خاص بالنيابة العامة "سيكون له أثره في تحقيق استقلالها وتعزيز دورها في حماية المواطن من التعسف، فجمع الاتهام والتحقيق بيد جهة واحدة لا تتمتع بحصانة القضاة واستقلالهم يؤدي الى التغول".

فيما يدعو ناجي الزعبي إلى حكم ذاتي للنيابة العامة ضمن الجهاز القضائي، واعتبر ان النيابة العامة هي جزء من الجهاز القضائي لابد من تطوير النصوص التشريعية التي تنظم علاقة أعضاء النيابة العامة مع بعضهم البعض ومع الضابطة العدلية، ومع المجلس القضائي.

فصل النيابة العامة يحقق مطالب الأجندة الوطنية وتوصيات مؤتمر هافانا التي التزم بها الأردن وكذلك توصيات التقرير الوطني حول تطوير النيابات العامة، على ما يقوله القاضي الحمود، "عدم استقلالية النيابة أدى أيضا الى عدم وضوح أو غياب المرجعية القانونية والواقعية ما انعكس سلبا على عمل النيابة وعلى القرارات التي يمكن اتخاذها لتحسينها وتطويرها".