قروض البنوك في أزمة

قروض البنوك في أزمة
الرابط المختصر

لم يكن يرى رامي ذو الدخل المحدود "نفسه ضحية من ضحايا عاصفة الأزمة المالية العالمية، بتسريحه من عمله الذي استمر به قرابة العامين في إحدى الشركات العقارية، رغم التزامه بقرض شخصي لمدة خمس أعوام بضمان استمرارية راتبه المحول الى أحد البنوك، إلا أنه الان يجد نفسه عطلا عن العمل، حائرا بكيفية سداده للقرض المترتب عليه بافتقاره لمصدر دخل اخر"، بقوله "البنوك لا ترحم وليس لي مصدر للسداد".

    
فتعرض البنوك لمشاكل الائتمان "القروض المتعثرة" من شأنه زعزعة الثقة بالقطاع المصرفي الاردني ككل، مما دفع البنوك الى التشدد بمنح التسهيلات للتغلب على المخاطر المصاحبة لعمليات الإقراض، وعدم الوقوع بفخ القروض المتعثرة "غير العاملة" بظل الازمة المالية العاصفة بالعالم.                          

                  
وتعرف القروض المتعثرة "Bad Loans" بالقروض التي لم تعد تحقق للبنك إيرادات من الفوائد، أو القروض التي يجد البنك نفسه مضطراً لجدولتها بما يتفق والأوضاع الحالية للمقترض، اي إن "القرض يعتبر غير عامل إذا مضى على استحقاق أي من أقساطه مـدة تزيـد عن  90  يوماً"، حسب التشريعات المصرفية الاردنية.  


محافظ البنك المركزي أميه طوقان ورئيس جمعية البنوك الاردنية ميشيل مارتو يؤكدان انه " ليس لدينا أزمة سيولة، ولا أزمة تسهيلات ولم تسجل أية تغيرات في معدلات تعثر سداد القروض في المملكة، حيث بقيت معدلات تعثر سداد القروض عند معدلاتها الطبيعية بحوالي 4 % لعام 2008".                                 


وحسب إحصائية نشرت للبنك المركزي، أوضحت ان نسبة القروض غير العاملة بالبنوك الاردنية من عام 2000 وحتى 2008 تتراوح بحدود 4%، مقارنة بعام 2000 حيث وصلت نسبة القروض المتعثرة الى حدود 15%.                                                                     
إلا أن الخبير المصرفي جمال ابو عبيد أوضح، "اتخاذ البنك المركزي اجراءات متعلقة بالقروض المتعثرة من خلال اصدار تعليمات للبنوك الاردنية لاحتساب القروض المتعثرة السداد بظل الاوضاع السائدة بالمملكة".


معايير وسياسات


من الناحية العملية، لا يستطيع أي مصرف أن يصل إلى درجة تنعدم فيها المخاطر الائتمانية لديه، إلا أن البنوك الاردنية تسعى جاهدة بسن سياسات ومعايير خاصة بالائتمان المصرفي، بهدف الحد من المخاطر الائتمانية المحتملة.

يعود ذلك لاعتماد سداد القروض على التدفقات النقدية المتوقعة للمقترض "الراتب" أو المشروع الممول "الايرادات"، وبما أن هذه التدفقات ستحصل في المستقبل فإن حصولها لن يكون مضموناً بالكامل، بسبب احتمال وقوع أحداث أو مؤثرات تعيق المقترض أو تمنعه من الوفاء بالتزاماته تجاه البنك، وإذا ما تحقق هذا الاحتمال فإن حقوق البنك على المقترض تصبح في حالة خطرة أو مشكوكاً فيها.


لذلك أكد محمد الكتوت رئيس وحدة تمويل السيارات ببنك الاسكان، "ان عدد القروض التي تدخل حيز القروض المتعثرة للبنوك الارردنية بازدياد منذ بداية العام الجديد 2009".


وحسب التشريعات الاردنية، يعد القرض متعثرا بعد مرور ثلاثة اقساط متتالية دون سداد، "متضمنة متابعة شخصية للعميل، ثم الانذار الخطي بعد القسط الثاني بالبريد المسجل، يليها تحويل القرض الى الدائرة القانونية لملاحقته بالقضاء"، كما جاء عن الكتوت.

أسباب ومسببات


"تباطؤ الحركة التجارية بالمملكة، وازدياد ظاهرة الشيكات المرتجعة المبني عليها التزام، وتوقعات بازدياد نسبة البطالة حتى منتصف العام أسباب تأثر بظاهرة القروض المتعثرة، والتي تعمل البنوك على تكثيف فريق التحصيل لديها حتى يساعدها على تقليل حدة تفاقم المشكلة لدى البنوك"، حسب الكتوت.


حيث اظهر تقرير معدلات البطالة للربع الثاني من عام 2009 ان معدل البطالة بلغ 12.5 % مقابل 12.1 % للربع الاول من نفس العام، وفق دائرة الاحصاءات العامة.


وأكد الاقتصادي مازن مرجي، "أن المزيد من العاملين في المصانع والبنوك والشركات الكبرى سيفقدون وظائفهم نتيجة للازمة إضافة إلى الاف الخريجين وعودة الكثير من العمالة في السوق الخليجية، من شأنها رفع معدلات البطالة بالسوق المحلية بمعدل أعلى من النسبة الحالية".       

  
وتعد البطالة من أشد الاسباب خطورة على البنوك، وذلك بانعدام التدفقات النقدية المتوقعة للمقترض الحالي، نتيجة سرطان إعادة الهيكلة للشركات وتسريح العاملين، التي ستؤدي الى عجز المقترض عن سداد الدفعات المترتبة عليه وتحول القرض من قرض سليم الى متعثر ماليا.


الأساس القانوني لعمليات التسريح


أجازت المادة 31 من قانون العمل تحت بند إعادة الهيكلة لصاحب العمل إنهاء عقود العمل غير محددة المدة اذا اقتضت ظروف اقتصادية او فنية هذا الإنهاء او التعليق كتقليص حجم العمل او استبدال نظام الإنتاج بآخر او التوقف نهائيا عن العمل شريطة أشعار وزارة العمل بذلك.                     

                                    
وهنالك أسباب اخرى قد تؤدي لتعثر القروض وحدوث الأزمات المصرفية أهمها: ضعف إشراف الأجهزة الرقابية والإدارات المصرفية، ومنح القروض للأقارب والأصدقاء ولذوي المصالح المشتركة وذوي النفوذ، وارتفاع عدلات نمو الائتمان المصرفي بشكل يفوق الحاجة الفعلية للاقتصاد.
أكد الاقتصادي منير حمارنة، ان "حدة مشكلة القروض المتعثرة تتفاوت في أثرها من بلد إلى آخر، ومن بنك إلى آخر ضمن الدولة الواحدة، وكذلك تتفاوت حدة هذه المشكلة من وقت إلى آخر سواء على مستوى البنك الواحد أم على مستوى القطاع المصرفي بشكل عام.                                                                   
لذلك وضح حمارنة فرضية نظرية أكد فيها، "على ضرورة قيام البنوك على تقديم قروض جديدة لتحريك الحالة الاقتصادية في الاسواق المحلية، لتفادي احتماليات الوصول الى حالة الكساد بظل الازمة المالية العالمية، وازدياد القروض المتعثرة ".                                                                                     
أزمات عالمية                                                                                  
أجريت دراسة تحليلة لأربعٍ وعشرين أزمة  مالية  واقتصادية حدثت في عدد من الدول خلال السنوات ( 1997، 2000)، أوضحت الدراسة أن هناك تسع أزمات ناجمةعن خلل أو مشاكل مصرفية فقط، وكانت نسبة القروض المتعثرة في هذه الأزمات (18%) من حجم القروض،  وبلغت كلفتها حوالي (4.5%) من  حجم الناتج المحلي الإجمالي في هذه الدول.                                                                                        
أما الأزمات التي نجمت عن حدوث أزمة مصرفية بالإضافة إلى أزمة لسعر صرف العملة فقـد كان عددها خمس عشرة أزمة، وفي هذه الأزمات كانت نسبة القروض المتعثرة (26%) من حجم القروض، وكانت كلفة هذه الأزمات تعادل (23%) من الناتج المحلي الإجمالي للدول التي عانت من هذه الأزمات المزدوجة.      

    
يذكر أن برنامج سابق الممول من قبل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وجمعية البنوك في الأردن، ينظمان ورش عمل دورية حول إدارة القروض المتعثرة، توضح الأبعاد والتكاليف المترتبة على البنوك التجارية بتعثر القروض، وأهمية استخدام هيكل تنظيمي مناسب، وتخصيص الموارد المناسبة، ووضع استراتيجيات ناجحة للتحصيل.