قرارات رسمية أم كلمات متقاطعة؟!

الرابط المختصر

تبدو السياسات والقرارات الرسمية، في أحيان، أقرب إلى ألغاز وأحجيات، يتطلب تفسيرها "رياضات ذهنية" أقرب إلى لعبة "الكلمات المتقاطعة"، وتخضع للتأويلات المغالية، بعيداً عن وجود قرائن عقلانية.

القائمة طويلة، سواء ما تعلّق بإفشال إطلاق فضائية الـATV سابقاً، مروراً بتولي المناصب العليا والتعديلات الحكومية، واستقالة وزير التربية والتعليم المبهمة، وسؤال الشريك الاستراتيجي في مشروع توسعة المصفاة مؤخراً، وغيرها من سياسات وقضايا عديدة خلال السنوات الأخيرة.

في سياق هذه الألغاز يأتي قرار الحكومة إغلاق مكتبي فضائيتي العالم وبرس تي في في عمان. الذريعة الحكومية تمثّلت في أنّ هذه المكاتب لم تستكمل إجراءات التسجيل والموافقة الرسمية، مع أنّها تعمل منذ مدة ليست بالقصيرة، ولم يسجّل عليها أنّها قدمت أي تقارير من العيار الثقيل بالنسبة للمسؤولين الأردنيين، وكانت في سقف تغطيتها معتدلة ومتوازنة عموماً!

بالرغم من ذلك، فقد قام مراسلو الفضائيتين باستكمال أوراقهم والتقدم بها، وفقاً للطلب الرسمي، لكن الحكومة ما تزال تماطل وتسوّف في الجواب عن ذلك، بحجج ضعيفة، غير مقنعة.

إذا تجاوزنا الإجراءات الشكلية، والتقارير الصادرة عن الفضائيتين التي لا تمس الأمن الوطني، فإنّ السؤال يكمن في "الرسالة السياسية" التي تقرأ من وراء هذا الإغلاق؟

التفسير الوحيد أنّ هاتين الفضائيتين تعودان إلى إيران، وهذا يعني أنّ القرار يعكس استمرار حضور تيار في السياسة الرسمية ما يزال ينظِّر عن الخطر والنفوذ الإيراني وأولويته، مع أن المتغيرات الإقليمية تؤكد أنّ مصدر التهديد الرئيس اليوم هو الحكومة اليمينية في إسرائيل، وليست طهران التي تنشغل بأزمتها الداخلية حالياً، ولا تقع على تماس مباشر مع الأمن الوطني الأردني، ولم تصدر عن قادتها تهديدات مباشرة للأردن، كما يحصل على الأقل من إسرائيل بصورة مستمرة وسافرة خلال الفترة الأخيرة.

الدلالة الأسوأ في هذا القرار تتمثل في انعكاساته على المجال المهني وما يقدمه من مؤشرات تحدّ من الحريات الإعلامية ومجالاتها وسقوفها لاعتبارات سياسية غير مقنعة، وافتعال قضية تتعامل معها المنظمات العالمية وتؤثر على سمعة الأردن، من اللاشيء، في وقت نحتاج فيه إلى تعزيز الحرية الإعلامية وسمعة الأردن الدولية في هذا المجال، لاستقطاب منظمات دولية ومساعدات خارجية تساعد جميعها في خلق فرص عمل، وجعل الأردن مركزاً إقليمياً آمناً للعديد من المؤتمرات والنشاطات الإعلامية والاقتصادية والسياسية.

أكاد أجزم أنّ هذا القرار ذو صيغة فردية، لم يُدرس جيّداً، وأنّ الحكومة لم ترجع في اتخاذه إلى أهل الاختصاص من السياسيين والإعلاميين، كما هي حال سائر القرارات الرسمية، وهذا ما يجعلها في كثير من الأحيان عصية على الإدراك والفهم، على الأقل لدى أغلبية الناس!