
قرارات ترامب الأخيرة.. دعم غير مشروط لإسرائيل وتهديد لاستقرار المنطقة

في خطوة غير مفاجئة لكنها مثيرة للجدل، كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سلسلة من القرارات التي تعكس دعمه غير المشروط لإسرائيل، مما يثير تساؤلات حاسمة حول تأثير هذه السياسات على الاستقرار في الشرق الأوسط، بل ويعيد إلى الواجهة سيناريوهات سابقة مثل "صفقة القرن" التي سعت إلى إعادة تشكيل المنطقة وفق الرؤية الأمريكية الإسرائيلية.
نقل موقع أكسيوس أن ترامب أثار موجة من الانتقادات خلال حديثه مع الصحفيين على متن طائرته الرئاسية "إير فورس وان"، بعدما اقترح على العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني استقبال المزيد من اللاجئين الفلسطينيين من قطاع غزة، في خطوة وصفت بأنها محاولة لإعادة تشكيل التركيبة السكانية في المنطقة وتصفية القضية الفلسطينية عبر تهجير قسري.
رد الأردن كان سريعًا وحاسمًا، إذ أكد وزير الخارجية أيمن الصفدي أن "رفضنا للتهجير ثابت لا يتغير"، مشددًا على أن القضية الفلسطينية لا تُحل إلا فلسطينيًا، وأن أي محاولة لفرض حلول قسرية مرفوضة تمامًا. من جهتها، رفضت مصر بشكل قاطع أي محاولات لتهجير الفلسطينيين، حيث أكدت وزارة الخارجية المصرية في بيان نقلته وكالة رويترز أن هذه المحاولات تمثل تهديدًا للاستقرار الإقليمي. وشدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على أن أي تهجير جماعي "يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية بالكامل".
المحلل السياسي الدكتور بدر ماضي أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الاردنية الألمانية ذكر أن سياسات ترامب ليست جديدة، بل هي إعادة استنساخ لصفقة القرن التي كانت تشكل العنوان الأساسي لمنطقة الشرق الأوسط في دورته الأولى من 2016 إلى 2020. ورغم أن المشهد لم يتغير كثيرًا، إلا أن التكتيكات في السياسة الخارجية الأمريكية قد تكون تغيرت قليلاً.
وأضاف أن تصريحات ترامب المتعلقة بتوطين الفلسطينيين، التي طرحت في البداية كفكرة التواصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، كانت معقدة من الناحية الجغرافية والواقعية. ولكن الطرح الجديد قد يكون منتجًا من صفقة القرن.
ويرى الدكتور بدر أن الرفض الأردني والمصري لهذه الطروحات سيكون له دور كبير في تغيير مسار المشروع الأمريكي الإسرائيلي. إذ أن الأردن لن يسمح بتغيير التركيبة الديموغرافية أو تهديد الهوية الوطنية الأردنية، لأن ذلك سيؤثر أيضًا على الهوية الفلسطينية. وأضاف أن هذه الطروحات قد تؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية، ولا يمكن مواجهتها إلا من خلال تثبيت الشعب الفلسطيني على الأرض. كما شدد على أهمية أن يكون هناك قرار ثابت وأساسي لدول الطوق في منع تهجير الفلسطينيين واقتلاعهم من أرضهم وهويتهم الوطنية.
ولم تقتصر تحركات ترامب على البعد السياسي، بل امتدت إلى المجال العسكري، حيث قرر رفع الحظر الذي فرضته إدارة جو بايدن على شحنة من القنابل الثقيلة الموجهة إلى إسرائيل. ووفقًا لما نشره موقع أكسيوس، شمل القرار إرسال 1,800 قنبلة من طراز "إم كيه 84"، والتي يبلغ وزن كل منها 2,000 رطل، بعد أن كانت واشنطن قد جمدت الصفقة حين اجتاح جيش الاحتلال الإسرائيلي مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، هذا القرار يعكس التزام ترامب بدعم إسرائيل عسكريًا، حتى في ظل المعارضة الداخلية من إدارة بايدن والمخاوف من تفاقم الأزمة الإنسانية.
يبدو أن هذه القنابل، إلى جانب السياسات الأخرى، ليست سوى "هدايا" أمريكية متجددة لإسرائيل، تعيد إشعال الصراع بدلًا من تهدئته.
الخبير العسكري الفريق الركن الدكتور قاصد محمود يرى أن هناك دلالات عسكرية وسياسية كبيرة وراء قرار ترامب بشأن الموافقة على الشحنة العسكرية التي كانت موقوفة سابقًا.
فمن الناحية العسكرية، إن القذائف "إم كيه 84" تتميز بقدرتها العالية على الاختراق، سواء في الأعماق أو المسطحات الأسمنتية أو الترابية. لكن في غزة، لم يعد هناك شيء يمكن تدميره، وقد جربت القذائف على الأنفاق العميقة ولم تنجح كثيرًا. مع ذلك، كان هناك نية لدى نتنياهو لاستخدامها ضد المباني العميقة في الضاحية الجنوبية، وهي التي تابعة لحزب الله، فكان البديل استخدام نظرية الرميات المتتالية لتحقيق الاختراق المطلوب.
ومن حيث القيمة الاستراتيجية، فإن هذه القذائف قد تكون مناسبة أو أكثر فاعلية ضد أهداف استراتيجية مثل المشروع النووي الإيراني والتحصينات العسكرية التي يمتلكها الحوثيون، حيث لم تنجح القذائف الأكبر من هذه في تدمير تحصينات الحوثيين، وبالتالي قد تكون هذه القذائف غير فعّالة ضد هذه الأنظمة، لكنها تظل مصدرًا مهمًا في استراتيجيات إسرائيل العسكرية.
من الناحية السياسية، يرى الدكتور قاصد أن قرار ترامب يحمل رسالة قوية في الاتجاهين، الإسرائيلي والإيراني فمن جهة، هو يعد بتعزيز قوة إسرائيل في المنطقة، ومن جهة أخرى، يظهر ترامب كداعم لإسرائيل في تحقيق مصالحها، كما أن هذه الشحنة يمكن أن تكون ورقة ضغط على نتنياهو في مواجهة اليمين المتطرف في إسرائيل، الذين يضغطون عليه للتصعيد في الحرب.
ويرى قاصد أن هناك جانب إعلامي ايضًا فيسعى ترامب من خلال هذه القرارات إلى فرض نفسه كقوة استثنائية تنفذ ما يعد به، وهو ما يزيد من قوته الإعلامية والسياسية في الساحة الدولية. في الوقت نفسه، فإن هذه الشحنة قد تعزز وحشية إسرائيل، خصوصًا إذا تم استخدامها في مهاجمة أهداف في الضفة الغربية، مما قد يضيف تعقيدًا للأوضاع.
وفي خطوة أخرى تعزز موقف المستوطنين الإسرائيليين، ألغى ترامب العقوبات التي فرضتها إدارة بايدن على المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية، الذين تورطوا في أعمال عنف ضد الفلسطينيين. القرار ألغى الأمر التنفيذي رقم 14115، الذي كان يهدف إلى فرض قيود على المستوطنين الذين يقوضون الأمن والاستقرار. صحيفة نيويورك تايمز أشارت إلى أن القرار أثار موجة من الانتقادات الدولية، لا سيما أن الإدارة الأمريكية السابقة كانت قد وصفت العنف في الضفة الغربية بأنه "بلغ مستويات غير مقبولة".
وفي هذا السياق يرى الكاتب والمحلل السياسي بسام بدارين، أن إلغاء العقوبات على المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية هو عبارة عن مكافأة لإجرام المستوطنين. والمستوطنون اليوم في الحقيقة، لا يقفون في الضفة الغربية تحديدًا عند حدود تهديد استقرار الفلسطينيين بل هم أداة في يد وذراع حكومة أصلاً تمثلهم وتم انتخابها.
وأضاف بدارين أن إلغاء العقوبات على المستوطنين يعني تشجيعهم وتسليحهم مجددًا، وقد شاهدنا عدة أحداث في هذا الاتجاه بعد قرار الأمر التنفيذي للرئيس ترامب، مما يعني أن المواجهة حتمية وقادمة لا محالة، وستكون أعنف بكثير مما شهدته غزة ولكن هذه المرة في الضفة الغربية، ما لم يستدرك المجتمع الدولي ومعه الإدارة الأمريكية الأمر في إطار البحث عن معادلة جديدة، تكون أقل صخبًا ولا تنتهي بشلال دماء.
وأضاف بسام أن أداء المستوطنين في الضفة الغربية، وخطط ونوايا وجاهزية فصائل المقاومة والشعب الفلسطيني، تعني الكثير الآن. وهي مؤشرات على أن الاضطراب شديد والوضع القانوني العام في الضفة أصبح مفتوحًا على كل الاحتمالات. ويرى بدارين أن لإسرائيل مصلحة في نقل الصراع إلى الضفة، بهدف إحداث فوضى واضطراب كبير، إلى جانب تغيير ديمغرافية السكان، مما يتيح لليمين الإسرائيلي فرصة تطبيق مشروعه المعلن، والذي انتُخب على أساسه، تحت عنوان "ضم الضفة الغربية".
وفي تطور آخر، أعلن البيت الأبيض عن تمديد "الاتفاق" بين لبنان وإسرائيل حتى فبراير 2025، في ظل استمرار الوجود العسكري الإسرائيلي في مناطق متنازع عليها. ووفقًا لما أوردته وكالة فرانس برس، أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي استمرار العمل بتفاهم وقف إطلاق النار، إلا أن تقارير لبنانية تحدثت عن خروقات إسرائيلية وعدم التزام بالانسحاب من بعض المناطق الحدودية، ما يثير الشكوك حول جدية إسرائيل في الالتزام بالاتفاق. ومع تصاعد التوترات، يبقى السؤال الأهم: هل وقف إطلاق النار في غزة هو مجرد هدنة مؤقتة أم شرارة لصراع جديد أكثر عنفًا؟
ويضيف الدكتور بدر بما يخص الشأن اللبناني: تعلم إسرائيل أن لبنان وأقصد هنا حزب الله، في أضعف حالاته، وهناك شبه رضا دولي على ما قامت به إسرائيل تجاهه. لذلك، أعتقد أن موضوع التأجيل هو بالتأكيد مؤشر على أن إسرائيل ما زالت لديها نوايا ليست سليمة تجاه لبنان. ويوضح الدكتور بدر أن هذه النوايا قد تعمل على ضبط أكثر للحدود مع لبنان، وربما تدق المسمار الأخير في تواجد حزب الله العسكري في جنوب لبنان، مما سيخفض من قدرة حزب الله على فرض إرادته السياسية والعسكرية داخل لبنان نفسه. ويؤكد على أن لن يكون هناك أي ردود فعل من حزب الله تجاه إسرائيل عسكريًا، لكن إعلاميًا سيقوم حزب الله بحملة دعائية كبيرة جدًا، فلا البيئة الحاضنة لحزب الله قادرة على دعم الحزب في أي مشروع سياسي أو عسكري جديد ضد إسرائيل، ولا الحزب نفسه سيتجرأ على مهاجمة إسرائيل، لأن ذلك سيترتب عليه كلفة كبيرة جدًا.
وفي خطوة تعكس تحولًا جذريًا في السياسة الخارجية الأمريكية، قرر ترامب تعليق المساعدات الخارجية لمدة 90 يومًا، مع استثناء المساعدات العسكرية لإسرائيل ومصر. وشمل القرار تجميد المساعدات التنموية لأوكرانيا، مما يبرز نهجًا جديدًا في التعامل مع هذا الملف. ووفقًا لصحيفة واشنطن بوست، فإن هذا القرار يأتي ضمن مراجعة شاملة لبرامج المساعدات لتقييم مدى توافقها مع الأولويات الأمريكية.
يبدو أن مبدأ "أمريكا أولًا" في عهد ترامب يعني قبل كل شيء "إسرائيل أولًا"، وسط تزايد المخاوف من أن هذه السياسات ستشعل مزيدًا من الأزمات بدلًا من تحقيق استقرار حقيقي، فتتدفق الأسلحة والدعم بلا قيود، تغذي صراعات لا تنتهي وتكرّس واقعًا تخطه واشنطن بمداد المصالح الإسرائيلية لا
الاعتبارات الدولية.
في هذا الصدد يرى البدارين أن هذه المخططات رغم خطورتها إلا أنها قد تكون غير قابلة للتنفيذ، لأنها تعني استمرار الصراع، ولتنفيذها عمليًا يتطلب الأمر تواطؤًا بالجملة من جميع دول الشرق الأوسط والقوى الإقليمية، بالإضافة إلى ضرورة إخراج المقاومة في غزة والضفة الغربية من المعادلة الجغرافية تمامًا حتى يصبح تغيير التوازن الديمغرافي قابلًا للتنفيذ.