قراءة في دستور 1952

قراءة في دستور 1952
الرابط المختصر

طالبت العديد من القوى الشعبية بالعودة لدستور عام 1952 واعتبرته أساسا للاصلاح حيث تمَّ إفراغ الدستور من روحه الديمقراطيَّة بالعديد من التعديلات غير الديمقراطيَّة التي أُدخِلتْ عليه خلال العقود الماضي” حسب ما تقول هذه الجهات.

تمهيد:

عندما تشكلت أول حكومة بعد تأسيس إمارة شرق الأردن في 11نيسان1921 ، كانت جميع السلطات التنفيذية والتشريعية من اختصاص مؤسس الإمارة الأمير عبد الله إبن الحسين .

وفي عام 1923 تم إنشاء مجلس الشورى وعُهد إليه سن القوانين والأنظمة وتقديمها للحكومة للموافقة عليها ورفعها من ثم للأمير للتصديق عليها . واستمر مجلس الشورى حتى تم إلغاؤه عام 1927 .

وفي عام 1928 تم توقيع المعاهدة الأردنية البريطانية ونشر القانون الأساسي "الدستور لشرق الأردن". وقد تميز هذا الدستور انه صدر عن طريق المنحة في إصدار الدساتير ولم يصدر بطريقة العقد .

إلا أن القوى السياسية الأردنية بدأت بممارسة ضغوطها فعمت موجة من السخط وعمت المظاهرات وتوالت العرائض للأمير والحكومة والمعتمد البريطاني..

وفي 22/3/1946 تم التوقيع على معاهدة صداقة بين الأردن وبريطانيا وانتهى عهد الانتداب البريطاني وظهرت شرق الأردن كدولة مستقلة ذات سيادة وصدر في 15/5/1946 الدستور الأردني.. ومن ميزاته: الأخذ بكلمة دستور بدلا من القانون الأساسي..

والنص على مبدأ الاستقلال.. وعلى علاقة الأردن بالأمة العربية .. وان الشعب الأردني جزء من الأمة العربية.. وان نظام الحكم ملكي وراثي.. ونظام الحكم نيابي.. والأخذ بنظام المجلسين الأعيان والنواب .. والأخذ بمبدأ فصل السلطات.. وبيان حقوق الملك ومهمات السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.

وبعدها صدر الدستور في 8/1/1952 بطريقة العقد وليس المنحة، وكان من خصائصه النص على أن (الشعب الأردني جزء من الأمة العربية.. والنص على مبدأ سيادة الأمة.. والأخذ بالنظام النيابي البرلماني.. ومبدأ فصل السلطات والأخذ بنظام المجلسين في تكوين البرلمان.. ومن مميزات هذا الدستور انه قرر تشكيل ديوان المحاسبة لمراقبة إيرادات الدولة ونفقاتها وطرق صرفها.. مثلما جاء بتنظيم كامل للحقوق والحريات.

وقد ازدادت سلطة مجلس الأمة في ظل هذا الدستور إذ أصبحت الوزارة مسؤولة أمام مجلس النواب .

اهم التعديلات التي طرأت على الدستور:

لكن الدستور جرت عليه تعديلا في الأعوام 1974 و 1984 وبلغت مجموع هذه التعديلات ر 29 تعديلا جوهريا يفصلها الخبير القانوني د. محمد تركي بني سلامه بما يلي:

1-المادة 34 فقرة 3 : وجرى هذا التعديل بتاريخ 10-11-1974 وتنص المادة على ما يلي: للملك أن يحل مجلس الأعيان أو يعفى أحد أعضائه من العضويةإن مجلس الأعيان هو جزء من السلطة التشريعية، ويهدف إلى استقطاب أصحاب الكفاءة والخبرة من العقلاء الذين لا يستطيعون خوض المعركة الانتخابية أو لا يحققون نجاحاً فيها، وبالرغم من أن هذا المجلس لا يملك حق الاقتراع على الثقة بالوزارة أو أحد الوزراء، إلا أن هذا لا يمنع من أن يتمتع أعضاء مجلس الأعيان بنوع من الاستقلالية وهامش من الحرية يسمح برقابة السلطة التنفيذية، إلا أن هذا الحق قد سلب من الأعيان بموجب التعديل السابق، إذ أصبح من حق الحكومة عزل أي عضو يخالف توجهاتها أو ينتقد سياساتها حتى فقد هذا المجلس الضمانات التي تجعله جزءًا من السلطة التشريعية فاتسم أداؤه بالسلبية والتأييد المطلق لكل حكومة .

وبالعودة إلى دستور عام 1952 فإن هذه المادة لم تكن موجودة، وحول أثر هذا التعديل على سلوك أعضاء مجلس الأعيان، فعلى سبيل المثال، وافق جميع أعضاء مجلس الأعيان الأردني على معاهدة السلام الأردنية- الإسرائيلية عام 1994.

إلا أنه عند مناقشة المعاهدة احتج دولة السيد أحمد عبيدات أحد أعضاء مجلس الأعيان على بعض بنود المعاهدة وبالرغم من تغيبه أثناء التصويت إلا أنه بعد هذا الموقف أقيل من المجلس وفي حادثة مشابهة فان الدكتور جواد العناني والذي كان الابن المدلل للنظام السياسي في العقود الماضية حيث تولى أعلى المناصب في الدولة الأردنية بدأ من الحقيبة الوزارية حتى رئاسة الديوان الملكي, قد انتقد أداء الحكومة في مقالة صحفية، ثم أجبر بعد ذلك على تقديم استقالته. وبالخلاصة فإن التعديل السابق أصبح أشبه بسيف مسلط على رقاب أعضاء مجلس الأعيان يمنعهم من رقابة أو انتقاد الحكومة لتجنب دفع الثمن بالإقالة، فأصبح عضو مجلس الأعيان لا يتمتع بأي نوع من الحصانة أو الضمانات القانونية التي تؤهله لأن يكن جزء من السلطة التشريعية في الوقت الذي تتوافر هذه الضمانات للعديد من الأشخاص الذين يشغلون الكثير من الوظائف في الدولة.

2- المادة 57 وجرى تعديلها بتاريخ 4/5/1958 وتنص على ما يلي:

يؤلف المجلس العالي من رئيس مجلس الأعيان رئيساً ومن ثمانية أعضاء، ثلاثة منهم يعينهم مجلس الأعيان من أعضاءه بالاقتراع، وخمسة من قضاة أعلى محكمة نظامية بترتيب الأقدمية وعند الضرورة يكمل العدد من رؤساء المحاكم التي تليها بترتيب الأقدمية أيضاً.

إن المجلس العالي يقوم بوظيفتين: تفسير الدستور وكذلك محاكمة الوزراء على ما ينسب إليهم من جرائم ناتجة عن تأديتهم لوظائفهم، وبالعودة إلى النص القديم قبل التعديل فإن المادة كانت تنص على تشكيل المجلس العالي من رئيس أعلى محكمة نظامية رئيساً ومن ثمانية أعضاء أربعة منهم من أعضاء مجلس الأعيان يعينهم المجلس بالاقتراع وأربعة من قضاة المحكمة المذكورة بترتيب الأقدمية وعند الضرورة يكمل العدد من رؤساء المحاكم التي تليها بترتيب الأقدمية أيضا.

وبالمقارنة بين النص القديم والنص الحالي يتضح أن الهدف هو استبدال رئاسة المجلس بحيث يتولاها رئيس مجلس الأعيان بدلاً من رئيس أعلى محكمة في البلاد، ولا شك أن هذا التعديل جعل هوية المجلس هوية سياسية وليست قضائية كما كانت سابقاً، ولا يخفى على أحد أن مثل هذا التغيير قد أضر باستقلال القضاء وبمبادئ الديمقراطية ذلك أن طبيعة محاكمة الوزراء ذات أبعاد قانونية متخصصة وبالتالي فإن رئاسة المجلس من قبل رئيس أعلى محكمة في البلاد أفضل بكثير من رئاسته من قبل شخصية سياسية. كما إن إبراز دور القضاء في محاكمة الوزراء هو مبدأ ديمقراطي يؤكد خضوع الوزراء وغيرهم لسلطة القضاء.

أما فيما يتعلق بأثر هذا التعديل على قرارات المجلس، ففي المرة الوحيدة في تاريخ الأردن السياسي الحديث التي يتم فيها توجيه اتهام لوزير ويمثل أمام المجلس العالي كانت في عام 1992 على أثر أزمة المديونية وانخفاض قيمة الدينار الأردني حيث تم توجيه اتهام إساءة استخدام السلطة وتبديد المال العام لوزير الأشغال السابق محمود الحوامدة، وقد نظر المجلس في القضية وتم تبرئة الوزير وإغلاق الملف.

وفي ظل استمرار التطاول على المال العام وارتفاع حجم المديونية وانتشار الفساد دون أن يتم نبش ملف مسؤول أو تقديمه للقضاء فان الحديث عن دور المجلس في هذا الأمر لا جدوى منه لأن العبرة في التطبيق.

3- المادة 68 فقرة (1) وقد جرى تعديلها بتاريخ 16-2-1960 وتنص على ما يلي:

مدة مجلس النواب أربع سنوات شمسية تبدأ من تاريخ إعلان نتائج الانتخاب العام في الجريدة الرسمية وللملك أن يمدد مدة المجلس بإرادة ملكية إلى مدة لا تقل عن سنة واحدة ولا تزيد عن سنتين.

إن التعديل الذي جرى على هذه المادة يتمثل بإعطاء الملك صلاحية تمديد مجلس النواب لمدة تصل في أقصاها إلى سنتين دون ربط أو تقييد هذه الصلاحية أمراً مثيراً للغرابة خصوصاً أن الملك يمارس هذا الحق من خلال الوزارة بصورة مطلقة فهو غير ملزم بتبرير التمديد.

إن التمديد من شأنه إضعاف دور مجلس النواب الذي سوف يستمرئ التمديد له والتمتع بالمزايا والامتيازات مما يضعف دوره في الرقابة على السلطة التنفيذية. وأخيراً فان التمديد يتنافى والقيم والمبادئ الديمقراطية التي تؤكد إجراء انتخابات ديمقراطية بصورة دورية منتظمة Regular Elections وذلك بالعودة إلى المواطنين وإشراكهم في اختيار ممثليهم واحترام رغبتهم وإرادتهم.

4- المادة 73 فقرة 4 وجرى تعديلها بتاريخ 10-11-1974 وتنص على ما يلي:

بالرغم من ما ورد في الفقرتين (1، 2) من هذه المادة للملك أن يؤجل إجراء الانتخاب العام إذا كانت هناك ظروف قاهرة يرى معها مجلس الوزراء إن إجراء الانتخاب أمر متعذر.

يعتبر هذا التعديل من أخطر التعديلات التي جرت على الدستور الأردني حيث انه بمقتضى هذا التعديل فإنه يمكن تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، مما يعني تعطيل الحياة النيابية واستمرار السلطة التنفيذية في إدارة شؤون البلاد دون حسيب أو رقيب, الأمر الذي من شأنه الإخلال بأسس ومرتكزات النظام النيابي البرلماني الذي يشترط برلماناً منتخباً يمثل الشعب. إن التعديل السابق يعطي الحكومة الحق في تغييب الحياة النيابية والبقاء في السلطة لتتصرف بسلطان مطلق دون رقابة نواب الشعب الذي هو مصدر السلطات وفقاً للدستور الأردني أو أي دستور ديمقراطي.

إن هذا الحق في تأجيل إجراء الانتخابات كان مبررًا في الماضي في ضوء احتلال الضفة الغربية عندما كانت جزءًا من المملكة الأردنية الهاشمية وكان من المتعذر إجراء الانتخاب في ظل الاحتلال، ولا يوجد مبرر قانوني أو سياسي لعدم إجراء الانتخابات في الضفة الشرقية، وقد استغلت الحكومات هذا النص حتى بعد قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية فعلى سبيل المثال قامت الحكومة بحل مجلس النواب الأردني الثالث عشر (1997 - 2001) قبل انتهاء مدته الدستورية، وتم تأجيل الانتخابات لمدة تزيد عن سنتين، وهذا في المرحة التي تطلق عليها العهد الديمقراطي.

وخلاصة القول إن ترك السلطة التنفيذية تقرر إجراء الانتخاب أمر متعذر بالتالي تعطيل الحياة النيابية يجعل الحديث عن نظام برلماني ديمقراطي مجرد كلام نظري لا قيمة له على أرض الواقع أو على صعيد التطبيق والممارسة.

5- تأتي المادة 94 لتدل دلالة قاطعة على أنه يمكن تغييب السلطة التشريعية تماماً، وتحل محلها السلطة التنفيذية التي يصبح بمقدورها أن تشرع القوانين وتعمل على تنفيذها بآن واحد، وهكذا تصبح سلطة تشريعية وتنفيذية معاً.

وبالعودة إلى النص القديم قبل التعديل فان الظروف التي يسمح بموجبها للسلطة التنفيذية إصدار قوانين مؤقتة كانت واضحة ومحددة، وتتمثل فيما يلي:

أ‌. الكوارث العامة.

ب‌. حالة الحرب والطوارئ.

جـ. الحاجة إلى نفقات مستعجلة لا تحتمل التأجيل.

أما النص الحالي فقد جعلها الأمور التي تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية، وهذه عبارة غامضة وقابلة لتفسيرات متعددة، فما تراه الحكومة ضروري قد لا يراه الشعب ضروري، وبالرغم من أن هذه الصلاحية للسلطة التنفيذية مقيدة بشروط منها الزمن بحيث لا يجوز إصدارها في أوقات انعقاد البرلمان، وأن لا تخالف أحكام الدستور بصفته رأس القوانين في الدولة، وأن تعرض على مجلس الأمة في أول اجتماع يعقد، إلا أن هذه الشروط لم تقيد السلطة التنفيذية وتمنعها من التوسع في إصدار القوانين المؤقتة، حتى إن السلطة التنفيذية اتخذت صلاحيتها في حل المجلس وسيلة لإصدار القوانين المؤقتة فعلي سبيل المثال عندما قامت الحكومة بحل مجلس النواب الثالث عشر فقد قامت بإصدار (217) قانون مؤقت كل ذلك تحت ذريعة الضرورة غير الموجودة واقعياً ودستورياً، وعلى نحو غير مسبوق في تاريخ الحكومات الأردنية حتى في مرحلة ما قبل الديمقراطية، وكان الأردن لم يكن فيه قوانين قبل تلك الحكومة.

ولعل من المستغرب أن من بين القوانين المؤقتة التي أصدرتها الحكومة قانون الانتخاب وقانون المطبوعات والنشر وقانون الأحزاب السياسية. ويشير كثير من فقهاء القانون الدستوري إلى أن القوانين الثلاثة السابقة غير دستورية، وكان من آثار هذه القوانين أن أصبح مجلس الأمة ضعيف التأثير والفاعلية التشريعية في الحياة السياسية في البلاد.

وما زالت السلطة التنفيذية تتجاهل السلطة التشريعية في إصدارها للقوانين المؤقتة وفي كثير من القرارات والتصرفات وكأن شيئاً لم يحدث منذ عام 1989 وحتى اليـوم وفي ضوء ما سبق فانه يمكن القول إن النصوص الدستورية الأصلية لدستور 1952 تمثل نصوصاً ديمقراطية، وان جميع التعديلات التي تمت تمثل تراجعاً عن الديمقراطي.

أضف تعليقك