قانون الاحزاب رصاصة رحمة لاحزاب الاردنية

الرابط المختصر

سلمت حكومة معروف البخيت السابقة ملف الأحزاب السياسية الأردنية -الذي يعد من اكثر الملفات جدلا في الساحة السياسية- الى وريثتها حكومة نادر الذهبي

واختلفت الاراء ووجهات النظر حول هذا الملف من حيث مدى مواءمته للمناخ السياسي الحزبي في الاردن وبالاخص في ما يتعلق باشتراط عضوية 500 عضو لكل حزب موزعين على خمس محافظات على الاقل وبنسبة (10%) من المؤسسين لكل محافظة، وكل له تفسيره ورؤيته التي يمكن استخلاصها من واقع الحياة السياسية في الاردن.
 
 
لكن الإختلافات حول هذا القانون لم تكن محض مفارقات أو تباينات طفيفة يمكن التجاوز عنها أو معالجتها بمقترحات سريعة ، إنما هي اختلافات طالت جوهر القانون وبلغت حدود التراشق السياسي والقانوني والفكري المضمر الذي فرض نفسه من خلال اللقاءات المنفصلة التي تم إجراؤها مع وزير التنمية السياسية والشؤون القانونية د.كامل الناصر وعدد من الأمناء العامين للأحزاب التي صوبت أوضاعها بما يتفق واشتراطات القانون ، وعدد آخر ممن لم يتمكنوا من تصويب أوضاع أحزابهم ، حيث تبين أن بنود القانون التي اعتبرها بعضهم  نقاط قوة ، هي بمثابة نقاط ضعف حسب البعض الآخر.
 
امين عام حزب العهد - الذي تم حله- د.خلدون ناصر وصف التقسيمات التي فرضها القانون بوجوب توزع اعضاء الحزب على خمس محافظات بانها وجدت "لغايات ادارية فقط". وأضاف "مع احترامي لجميع الأحزاب التي صوبت أوضاعها إلا أن هذا القانون المخالف للدستور يحول عملها من فكر الى وظيفة" .
 
وعلى النقيض من ذلك، فان هذا القانون "منصف" حسب امين عام حزب الرسالة حازم قشوع الذي استطاع حزبه استقطاب حوالي 1500 عضو خلال المهلة التي حددها القانون، معللا ذلك الإنصاف بقوله "هذا القانون يعترف بالمؤسسة الحزبية لكونه يقدم دعما ماديا ولوجستيا لها، وهو ما لم يتضمنه اي قانون سابق للاحزاب ".
 
الا ان هذا الدعم "الشكلي" كما نعته أمين عام حزب الأرض العربية- الذي تم حله- ووزير التنمية السياسية سابقا د.محمد العوران فانه لا يعدو كونه "مسح جوخ" اضافة الى انه "وجد لطمس المبدأ الاساسي غير المتوفر في هذا القانون وهو اعطاء الحرية التامة للعمل الحزبي وجعل وزارة التنمية السياسية مرجعا لهذا العمل لا مقيدا له".
 
وزير التنمية السياسية والشؤون القانونية د.كمال ناصر عبر عن هذا الدعم برأي مخالف ، حيث رأى بأن "من حق الأحزاب على وزارة تنمية سياسية ان تقدم لها تمويلا يدعمها ويسهم في ترسيخ وجودها من خلال مقراتها واجورها لكونها جزءا من الحياة العامة، لكن يخطئ البعض في الاعتقاد بان تخصيص خمسة ملايين دينار سنويا للاحزاب سيسلب منها ارادتها".
 
لكن هذه الارادة غير موجودة أصلا في ظل هذا القانون ، حسب امين عام جبهة العمل الاسلامي زكي بني رشيد "لأنه يفرغ الأحزاب من مضمونها عن طريق حظر التجمعات دون موافقة رسمية من الجهات المعنية، فما معنى ان يكون هناك احزاب دون السماح لها بالتعبير عن رأيها بحرية؟"  أما البند المتعلق بعدم مساءلة اي مواطن بسبب انتماءاته الحزبية فقد قلل بني ارشيده من جديته بقوله " هذا مجرد كلام فنحن نمتلك قوائم باسماء كثيرة طلب منها الاستقالة من العمل الحزبي دون اي اسباب واضحة".
 
وخلافا لما ذكره بني رشيد فيما يتعلق بجدية هذا البند، فقد اشاد قشوع باهميته واعتبره "سابقة لم تتم الاشارة إليها في سابقاتها من القوانين الحزبية" ليصبح بذلك قانونا نموذجيا كما يراه قشوع باعتبار انه " اشتمل على اربعة بنود تمثل نقلة نوعية في حالة الحراك السياسي الحزبي في الأردن".
 
وسيساهم القانون حسب قشوع بتقيلص عدد الأحزاب الاردنية ويرى  ان قانون الأحزاب الجديد يأتي ضمن رؤية لتهيئة المناخ السياسي وترسيخ النهج الديمقراطي ضمن حالة من التعددية تقود الى توسعة القاعدة الشعبية للمشاركة وصناعة القرار، وإفساح المجال لولادة حزبية طبيعية في مجتمعنا قائمة على أسس مدنية تحفظ وتصون المكتسبات الوطنية وتعزز أسس الانتماء والولاء للوطن والقيادة".
 
غير أن فكرة وجود قانون يختص بعمل الأحزاب لم ترق لخلدون الناصر بقوله "الحياة السياسية ليست لعبة حتى تقيد بقوانين" كما عبر عن خيبة امله في الحكومة التي رأى بأنها"هدمت كل ما عمل الحزب على بنائه خلال الخمس عشرة سنة الماضية لتبديد الخوف الذي يشعر به المواطن عند انخراطه في العمل الحزبي، فلم يعد يثق بعد الان اي شخص بكل تلك القوانين والانظمة".
 
وزير التنمية السياسية  د. كمال ناصر دعا الاحزاب لان تكون "اكثر نضجا في التعامل مع هذا القانون" دون اخفاء رغبته وتوقعه بظهور ائتلافات تؤدي الى خلق تيارات سياسية على مستوى الوطن"على غرار ما فعله الحزب الشيوعي، فهذا امر محمود ويصب في مصلحة الوطن و المواطن".
 
على ان هذا الوطن هو "الخاسر الاكبر من تطبيق هذا القانون" بحسب بني ارشيده الذي علل ذلك بقوله ان القانون "يضعف مؤسسات المجتمع المدني لكونه يسلب منها ارادتها وبالتالي ستضعف مكانة الدولة نتيجة لذلك".
 
لكن دولة مثل الاردن "لا يخفى فيها شيء" حسب د.العوران فانها "لن تتأثر مطلقا بتطبيق القانون، وكل حديث عن انعكاسه على اداء العمل الحزبي لا يعدو كونه لغو ومضيعة للوقت" وللتأكيد على ذلك فقد وصف وضع الاحزاب التي صوبت اوضاعها بانها "محزنة" كما لم يستبعد وجود صفقات مشبوهة في عملية تصويب تلك الاوضاع بقوله "مثلما تم شراء ذمم في الانتخابات النيابية فهذا غير مستبعد على الاحزاب ايضا".
 
وزير التنمية السياسية والشؤون القانونية الذي وجد نفسه منهمكا في ما يمكن تسميته " حرب التفسير " استبعد وصول ظاهرة المال السياسي الى عمل الاحزاب، فهي ليست اكثر من "اشاعات وتداولات بين الصحف" معربا عن ثقته بالمواطن الحزبي لكونه "مواطن مسؤول ومنزه عن مثل هذه الامور".
 
اما فيما يتعلق بالخارطة السياسية الأردنية وامكانية تأثر الاوزان الحزبية في ظل القانون الجديد فقد اكد د.العوران انه "بعد مرور عام على تطبيق هذا القانون سنجد انه لم يكن له لزوم بالاساس فمن الواضح ان السياسيين وحتى النواب لا يريدون ان يكون هناك عمل حزبي فاعل وهو ما قصدوه عند تطبيق مثل هذا القانون" داعيا مجلس النواب إلى ان "يخرج بعمله من رحم العمل الحزبي كما هو متعارف عليه في الدول المتقدمة".
 
على صعيد اخرطالب بني رشيد بتغيير "قانون الصوت الواحد المعمول به في الانتخابات قبل الحديث عن تغير في الاوزان السياسية والحزبية في الاردن" مبديا تخوفه من احداث اي تعديلات على قانون الاحزاب لانه "سيكون تعديلا نحو الأسوأ وليس الافضل" فيما رجح استمرار مثل هذا القانون لان "الحكومة المفروضة على الشعب تسمع من الجهات التي تضغط على الشعب ولا ادل على ذلك من قانون الانتخاب الذي يرفضه غالبية الشعب الاردني ومع ذلك لايزال معمولا به حتى هذه اللحظة".
 
أما د.كمال ناصر فقد كان اكثر هدوءا ودبلوماسية في حكمه على مدى قدرة القانون على الاستمرار بقوله "ليس هناك قانون مقدس، فالمعيار الوحيد الذي يقرر هو التطبيق، لذلك فالقانون قابل للتعديل حسب تطور المجتمع" مؤكدا في الوقت ذاته على ان اي قانون "له ايجابياته وسلبياته، وباعتقادي فان الايجابيات اكثر من السلبيات" داعيا الاطراف السياسية الى رفع شأن الايجابيات في مقابل السلبيات.
و استبعد د. كمال ناصر وجود شبه دستورية في القانون  -كما قالت بعض الأحزاب يقول من وجهة نظر قانونية "يستند البعض في انتقاد القانون الى مخالفته للمادة 16 من الدستور التي تعطي الحق للأردنيين تشكيل الأحزاب ضمن القانون وهذا كلام غير صحيح؛ لان المادة 16 تنص بشكل واضح ان حق التعددية يجب ان ينسجم مع القانون، وقانون الأحزاب اقر من قبل مجلس الأمة ومر في كل مراحلة التشريعية من هنا يكتسب الحصانة بالتالي الحديث عن الشبه الدستورية ير وارده".
 
في ضوء ما تقدم، وفي ظل هذه التباينات الحادة حول قانون الاحزاب الجديد، هل يمكن ان تقوم وزارة التنمية السياسية بعقد حوارات صريحة مع الاحزاب التي صوبت اوضاعها وتلك التي لم تصوب اوضاعها بهدف الوصول الى صيغة توافقية لهذا القانون؟ ام انها ستتمسك به باعتباره قانونا عصريا يلبي احتياجات العمل الحزبي في الاردن بصرف النظر عن الانتقادات التي توجه اليه؟