قانونيون: الغرامة الباهظة تعني السجن لصحفي لا يملك المبلغ

قانونيون: الغرامة الباهظة تعني السجن لصحفي لا يملك المبلغ
الرابط المختصر

التقت الاحتجاجات الإعلامية والشعبية على إقرار المادة 23 من قانون هيئة مكافحة الفساد، وتوحدت الشعارات المناهضة للمادة بوصفها "تقييدا لحرية الإعلام" في تناوله لقضايا الفساد و"مكممة للأفواه ومحصنة للفاسدين"، وذلك في اعتصام للصحفيين يوم الخميس أمام مجلس الأمة وفي المسيرات الشعبية يوم الجمعة في محافظات مختلفة.

وسبق اعتصام الصحفيين إعلان مجلس نقابة الصحفيين استقالته احتجاجا على إقرار مجلس النواب للمادة كما قدمتها الحكومة في المرة الثانية، بعد أن قدمتها للمرة الأولى وفيها عقوبة الحبس أو الغرامة وعادت وسحبتها بعد أن رفضها مجلس النواب وشطبت عقوبة الحبس ورفعت الغرامة إلى 30-60 ألف دينار.

وقد يكون للاحتجاجات الإعلامية والشعبية دور في قرار مجلس الأعيان تأجيل مناقشة المادة 23 إلى الدورة العادية لمجلس الأمة لكسب مزيد من الوقت لمناقشتها قبل التصويت عليها. وهذا ما دفع مجلس نقابة الصحفيين إلى إعلان إلغاء اعتصام الصحفيين أمام مجلس الأعيان، كما يقول نقيب الصحفيين طارق المومني لعين على الإعلام في توضيحه لسبب تغيبه عن الاعتصام الذي أصر صحفيون على تنفيذه.

وفي اليوم التالي التقى الملك عبدالله الثاني مع رئيسي مجلس الأمة بشقيه، النواب والأعيان، حيث عبر عن عدم ارتياحه لإدراج المادة 23 في مشروع القانون المعدل لهيئة مكافحة الفساد وطالب مجلسي الأعيان والنواب عدم إدراجها ضمن قانون هئية مكافحة الفساد، وإيجاد صيغة لوضعها ضمن قانون العقوبات بما يحقق التوازن بين حرية التعبير والعقوبة.

وكانت خطوة الحكومة بإدخال المادة 23 التي تجرم "اغتيال الشخصية" عبر نسب تهمة الفساد، قد جاءت بعد تحذيرات الملك وطلبه من الحكومة "الحد من شائعات الكراهية والتصدي لمحاولات اغتيال الشخصية بادعاء محاربة الفساد".

وقدمت الحكومة المادة 23 في مشروع القانون المعدل لمجلس النواب رغم اعتراضات نقابة الصحفيين عليها مبكرا في لقاءات تشاورية بين النقابة ورئيس الوزراء معروف البخيت لمناقشة تعديلات مشروع قانون المطبوعات والنشر لضم المواقع الالكترونية الإخبارية والمادة 23 في مشروع قانون هيئة مكافحة الفساد.

مخرجات لقاء الملك برئيسي النواب والأعيان يوم الجمعة كانت مصدر تفاؤل لنقيب الصحفيين الأردنيين طارق المومني الذي رأى فيها "رسالة واضحة بأن المادة 23 لن تبقى في قانون هيئة مكافحة الفساد". ويقول لعين على الإعلام: "مرة أخرى ينتصر الملك لحرية الصحافة والإعلام".

"وسيكون هناك لقاءات تشاورية مع مجلسي الأعيان والنواب حول المادة. أما إذا كان هناك إصرار على تمرير هذه المادة فموقفنا واضح وهو عدم قبولنا لأية قيود على حرية الإعلام في تصديه لقضايا الفساد من دون التشهير بالأشخاص. وسيكون هناك إجراءات تصعيدية"، يضيف المومني، داعيا الحكومة إلى سحب المادة والتشاور مع الصحفيين فيها.

ويؤكد النقيب أن "الحكومة لم تلتزم بوعودها بالتشاور مع نقابة الصحفيين فيما يتعلق بالمادة 23 لأنها تعلم أن النقابة لن تقبل أي تقييد لحرية الصحافة أو وضع غرامات مالية مبالغ فيها في التشريعات". وعبر عن استغرابه من إصرار الحكومة على تمرير هذه المادة والضغط على مجلس الأعيان حتى آخر يوم في الدورة الاستثنائية، لتمريرها".

وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال والناطق باسم الحكومة، عبدالله أبورمان، يقول لعين على الإعلام أن "الحكومة التزمت في بما توافقت عليه مع نقابة الصحفيين في لقاءاتها المتعلقة بالحريات العامة وقانون المطبوعات والنشر".

وفي ملف المادة 23 يضيف أبورمان: "نحن الآن أمام أمر واقع فمشروع القانون أمام مجلس الأمة، بين مجلس النواب والأعيان وقد فضت الدورة الاستثنائية وتحول إلى الدورة العادية وهناك متسع واضح من الوقت الكافي للتحرك الفاعل والايجابي من قبل نقابة الصحفيين والجسم الصحفي في الاتجاهات الصحيحة، فالأبواب مفتوحة والمطلوب في هذه المرحلة إدامة الاتصال مع الأعيان والنواب والتعبير عن الرأي والاحتجاج، وهو حق تحترمه الحكومة وتصونه".

قانونيا، يرى المحامي المتخصص في قضايا الإعلام، محمد قطيشات، أن وجود المادة 23 في قانون هيئة مكافحة الفساد "غير شرعي وغير دستوري ومخالف للمعايير الدولية لمكافحة الفساد". ويقول لعين على الإعلام أنه "إذا افترضنا حسن نية مشرعها فإن هذه المادة تسعى إلى حماية حق سمعة وكرامة المتضررين، وهذه ليست من وسائل مكافحة الفساد ابتداء من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي نصت على وجود جسور تعاون مع الإعلام لنشر برامج التوعية بالفساد وكشف وبيان مواطن الفساد".

والأولى، وفقا لقطيشات، أن "تكون المادة المتعلقة بحماية حق سمعة وكرامة المتضررين ضمن قانون العقوبات، وهي كذلك. كما أنها موجودة في قانون المطبوعات والنشر. عند وضع التشريعات يجب أن يلقي المشرع نظره على التشريعات الأخرى، كي لا يكون هناك تكرار في تشريعات أخرى تعالج ذات الحالة".

ويصف المحامي العبارات الواردة في المادة 23 من القانون بأنها "سياسية أكثر منها قانونية". ويبين أن مصطلح "اغتيال الشخصية" لم يعرفه فقه، قانون، أو قضاء، وبالتالي سيخضع للمزاجات والآراء المختلفة بين قاضي وآخر ومدعي عام وآخر، وقد يخضع أيضا لمزاجات الحكومات. فطبع هذه العبارات، الموجودة في أروقة الدوائر يالحكومية، في النصوص القانونية غير شرعي ولا دستوري.

أما مصطلح "دون وجه حق" فليست غريبة عن النصوص القانونية بشكل عام وعلى التشريعات الأردنية بشكل خاص. والمقصود بها "بشكل غير مشروع"، بمعنى عند نسب تهمة فساد تضر بسمعة وكرامة شخص ما يجب توفر عدد من الشروط مثل وقوع الواقعة وأهميتها وملائمة العبارة وغيرها. لكن يمكن تطبيق هذه المادة بشكل تعسفي وإساءة استعمال العبارات الفضفاضة فيها، وهي سيف مسلط على الإعلاميين.

وتشمل عبارة "وسيلة علنية" كل ما ينشر على الانترنت كما على أي وسيلة إعلام أخرى، والصراخ قد يعد وسيلة علنية. لكن لا يمكن مقاضاة النشر على الانترنت، أو مقاضاة موقع إلكتروني، فهو وسيلة لا يمكن مقاضاتها أو محاكمتها. يوجد خطأ قانوني يرتكب عندما يتم تقديم الشكاوى على الموقع الالكتروني نفسه وهو مساحة افتراضية موجودة على شبكة الانترنت، وإذا صدر حكم بإغلاقها كيف سيتم إغلاقها؟ وكيف سيتم إثبات مسؤولية صاحب أو محرر الموقع أو صاحب التعليق أو مدخل البيانات؟

ويرى قطيشات أن "معالجة المشرع الأردني لجرائم القدح والذم معالجة خاطئة بعيدة عن المعايير الدولية، لأن المقصود بالإساءة للأشخاص حسب المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية هي الحملات الإعلامية المنظمة ضد شخص معين، أي أن ينشر صحفي العديد من المواد الإعلامية ضد شخص معين ضمن حملة منظمة، وليس نشر مادة صحفية فيها خبر أو رأي".

ويلفت قطيشات إلى أن "العقوبة والغرامات المالية الواردة في المادة سوف تغني خزينة الدولة، فهي تذهب لخزينة الدولة وليس للمتضررين. ووجود غرامة 30-60 ألف دينار لن يمنع المتضرر من المطالبة بالتعويض الذي قد يصل إلى 50 أو 60 ألف، تضاف إلى غرامة المادة 23، ويتضاعف المبلغ".

وذهاب الغرامات المتأتية من الحكم بعقوبة المادة 23 إلى خزينة الدولة تصفه مقررة اللجنة القانونية في مجلس النواب، النائب وفاء بني مصطفى، في حديثها لعين على الإعلام، بأنها "ضريبة تفرضها الحكومة على الكلام، وليس ردا لحق المتضرر وفقا للمادة القانونية".

ويمكن أن تؤدي المادة 23 إلى حبس الصحفي إذا لم تتوفر لديه قيمة الغرامة. يوضح قطيشات: "يتم تحويلها إلى أيام حبس بنسبة معينة، وقد يبقى في الحبس لغاية سنة، أي أعلى من مدة الحبس التي نصت عليها المادة المقترحة من الحكومة قبل سحبها وتعديلها باستبدال عقوبة الحبس برفع عقوبة الغرامة".

ويرى المحامي أن وجود هذه المادة هو "وصمة عار على التشريعات الأردنية". ويعزو وجودها إلى "عدم وجود سياسية حكومية واضحة وثابتة تجاه الإعلام، وتغيرها بتغير الحكومات، وعدم الثبات يخالف القواعد الأساسية في التشريع التي يجب أن تكون عامة ومستقرة. لذلك يجب التراجع عن المادة 23 لأن من شأنها إرجاع التشريعات في مجال حرية الإعلام إلى ما قبل عشر سنوات".

وتنص المادة (23) من مشروع قانون هيئة مكافحة الفساد على أن "كل من أشاع، أو عزا، أو نسب دون وجه حق إلى أحد الأشخاص، أو ساهم في ذلك، بأي وسيلة علنية كانت، أياً من أفعال الفساد المنصوص عليها في المادة (5) من هذا القانون أدى إلى الإساءة بسمعته، أو المسّ بكرامته، أو اغتيال شخصيته، عوقب بغرامة لا تقل عن ثلاثين ألف دينار ولا تزيد عن ستين ألف دينار".

أضف تعليقك