في وزارة التربية والتعليم .. لا مساحة لأديان أخرى

في وزارة التربية والتعليم .. لا مساحة لأديان أخرى
الرابط المختصر

خلال سنتين نقلت مديرية التربية والتعليم مدير المدرسة أحمد الجعافرة بين أربع مدارس، آخرها كان مدرسة شكري شعشاعة الثانوية المهنية للبنين التي نقل منها إلى مديرية التربية التعليم "كمدير بلا إدارة". 
 

ثلاثة من هذه التنقلات يعتبر الجعافرة أنها مرتبطة "بشكاوٍ كيدية" ضده رفعها لمديرية التربية والتعليم "معلمون ذوو توجه سياسي إسلامي" يعتبرونه "يساريا" و"يختلف معهم". ولأن "للمعلمين الإسلاميين علاقاتهم في وزارة التربية والتعليم"، بحسب الجعافرة، تمكنوا من التأثير في قرار نقله.

في كل مرة تقرر مديرية التربية نقل الجعافرة "نقلا فنيا" دون ذكر الأسباب، و"دون التحقيق في الشكوى أو مناقشتها"، يقول الجعافرة الذي يعتبر مدير التربية والتعليم "متواطئا مع المعلمين المشتكين". ولذلك تقدم الجعافرة لأمين عام وزارة التربية والتعليم للشؤون الإدارية والمالية، الدكتور منذر عصفور، بشكوى إدارية ضد مدير التربية والتعليم، طالبا "بتشكيل لجنة للتحقيق في تواطؤ مدير التربية مع هذه الفئة الضالة المظللة"، يقول الجعافرة الذي يرى أن إقصاءه من إدارة المدرسة سببه أفكاره لا غير.

وزارة التربية والتعليم من جهتها لا تنفي "حقها في عقاب من يخالف الفكر الإسلامي المعتدل كفر تربوي داخل المدرس وكفلسفة تتبناها وزارة التربية والتعليم، سواء كان مسلما أو من غير المسلمين، سواء كان طالبا أو معلما أو مديرا أو مشرفا تربويا"، وفقا لمدير إدارة التعليم العام وشؤون الطلبة في وزارة التربية والتعليم، الدكتور محمد العكور.

ويتفق معه مدير إدارة الموارد البشرية في وزارة التربية والتعليم، الدكتور رافع مساعدة، الذي يبين أن "أسس الدستور الأردني ومبادئ التربية والتعليم تنص على أن دين الدولة هو الإسلام والتاريخ العربي الإسلامي مهم في حياة الأمة ولا يجب أن يخرج المعلم عن هذه الأطر".

ولا مساحة في الوزارة لأديان أخرى، فالثقافة الإسلامية تطبق على الطالب المسيحي أيضا، وفقا لمساعدة. "لا نفرض الدين بل نفرض الثقافة الإسلامية، فالثقافة هي طريقة الحياة، وفي الأردن طريقة الحياة واحدة لدى المواطن المسلم وغير المسلم. غير المسلم يعيش ثقافة المسلمين وغالبية المسيحيين في الأردن يعتزون بهذه الثقافة. أما كدين ومعتقد فهم مخيرين أن يمارسوه في بيوتهم".

الخلاف بين الجعافرة وبين "المعلمين الإسلاميين المنتشرين في المدارس"، بحسب الجعافرة، "يبدأ من طابور الصباح الذي ما زال تقليديا جدا، وبمجرد أن تحاول تغيير بعض المسائل التربوية والتعليمية والثقافية يعتبرون ذلك طارئا علينا وموجهة من الخارج وقد تصل إلى أن يعتبروها تخريبية".

فطابور الصباح، كما يصفه الجعافرة، "تطغى عليه الأدعية الدينية التي ترتبط حتى بالتمارين الرياضية، رغم أن المدرسة تقع في حي غالبية سكانه من المسيحيين الذين اتصل بي بعضهم، وبخاصة أهالي الطلبة منهم، يقولون أن الرياضة للجميع وأنهم ليسوا معتادين على كل هذه النداءات الدينية".

ولا يقتصر المد الإسلامي على المدارس وإنما يمتد للوزارة. "هناك بؤر إسلامية متطرفة أحادية النظرة في وزارة التربية والتعليم ومدارسها عموما"، يقول الدكتور ضرار بني ياسين، كاتب صحفي ومحاضر في قسم الفلسفة بالجامعة الأردنية. لكنه يميز "بين ميول إسلامية لناشطين في الحركة الإسلامية وبين الإسلاميين التقليديين غير المنخرطين في أيديولوجية عقائدية دينية، مثل أهلنا في الشارع والبيت".

التواجد الإسلامي في وزارة التربية والتعليم يعود إلى الخمسينيات والستينيات حيث كانت الحكومة في أوج صدامها مع الحركات اليسارية والشيوعية والقومية، في حين سمحت للحركات الإسلامية بنشاط اعتقدت في حينه أنه لا يتعارض ومصالحها. وبلغ التوافق بين الحكومة والحركة الإسلامية، تحديدا الإخوان المسلمين، ذروته في عام 1976 عندما عين عضو الحركة، اسحق الفرحان، وزيرا للتربية والتعليم.

"الهامش السياسي الذي أتيح للحركة الإسلامية لأكثر من ثلاثة عقود سمح لهم بالتغلغل في أوساط المجتمع. زرعوا في كل مفاصل الوزارة، سواء في الميدان أو في المركز، الكثير من محازبيهم، أو ممن يتفقون معهم في الرؤية"، يقول ياسين.

ويحمل ياسين السياسات المتعاقبة للوزارة مسؤولية جزئية عن "المشكلة التي تعطي فرصة للناشطين في الحركة الإسلامية للتغلغل بشكل أكبر في الوزارة، فهم يعتبرون العمل في التعليم جزءا من رسالتهم".

لكن أخطر قرار اتخذه الوزير الفرحان، وفقا لياسين، كان إلغاء مبحث الفلسفة الذي شمل نظرية المعرفة والفلسفة الإسلامية والمنطق والأخلاق. "ألغي بحجة أنها علوم ملحدة، وكان لهذا مخاطر وتداعيات كثيرة عززت جانب الثقافة الإسلامية على حساب العلوم المعرفية الأخرى، وتحديدا الفلسفية".

ويدعو ياسين وزارة التربية والتعليم "لإعادة النظر في المناهج بحيث تدخل مباحث تحض على حقوق الإنسان، الحريات والديمقراطية، لتقود إلى تغيير اجتماعي بشكل سلس دون الوقوع في صدام مع الآخر".

وتبقى وزارة التربية والتعليم أمام تحدي التمييز بين الدين الإسلامي وبين الثقافة الإسلامية، كما التمييز بين محاولة المعلم إقناع الطالب بتبني فكره الإسلامي وبين إقناعه بالانضمام لتياره أو حزبه السياسي.