في وادي الحدادة...أناس يربون الأوجاع ويعيشون على الهامش

الرابط المختصر

فقراء الحال، لكنهم أغنياء في نفوسهم، يستقبلوك في بيوتهم ويفتحون قلوبهم ويتحدثون عن أوجاعهم؛ وما يعانوه من تعب الحياة وظلمها، ففي منطقة "وادي الحدادة" شرقي العاصمة عمان تجد الفقر بعينه، ومن خلال ساكنيه، سوف تتعرف على واقع فئة من عمان، تعيش النقيض بل وتتعداه إلى الهامش، لكن هل لنا أن نتوقع أن رجالا ونساءً طاعنين في السن يعيشون لوحدهم ويلازمهم المرض والفقر !



محمود أحمد محمد عوض 86 عاما، يجلس على أحد أرصفة الشارع في هذه المنطقة ينظر إلى المشاة، غارقا بألم الفراق وبالشمس الملتهبة التي أحرقت وجهه المسكون بالتعب، تراه يجلس على الرصيف قرب بيته الواقع أصلا على الشارع، لا يقوى على الحراك ذلك بسبب الشلل الذي أردى يده ورجله اليسرى.



يعيش محمود عوض وزوجته في بيت (أو شبه بيت) يحتوي على غرفة نوم تعاني الرطوبة ومطبخ وحمام بالقرب من الشارع، لا يعرف البيت الشمس أبدا، ما عكس على رائحة المكان الممتلئة رطوبة وسكون.



لمحمد عوض خمسة أبناء متزوجين لا يسألون عنه، والزوجة تعاني من التهاب في أحد أعصاب دماغها، كيف يعيشون، من يساعدهم على تفاصيل حياتهم؟



يقول محمود "منذ إصابتي بالجلطة والشلل، لم أعد أقوى على الذهاب إلى التنمية الاجتماعية أو صندوق المعونة، نعيش على مساعدة ابنتنا المتزوجة والجيران".



"لم أكن أعلم أن الزمن سيجعلني هكذا عاطلا ليس عن العمل فحسب إنما عن الحركة، كم هي صعبة الحياة".



ماذا تقول للحكومة أو المسؤولين؟

"ماذا أقول للحكومة، هل تسمعني؛ لا أعتقد ذلك، لكن إذا سمعتني سأقول لها أني رجل يعاني من الجلطة ويريد المساعدة، كذلك زوجتي مريضة".



تذهب من بيت هؤلاء المسنين إلى بيت رجل ضرير وزوجته المريضة، يعيشون على صدقة الجيران، فلا أولاد يسأل عنهم ولا حكومة تأبه بهم، فالضرير سليمان محمد عبد المجيد، ليس بأفضل حال من الحاج عوض، والذي كان يعمل قبل عدة سنوات في البناء، إلا أن مرضا أصاب عينيه وبسبب قلة المال أدى إلى ضرر كبير فيهما ليصبح بعد ذلك، ضريرا عاجزا عن الحركة ملازما فراشه يتحسس أخبار الدنيا عبر زوجته المريضة وابنته، أما زوجته المسنة والتي تعاني من أوجاع كثيرة في أرجلها، فتقول أنها ذهبت إلى اكثر من طبيب كي يساعدوها في التخلص من الألم والعذاب الذي أدمى أرجلها.



بيتهما كحال بيوت وادي الحدادة، تغزوه الرطوبة من كل جهة؛ لا تهوية ولا أثاث، يربون الأوجاع وينتظرون الفرج.



سليمان لديه خمسة أولاد، لا يسألون عنه، يأخذ من التنمية الاجتماعية 75 دينارا، تذهب على الأدوية والعلاجات، تقول زوجته "أعيش على حسنة أصحاب القلوب، لا اقدر أن أتحرك أو أدخل للحمام أو أطبخ، لا أعلم سبب وجع قدماي. ذهبت إلى الصحية عدة مرات ولم يتحسن الحال، ولا أفارق غرفة النوم منذ مدة طويلة، وكما ترون الرطوبة أكلت كل شيء".



أنت أمام مسؤولين الآن ماذا تقولين لهم؟

"ألطف بنا يا رب، أصبحنا نعيش تحت رحمة الناس، آه، ما هذا الزمن الذي نعيشه، أريد مساعدة كي أتخلص من أوجاعي وكذلك زوجي الضرير يا رب، ساعدني".



تنتقل من بيت إلى آخر ولا تفرق الهموم والحكايات، تجدها متشابه، أو متفقة في كثير من التفاصيل، فقر وتعب، وبمصاحبة أحد رجال الحي قادنا إلى بيت قال أن ساكنيه يعانون الكثير، ذهبنا وكانت الطريق المؤدية إلى البيت هي ممر ضيق ودرج معتق برائحة الرطوبة والمياه المنهمرة من أحد مواسير العمارات، ووصلنا حتى استقبلتنا سيدة ثلاثينية تدعى فاديا أبو صبرة أم لثلاثة أطفال، تعيش وزوجها وأولادها في بيت مكون من غرفة واحدة فقط وحمام ومطبخ من الزينكو ملصق بالغرفة بطريقة تظهر أنها بناء فردي فحسب، تشكي من بيتها والذي تفيض المجاري فيه دوما، وتعمل جاهدة إلى سد الثغرات التي تنفذ من خلاله المجاري، يعمل زوجها في البناء؛ يوم يكسب فيه المال القليل وآخر يجلس في البيت، تقول "نٌسّير حياتنا اليومية من خلال الاستدانة من البقالة، أو الجيران، ومن ثم يسد زوجي عندما يأخذ أجرته، أو من خلال تبرعات بعض الناس. أنا حزينة على أطفالي الثلاثة كونهم يتأثرون من رطوبة البيت، ما ذنبهم، أو مثلا حين تفيض المجاري علينا ماذا أقول لهم. هذه مأساة".



هل ذهبت إلى صندوق المعونة الوطنية أو وزارة التنمية الاجتماعية لأجل مساعدتك؟

"نعم، ذهبت إليهم، لكنهم لم يقبلوا طلبي لأني حسب ما قالوا لي أنني لا أحمل إثباتات حول أطفالي ومرض أحدهم، وكذلك عن أوضاعنا المادية. أشكر الله لأن مدرسة إحدى بناتي تبرعت لنا بتعليمها مجانا بعدما جاءوا إلى بيتنا ولامسوا عن قرب تعب حالنا المادي وعدم استطاعتنا على إكمال تعليمها".



زوجها، لم يشأ أن يقابلنا لكنه عاد وتحدث لنا بشيء من الخجل، "جميعنا في وادي الحدادة نعاني الفقر، ولا أستطيع أن أتحدث أكثر دع عينك ترى فقط". هذه العائلة غير قادرة على دفع فواتير المياه والكهرباء والتي تجاوزت تكلفتها إلى"120 دينارا"، مبلغ قد يكون عند الكثيرين قليل جدا، لكن عند هذه العائلة "المبلغ كبير علينا، لا أدري كيف سأجمع المال، لا أدري".



سالم الهواشي 80 عاما، يعيش مع ولده الضرير، ساعدنا كي نصل إلى أكثر العائلات عناءً وعوزا، ولم نكن نعلم أنه "أعيش مع أبني الضرير، وحالتنا كما باقي أهالي المخيم على الله، لا مال كافي لتفاصيل حياتنا اليومية. أعاني من "غباش" في عيني ولم أذهب إلى الطبيب أو المستشفى كونهما أصبحا بحاجة إلى أموال كبيرة، ولا أملك أي قرش، لذلك أن خائف جدا أن اصبح ضريرا".



وقادنا المسن سالم إلى عزيزة الزنجي "إمرأة مسنة"، تعيش مع أبن شقيقها وزوجته، لوحدهما في البيت، تحدثت لنا عن أحوالها، "ذهبت إلى المستشفى كي أتعالج، وتمت لي عملية "القسطرة" في القلب، لكن أوجاعي ازدادت، أعيش على مساعدة صندوق التنمية الوطنية والتي تصل إلى 36 دينارا، أدفعها كل أسبوع على فحص الدم"، عزيزة فوجئت وهي في المستشفى الإسلامي أن الزائدة لديها المنفجرة والتهبت ولم تكن تعلم، "الأوجاع اليومية التي نعيشها لم تعد تشعرنا بأوجاع أجسادنا"، لا تفارق عزيزة سريرها، تنتظر الراحة كما تشير، ولا تدري ماذا تقول سوى "حسبي الله ونعم الوكيل". كم هي المسافة قريبة بين وادي الحدادة وقصر رغدان الملكي العامر‍‍، كم نحن بحاجة إلى مراجعة ذاتنا، هل لنا أن نتخيل أن قليل النقود يساوي لدى هؤلاء الكثير.



وادي الحدادة، لا يختلف عن غيره من المناطق الفقيرة في شرقي العاصمة عمان، المليئة بالقصص والحكايات، فقرا وعذابا، وفي زيارة قصيرة قمنا بها، وغير معدة أو مخطط لها، لامسنا الفقر فعلا. لا ندري ماذا نخبر أكثر، لكن لنحاول أن نشير إلى أنهم ينتظروننا أن نتحرك.

أضف تعليقك