في مواجهة البطالة...أردنيون ينزلقون إلى الفقر بسبب كورونا (انفوجرافيك)
يترقب الأربعيني عادل كغيره من الأردنيين الموجز الصحفي لوزير الدولة لشؤون الإعلام أمجد العضايلة كل ليلة، لمعرفة آخر مستجدات فرض حظر التجول السائد في البلاد، والذي تعطلت بموجبه كافة القطاعات التجارية والصناعية عن العمل.
آمال عادل تتراجع كلما تمدد الحكومة العمل بقرار حظر التجوال لحصر انتشار فيروس كورونا، واستمرار توقف العمل في القطاعات غير الحيوية المصرح لها بالاستمرارية، نتيجة قلقه على وضعه وأسرته، كونه يعمل كمندوب مبيعات للنثريات وألعاب الأطفال، في شركة صغيرة بمدينة عمّان.
توقف عمل عادل مع تسليم آخر طلبية في السابع عشر من آذار الماضي، واستلم مستحقاته المالية عن مدة بلغت أسبوعين كما احتسبها صاحب العمل، ثم أبلغه الأخير بأن الشركة لن تكون قادرة على دفع راتبه خلال مدة التعطل، بسبب توقف العمل، وشمل القرار 5 آخرين من مندوبي المبيعات العاملين في ذات الشركة.
إجراء الشركة يخالف قرار مجلس الوزراء بتعطيل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية لمدة أربعة أسابيع بدءاً من آذار 2020، واعتبارها عطلة رسمية طارئة يتقاضى العامل فيها أجره كاملاً، كما تقضي المادة (59) من قانون العمل الأردني.
شبح البطالة
يدرك عادل أن عمله كمندوب مبيعات مرتبط بالاستمرارية في البيع، وتحقيق رقم معين للمبيعات ليرتفع معه الدخل حتى يتمكن من تأمين حاجيات أسرته، لكنه فعلياً اليوم بلا عمل، وليس لديه أي مصدر لدخل آخر، في حين تحتاج عائلته الكثير من المتطلبات التي أصبح غير قادر على تأمينها، ما يدفعه للتساؤل عن دور الدولة في حماية هؤلاء العاملين وعائلاتهم في الظروف الاستثنائية، أو في حال توقفهم عن العمل قبل بلوغهم سن التقاعد.
لا يختلف حال عادل عن مندوبي مبيعات آخرين، منهم من يعمل بشكل يومي، وبعضهم الآخر ضمن كوادر شركات اختارت وقف التزاماتها نحوهم مع إعلان الحكومة لقرار حظر التجوال، ومنهم أحمد وسفيان وصالح وخالد الذين يعملون كمسوقين لألعاب الأطفال والإكسسوارات والهدايا في شركات تخلت عنهم لعدم قدرتها على دفع رواتبهم وتحسباً لتحملها تكاليف مادية إضافية، بحسب العاملين.
ويخشى هؤلاء مما تخبئه الأيام القادمة، إذ يتملكهم الخوف وعائلاتهم من فقدان العمل، وإن كانوا سيتمكنون من دفع أجرة منازلهم والوفاء بالأقساط، وهو ما يضعهم في صراع مع واقع مجهول محمل بأعباء الأسرة والأبناء وتأمين حياة كريمة لهم.
الخوف من الشكوى
رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن، مازن المعايطة، أكد تلقيهم شكاوى من عاملين في قطاعات متعددة، وغيرهم الكثير من العاملين الذين لم يبلغوا عن انتهاك حقوقهم، أو تقديم شكاوى، لخوفهم من اتخاذ أصحاب العمل إجراءات تعسفية بحقهم كالفصل من العمل، وحرمانهم من العودة لوظائفهم عقب انتهاء الأزمة، مشيراً إلى أن آخرين ليسوا على دراية بآليات تقديم الشكاوى، هذا ما جعل الشكاوى تتخذ شكلا فرديا، والإبلاغ عن الانتهاكات محدود نسبياً.
المعايطة يؤكد أن مندوبي المبيعات جزء من عمال الأردن ويجب الدفاع عن حقوقهم ومتابعة شكواهم، في حال تقدم أي منهم بها للاتحاد، ولا يجوز لأصحاب العمل اتخاذ أي إجراءات تفقدهم حقوقهم، مشيراً إلى أن أمر الدفاع رقم 2 لسنة 2020 أوضح الأمر، وهم لم يبادروا للتعطيل من ذاتهم وإنما التزموا بالأمر الحكومي، موضحاً أن الاتحاد مستعد لاستقبال أي شكوى ومتابعتها وصون حقوق العمال، فليس من حق أي صاحب عمل التعدي على حقوق العاملين وتعريض أمنهم الوظيفي للخطر والتأثير سلباً على أمنهم الاجتماعي، وأصحاب العمل والعمال مطالبون بتكاتف الجهود لعلاج الآثار السلبية التي لحقت بسوق العمل نتيجة الأزمة.
الأمور ذاتها يؤكدها أمين عام وزارة العمل فاروق الحديدي، قائلاً أن أبواب الوزارة مفتوحة لاستقبال الشكاوى وأنها تتابع كل ما يرد إليها بهذا الخصوص ضمن حدود القانون والإجراءات المتبعة، مشدداً على وجوب تحمل أصحاب العمل مسؤولياتهم تجاه العاملين لديهم بحسب القوانين المعمول بها وتنفيذ ما جاء بها لمصلحة الجميع، وما يسري على الموظف العام حالياً يسري على الموظف في القطاع الخاص من حيث الحقوق والامتيازات بموجب القرار الحكومي الذي كان واضحا، ولا يستثني سوى الموظفين الواجب تواجدهم على رأس عملهم في الوزارات والمؤسسات المستثناة بقرار من رئيس الوزراء بناء على تنسيب الوزير المختص.
لكن محمد سلامة صاحب مؤسسة تجارية، يرفض تحميل أصحاب العمل المسؤولية عن تسريح بعض العاملين في المؤسسات التجارية والشركات وخاصة الصغيرة منها، لأن القرار الحكومي بتعطيل المؤسسات العامة والخاصة جاء مفاجئاً ودون سابق إنذار، ما زاد صعوبة الأحوال المالية للشركات، ومنع الكثير منها من تسليم الرواتب، ودفع بالبعض لإخبار العاملين لديهم بوقف العلاقة التعاقدية حتى انتهاء الأزمة.
يشير سلامة إلى أن انقطاع العمل هذه الفترة وإمكانية التعطيل لفترة إضافية ستتسبب بخسارات كبيرة للشركات والاستغناء عن عدد كبير من العمال، لعدم قدرة المؤسسات وأصحابها على تأمين المبالغ المالية اللازمة لاستعادة عجلة العمل، في حين وجهت الحكومة دعمها لكبريات المؤسسات ولم تلتفت للمتوسطة والصغيرة وهو ما يهدد وجودها من الأساس، معتبراً أن الحكومة يجب أن تدعم المستثمرين الأردنيين بغض النظر عن حجم استثمارهم لضمان استمرارية عملهم وتحمل التزاماتهم تجاه العاملين والنهوض مجدداً بعد انتهاء أزمة كورونا.
صغار العاملين الأكثر تضرراً
الكاتب والمحلل الاقتصادي سلامة الدرعاوي يجد بأن آثار أزمة فيروس كورونا ستكون ثقيلة على مختلف اقتصاديات العالم، لكن أثرها سيكون أكبر على الاقتصاديات النامية التي تعاني أساساً من بنية ضعيفة والاعتماد فيها على السلوكيات الاستهلاكية.
وفي الأردن، يرى الدرعاوي أن صغار العاملين وأصحاب الأعمال الصغيرة وغير الدائمة من ضمن القطاعات الأكثر تضرراً، وهم أكثر عرضة للخطر إذا ما نظرنا للآثار المتسارعة للأزمة على حركة الاقتصاد، وقدرة الأفراد على توفير السيولة المالية لتأمين متطلباتهم المعيشية، هذا سيؤدي وفقاً لقوله إلى ارتفاع نسب الفقر، نتيجة لدخول أفراد جدد إلى شريحة العاطلين عن العمل، بسبب عدم تمكن المؤسسات الاقتصادية في القطاعات المختلفة الاستمرار في أعمالها، وعدم توفير الحكومة خطة بديلة للحماية الاقتصادية والاجتماعية للفئات المهمشة والذاهبة نحو الفقر، بفعل الضغوط الاقتصادية وعدم القدرة على سداد التزاماتهم المعيشية، ما سيؤدي لاختلالات اجتماعية ستؤثر سلباً على بنية المجتمع وتهدد ببروز ظواهر لم يعتد عليها، الأمر الذي سيعظم أثر الأزمة على الدولة ككل. وفقاً لتوضيح الدرعاوي.
وترزح نحو 150 ألف أسرة تحت خط الفقر، وتتلقى الدعم الاقتصادي من مؤسسات حكومية أو شبة حكومية على النحو التالي بحسب أرقام دائرة الإحصاءات العامة: 30 ألفا ينتفعون من صندوق الزكاة، و30 ألفا من تكية أم علي، و105 آلاف أسرة من صندوق المعونة الوطنية.
الأضرار الاقتصادية هذه ستخلف تبعات اجتماعية، وفقاً للمتخصص بعلم الاجتماع د.حسين الخزاعي، الذي يؤكد على أن ما بعد كورونا هو الأصعب، فمع تزايد احتمالات دخول فئات جديدة حدود الفقر وربما الفقر المدقع، ستبدأ المرحلة الأخطر اجتماعياً، مع ارتفاع مؤشرات العنف الناجم عن الضغوط الاقتصادية وعجز الكثيرين عن تأمين المتطلبات اليومية لأسرهم، وقد يزداد عدد طالبي المعونة من الدولة، ويترتب على ذلك تضاعف الكلف الاقتصادية للأزمة.
وتظهر نتائج سلسلة استطلاعات المؤشر الأردني الصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية في 2/4/ 2020 بعنوان العمل والعمال والأوضاع المعيشية في ظل الأزمة والحظر، أن (67%) من أصحاب العمل يفكرون بالاستغناء عن خدمات بعض الموظفين والعاملين فيما إذا استمرت الأزمة وإجراءات الحظر والإغلاق لفترة أطول، و(44%) من العمال في القطاع الخاص لم يتسلموا رواتبهم عن شهر آذار و(36%) منهم استدان من الأهل والأصدقاء لتدبير أمورهم المعيشية، وبيّن أن (78%)من العاملين في القطاع الخاص وعمال المياومة تأثروا سلباً نتيجة إجراءات الحظر.
وفي استطلاع سابق للمركز صدر في 30 آذار الماضي أظهرت النتائج أن (80٪) من الأردنيين يعتقدون أن القطاع الخاص (المؤسسات والشركات والمحلات التجارية) تأثر بشكل سلبي كبير نتيجة إجراءات الحظر والإغلاق، وكان (86٪) يتوقعون أن الإجراءات الحكومية المتمثلة بإغلاق معظم مؤسسات القطاع الخاص الصناعية و التجارية و الإنشائية، سوف تؤثر سلبيًا على هذا القطاع و خصوصا عمال المياومة والفئات الفقيرة وذوي الدخل المحدود، كما يجد (64%) من الأردنيين أن الاستمرار في فرض حظر التجول وتعطيل القطاعين العام والخاص سوف يؤدي الى مشاحنات وخلافات أسرية وتبعات نفسية وصحية سلبية للأزمة.
خروج شركات من السوق
يرى الخبير الاقتصادي خالد الزبيدي أن المشكلة ليست في تخلي بعض الشركات من مسؤولياتها تجاه العاملين فيها فحسب، بل باحتمالية خروج الكثير من الشركات من السوق الاقتصادي وتفاقم حدة البطالة وارتفاع معدلات الفقر.
ويرجح تأثر العالم بأسره بتداعيات أزمة كورونا لكن بدرجات متفاوتة، ويؤيد ما ذهب إليه الدرعاوي بالقول أن تضرر اقتصاديات الدول النامية الضعيفة أصلاً سيكون أضعاف تأثر الدول الصناعية الكبرى، هذا ما دفع البنك الدولي إلى تخصيص 12 مليار دولار لمساعدة الدول التي تعاني من تفشي فيروس كورونا، لتخفيف الأضرار الاقتصادية.
ويجد الزبيدي بأن الأردن يستطيع التعامل مع الأزمة بضخ سيولة مالية في الاقتصاد الوطني، دعماً لاستمرار عجلة الاقتصاد والزراعة، مع الاهتمام بالحماية الاجتماعية والاقتصادية للأفراد والمؤسسات تجنبا لزيادة الفقر والبطالة، والدخول في حالة ركود اقتصادي عميق.
ما قاله الزبيدي يتوافق مع ما أعلن عنه البنك المركزي مؤخراً ضمن حزمة إجراءات لمجابهة أثر فيروس كورونا المستجد، وما يشكله من تحديات للاقتصاد الوطني، بهدف احتواء التداعيات السلبية للجائحة على أداء الاقتصاد المحلي، وتتلخص هذه الإجراءات بالسماح للبنوك بإعادة هيكلة قروض الأفراد والشركات خاصة المتوسطة والصغيرة منها والتي تأثرت بتداعيات هذا الفيروس، بالإضافة الى ضخ سيولة إضافية للاقتصاد الوطني بقيمة 550 مليون دينار من خلال تخفيض الاحتياطي النقدي الإلزامي، وتخفيض كلف التمويل وزيادة الآجال للتسهيلات القائمة والمستقبلية للقطاعات الاقتصادية، بما فيها المشاريع المتوسطة والصغيرة من خلال برنامج البنك المركزي لتمويل ودعم القطاعات الاقتصادية، بالإضافة الى دعم إجراءات الشركة الأردنية لضمان القروض بتخفيض عمولات برامج الشركة، ورفع نسبة التغطية التأمينية لبرنامج ضمان المبيعات المحلية.
كما يجب على الحكومة السعي لتأمين قروض ميسرة ومنح من خلال أطراف دولية يمكن عقد اتفاقيات معها بهذا الشأن، وعلى الشركات أن تنسى مرحليا توزيع الأرباح لتمتين رأس المال وتعزيز القدرة على البقاء، وفقاً للزبيدي، معتبراً أن البلاد يجب أن تحفز الإنتاج والصناعات المحلية لتغطية الاحتياجات، وتخفيض الاحتياطي الإلزامي للبنوك لتعزيز سيولتها وقدراتها على إقراض الأفراد، مع تخفيض الفوائد وتمويل أكبر للاستثمار والأفراد ومعدلات الأرباح، وهذا يصب في مصلحة الاقتصاد وتخفيض الفائدة، لينعكس ذلك على المستثمرين والمستهلكين، بالإضافة إلى تخفيض ضريبة المبيعات وتخفيض أسعار المحروقات بشكل حقيقي باعتبارها كلفاً إضافية على المستثمرين والمستهلكين.
وتركز بنود أمر الدفاع رقم 6 لسنة 2020 الذي أعلنته الحكومة في 8 نيسان، على قضايا العمل والعمالة، وأورد نصوصاً عن طبيعة العلاقة التنظيمية بين العامل وصاحب العمل، لكنه لم يوضح آلية تنفيذية.
*بدعم من منظمة صحافيون من أجل حقوق الإنسان JHR