في كلمة الملك ...مرحلة انتقالية تحمل الأمل
ملامحٌ..رسمها الملك عبد الله الثاني لمرحلة مقبلة ستعيشها المملكة ببعديها السياسي والاقتصادي ليؤكد استمرار المسيرة رغم بعض الصعاب التي يمر بها الأردن،
باعثا برسائل تحمل الطمأنينة والأمل للشعب الأردني بشروق شموس الأيام القادمة..وذلك خلال الخطاب الذي ألقاه في العيد الثاني والستين للاستقلال.
الصعاب والآلام والأتراح عاشها الأردن مؤمناً بقدرته على تخطيها..برأي الكاتب والمحلل السياسي سلطان حطاب "أبرز ما جاء في الخطاب هو دعوة المجتمع الأردني لضرورة الاعتماد على الذات في مرحلة انتقالية غاية في الصعوبة، إلا أن جلالة الملك أشاع التفاؤل لدى أوساط العامة مشككاً بالذين شككوا بمسيرة الاقتصاد الأردني ومستنهضاً بهمم الشباب للاستمرار بالمسيرة الوطنية".
ويقول حطاب عن الشأن الخارجي بأن كلمة الملك عبد الله الثاني حملت مؤشرات لإعادة النظر بالموقف الأردني لصالح تمثيل العلاقات الأردنية العربية "الأردن قادر على التكيف مع المراحل المختلفة التي يمر بها وأعتقد أن جلالة الملك قادر على استشراف المرحلة القادة ومن هنا تحدث جلالته عن ضرورة إيجاد حل للقضية الفلسطينية، كما أضاف جلالته أن الأردن لا يمكن أن ينفك في علاقاته عن أمته والمحيط".
من جهته، اعتبر وزير التنمية السياسية الأسبق صبري ربيحات أن الأمن والاستقرار اللين أشار إليهما الملك عبد الله الثاني شكل محوراً أساسياً في الخطاب "ما ذكره جلالة الملك من أن الأردن هو الأول في التعليم في المنطقة، وأن النظام الاقتصادي يسير بخطىً ثابتة، وأن القوى البشرية الأردنية مطلوبة في المنطقة العربية جاء بسبب الأمن والاستقرار الذي تعيشه الأردن".
وأضاف ربيحات بأن تأكيد الملك على تعامل الأردن بحكمة ووعي كافيين بما يتعلق بالسياسة الخارجية مرده إلى تمتع الأردن بمسؤولية دولية عالية تجاه القضايا العالمية "ليس أدل وأوضح من علاقتنا بقوى السلام العالمية حيث تأخذ القوات الأردنية المسلحة لوناً من الألوان الزاهية في المجتمعات الدولية والأمم المتحدة..والأردن ليس لديه أية خصوم على المستوى العالمي والعربي بل على العكس الأردن مازالت واقفة إلى جانب القضية الفلسطينية ومؤمن بخيارات شعبه، كما أن الأردن يؤمن بصوت العقل والوسطية والاعتدال دون تغليب أحد على آخر".
وعن تأكيد المللك عبدا لله الثاني اهتمامه بتعزيز التنمية السياسية من خلال الإشارة لإدراج قانون الاجتماعات العامة على الدورة الاستثنائية النيابية يقول النائب يوسف القرنة "كان جلالة الملك واضحاً في ترسيخ مفاهيم الديمقراطية والحرص على أحد الأدوات الرئيسية في التنمية السياسية والاجتماعية".
الكاتب والمحلل الاقتصادي سلامة الدرعاوي يرى أن الملك عبد الله الثاني أكد في خطابه على استمرارية معالجة الاختلال في الموازنة والاستمرار في عملية الإصلاح الاقتصادي "أشار جلالته إلى مواجهة التحديات الخارجية بعمليات تنموية داخلية تساهم في الحد من تنامي تداعيات هذه المشاكل الاقتصادية من خلال إيجاد شبكة الأمان الاجتماعي والمبادرة الملكية "سكن كريم لعيش كريم".
وكتب المحلل السياسي محمد أبو رمان في قراءة لخطاب الملك عبد الله الثاني أن المشككين بالانجازات الوطنية يقومون ببث روح اليأس والإحباط "فمع إدراك حجم التحديات الكبيرة، إلاّ أنّ استمرار بعض الأصوات في التشكيك بكل الإنجازات والتباكي على الوطن كفيل بنشر روح الإحباط واليأس ويضعف من الروح الوطنية الأردنية الوثابة دوماً في النظر إلى المستقبل وتقديم النموذج المطلوب في قدرة وطن صغير شحيح الإمكانيات المادية ومحاط بظروف تاريخية استثنائية أن يحقق نجاحاً هائلاً ومشهوداً في الاستقرار السياسي والحياة الاقتصادية المقبولة، بل والوصول إلى معدلات متميزة في مستوى التعليم وكفاءة الشباب الأردني ونسب النمو الاقتصادي".
ويضيف أبو رمان هنالك العديد من قادة العمل السياسي ينظرون تلك النظرة السوداوية مؤمنين بعدم جدوى الإصلاح "ما يلمسه الملك في خطابه هو ما نعانيه نحن من تلك "المازوشية"، التي تسكن تيارا من السياسيين والمثقفين لا يرى البلد إلاّ بمنظور أسود متشائم، وأحياناً عدمي، فيبدأ بممارسة جلد الذات، وكأننا أمام نزعة تستمرئ الشعور الدائم بالقهر والاضطهاد! وفي هذا ظلم أي ظلم للوطن ومسيرته وعطائه".
وفيما يلي نص الخطاب الكامل للملك عبد الله الثاني:
"لقاؤنا في هذا اليوم المبارك، وبهذه المناسبة العزيزة على قلوبنا، عيد الاستقلال، هو تعبير عن اعتزازنا بهذا الإنجاز التاريخي الذي قام به الآباء والأجداد، وقدموا في سبيله أكبر التضحيات، الرجال الذين ساروا في ركاب الجد الشهيد المؤسس الملك عبدالله بن الحسين، والملك طلال والحسين الباني من حقهم علينا أن نتذكرهم دائما، وأن نبني على ما بنوا، وأن نواصل مسيرة العمل والعطاء للحفاظ على استقلال هذا الوطن وتعزيزه بمفهومه الشامل".
وقال جلالته "فالاستقلال هو مسيرة من الإنجازات الوطنية التي تعزز مفهوم السيادة الشاملة، وحرية الإرادة، واتخاذ القرار الوطني الحر وللحفاظ على الاستقلال وبهذا المفهوم، لا بد من ترسيخ الاستقلال الاقتصادي، من خلال الاعتماد على الذات".
وأضاف "كلنا نعرف حجم التحديات والظروف التي تحيط بهذا الوطن، وتؤثر بشكل مباشر على أوضاعنا الاقتصادية، وأنا أعرف الواقع الذي يعيشه أبناء وبنات هذا الوطن العزيز، في مختلف مناطقهم، من الشوبك إلى المفرق، ومن المريغة إلى الأزرق، ومن مخيم حطين إلى القويرة وجرش وغيرها الكثير، في الأرياف والبادية والمخيمات التي زرتها، وتلمست احتياجات أهلها وطريقة ومستوى معيشتهم، وهذا هو شغلي الشاغل وهمي الكبير، وبالمقابل أريدكم أن تعرفوا أيها الإخوة، أن مسيرتنا فيها الكثير من الإنجازات، والعديد من الجوانب المشرقة".
وبين جلالته "لذلك، نحن نسير بثقة على الطريق الصحيح، وأنا واثق من قدرة اقتصادنا، وقدرتنا نحن الأردنيين، على مواجهة التحديات، أكثر من أي وقت مضى، وتأكدوا أيها الإخوة أننا نعمل ونواصل الجهود لتلبية طموحاتكم، وتأمين المستقبل الأفضل للأجيال القادمة، ولدينا الكثير مما نعتز ونفتخر فيه من الإنجازات الكبيرة، التي حققناها في السنوات الماضية، وهي مؤشر على أن مسيرتنا سليمة، وأن أداء اقتصادنا الكلي، يمضي قدما نحو الأفضل، فهناك ارتفاع في نسب النمو الحقيقي، والقدرة على إيجاد فرص عمل جديدة، وزيادة إنتاجية الفرد الأردني، وهذه كلها حقائق نفاخر بها وبكم، لأنكم أنتم الذين صنعتموها، وجعلتموها واقعا ملموسا، بإرادتكم وعزيمتكم، ولا نريد أن نلتفت إلى أصوات المشككين بمسيرتنا الاقتصادية، والأردنيون النشامى، وكما كانوا على الدوام، مثال في القدرة على تحقيق الإنجازات العظيمة، وعدم الالتفات للمزايدات والمشككين".
واستطرد قائلا "وفي هذه المناسبة، أدعو الجميع إلى التمسك بالتفاؤل والأمل: وتأكدوا أن المسيرة تتقدم، وسنستمر معا لنجني بإذن الله ثمار ما نزرعه اليوم. وأنا أستمد هذا التفاؤل والأمل والثقة بالمستقبل، من ثقتي بالشباب الأردني، ومن بريق الأمل والتفاؤل، المرسوم على وجوههم، ومن إيماني بعزيمتهم وقدرتهم على مواجهة التحديات وصناعة المستقبل، الذي نريده لوطننا، وللأجيال القادمة".
وأوضح الملك "طموحاتنا من أجل رفعة الأردن أولا وحاضرا ومستقبلا، ستبقى متواصلة بكل عزيمة وإصرار. فمنذ أسابيع قليلة تمكنا والحمد لله، من معالجة جانب كبير من المديونية الخارجية، التي كانت تثقل كاهل اقتصادنا الوطني، وتمكنا أيضا من المباشرة في تنفيذ مشروعنا الوطني الكبير "سكن كريم لعيش كريم"، الذي سيوفر المسكن المناسب، للآلاف من الأسر الأردنية، من ذوي الدخل المحدود، وإلى جانب ذلك، سنستمر بالعمل من أجل تحسين مستوى الخدمات الأساسية للمواطن الأردني، وهي التعليم النوعي والتأمين الصحي الشامل".
وقال جلالته "لقد حرصت منذ أن تشرفت بحمل أمانة المسؤولية، على العمل في الداخل والخارج، من أجل تحقيق طموحات شعبنا، وتحسين ظروفه الاقتصادية، ومواجهة كل التحديات السياسية والاقتصادية، بالعمل والإنجاز، وبالعزم والإرادة: فالأردن اليوم، وبالرغم من محدودية موارده الطبيعية وإمكانياته، هو في طليعة دول المنطقة، في مجالات عديدة، في مقدمتها التعليم، ونسب النمو الاقتصادي، وكفاءات الشباب الأردني، الذي أثبت دائما، أنه متميز على المستويين المحلي والخارجي: وهذه الإنجازات ما كان يمكن تحقيقها، لولا نعمة الأمن والاستقرار، التي ينعم بها الأردن، والتي هي نتاج جهود قواتنا المسلحة والأجهزة الأمنية".
وأضاف "وبهذه المناسبة أتوجه بتحية هاشمية صادقة، مفعمة بالأمل والثقة، لكل النشامى والنشميات، الساهرين على حدود الوطن وأمنه واستقراره".
وقال الملك "التنمية السياسية وضمان الحريات الأساسية للمواطنين ومؤسسات المجتمع المدني، وتعزيز مشاركتهم في اتخاذ القرار، هي حق مكفول في الدستور، وهي متطلب رئيسي، لتحقيق التنمية الشاملة المستدامة: وهذا لا يمكن أن يكون، إلا بوجود بيئة تسودها قيم الحرية والتعددية والتسامح، واحترام الرأي والرأي الآخر، وسيادة القانون وتكافؤ الفرص: وضمن هذا الإطار، فقد وجهت الحكومة، للتعاون مع مجلس الأمة، للعمل على إنجاز حزمة من التشريعات المرتبطة بالتنمية السياسية، وخاصة تلك المتعلقة بحماية حقوق الطفل والمرأة، وتيسير الاجتماعات العامة، وتعزيز دور واستقلالية الجمعيات والهيئات الخيرية".
وأوضح جلالته "وعلى الصعيد السياسي والأوضاع المحيطة بهذا البلد، فنحن والحمدلله، نتعامل مع هذه الأوضاع والمستجدات، بمنتهى الحكمة والوعي، والحفاظ على أمن بلدنا واستقراره، وحماية مسيرته ومنجزاته، وعلاقاته المتوازنة مع دول الجوار والأصدقاء".
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية بين جلالة الملك "وأما بالنسبة للقضية الفلسطينية، فنحن واجبنا وموقفنا التاريخي الثابت، هو مساندة ودعم أشقائنا الفلسطينيين، ولن نتوانى أو نتردد، في القيام بأي دور أو جهد، أو استثمار علاقاتنا مع الدول المؤثرة والمحافل الدولية، لتمكين الأشقاء الفلسطينيين، من الوصول إلى حقوقهم، وإقامة دولتهم المستقلة، على الأرض الفلسطينية: ونحن ملتزمون بهذا الدور، وملتزمون بخيار السلام العادل، وقرارات الشرعية الدولية، ضمن الإجماع العربي، على التسوية السلمية: وسنبقى على قناعتنا، بأننا نحن الهاشميين، نذرنا أنفسنا، لخدمة أمتنا العربية والإسلامية، منذ فجر النبوة، ولن نتخلى عن واجبنا القومي، في الدفاع عن كل قضايانا العادلة".
وفي ختام كلمته قال جلالته "وفي الختام، أتوجه بتحية الاعتزاز والثقة، إلى كل مواطن ومواطنة، على ثرى هذا الوطن الغالي، وأؤكد على تصميمنا وعزمنا على أن يظل الأردن، قويا عزيزا منيعا، وسنبقى بعون الله تعالى، ثابتين على الحق، نؤدي واجبنا تجاه شعبنا الوفي، ونحمي وطننا وندافع عن منجزاته، بهمة النشامى الأردنيين".
وحضر الحفل رئيس وأعضاء مجلس الأعيان ورئيس وأعضاء مجلس النواب، ورئيس المجلس القضائي، ورئيس الديوان الملكي الهاشمي، ومستشارو جلالة الملك، والوزراء، ورئيس هيئة الأركان المشتركة ومدراء المخابرات العامة والدفاع المدني والأمن العام، وأعضاء السلك الدبلوماسي والفعاليات السياسية والاقتصادية والإعلامية".