في المنخفضات الثلجية..الحكومة حريصة على سلامة موظفيها فقط
رئاسة الوزراء أصدرت بلاغات أثناء المنخفض الثلجي نهاية كانون الثاني تتعلق بدوامات العمل، اعتبرها خبراء ومحامون ومهتمون بالشأن العمالي غير واضحة وفيها لبس لجهة شمول القطاع الخاص بها. ومع ذلك فقد اقتصر تدخل النقابات العمالية ومؤسسات المجتمع المدني على إصدار بيانات وتصريحات إعلامية، من دون توجيه أية خطابات رسمية للحكومة بهذا الخصوص.
سلطان ابراهيم موظف في محل صرافة في إربد، التحق بعمله كالمعتاد يوم تعليق الدوام (27 كانون الثاني). ورغم تأخير الدوام للعاشرة صباحا بعد المنخفض الجوي وليومين متتاليين فقد داوم أيضا كالمعتاد منذ الثامنة صباحا. يتساءل ابراهيم عن أسباب استثناء القطاع الخاص من البلاغات الحكومية التي تصدر أثناء المنخفضات الجوية، معتبرا التمييز الحاصل بين موظفي القطاع العام والخاص أمر يستوجب معالجة حقيقية.
موظف آخر يعمل في مستودع بأحد مصانع مدينة الحسن الصناعية في إربد يقول: إدارة المصنع أبلغتني في الساعة الثانية عشر ليل الأربعاء بوجوب إلتحاقي بالدوام كالمعتاد. وداومت بالفعل من الساعة السابعة والنصف صباحا وحتى الرابعة عصرا، حتى لا تتخذ بحقي أي عقوبات.
فني صيانة يعمل في مصنع آخر، فضل عدم ذكر اسمه، خشية تعرضه للفصل، لم يذهب إلى عمله يوم الخميس (27 كانون الثاني) بسبب الثلوج والظروف الجوية السائدة، لكنه تفاجأ عند التحاقه بالعمل يوم السبت بوضع ورقة أمامه من قبل إدارة المصنع تلزمه إما بخصم يوم الخميس من إجازته السنوية، أو من راتبه، فاضطر للتوقيع على خصمه من الإجازة السنوية.
ويقول إن إدارة المصنع ألزمت العاملين بالدوام يومي الأحد والإثنين التاليين من السابعة والنصف وحتى الرابعة عصرا . ورغم مخاوفه الشديدة من احتمال تعرضه لحادث على الطريق، غادر منزله وترك عائلته على مضض، متجها إلى عمله حتى لا ينقطع "رزقه" على حد تعبيره.
العاملين في القطاع العام 350.517 بإستثناء العاملين في الجيش والأجهزة الأمنية والعسكرية.
العاملين في القطاع الخاص 855.958 من دون العاملين في القطاع الزراعي والعاملين لحسابهم الخاص
المصدر: مسوحات الإحصاءات العامة لعام 2019 .
عقب بلاغ رئاسة الوزراء أصدرت وزارة العمل الأردنية توضيحا دعت فيه مؤسسات القطاع الخاص للتعامل مع البلاغ الصادر بما يحافظ على صحة وسلامة العاملين لديها، وذلك حسب طبيعة عمل كل مؤسسة والظروف الجوية السائدة في منطقة العمل ومكان سكن العامل.
ووفق وزارة العمل فإن البلاغات التي تصدر عن رئيس الوزراء بخصوص تعطيل القطاع العام تشمل مؤسسات القطاع الخاص دون ذكرها في هذه البلاغات.
لكن بعد صدور البلاغ الحكومي أصدرت النقابة العامة للعاملين في الخدمات العامة والمهن الحرة بيانا، حول ضرورة شمول العاملين في منشآت القطاع الخاص ببلاغات رئيس الوزراء، بشأن العطلة أو تأخير الدوام بشكل صريح وإلزامي أسوة بالعاملين في مؤسسات الدولة. إلا أن هذا البيان تم تداوله عبر وسائل الإعلام فقط، ولم يقدم بشكل رسمي للحكومة، وفق ما قال رئيسها خالد ابو مرجوب.
وبحسب مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية التابع للمرصد الأردني العمالي ، أحمد عوض، فقد أصدر المركز بيانا حذر فيه من مخاطر دوام العاملين بالقطاع الخاص أثناء المنخفضات الثلجية، لكنه لم يتواصل رسميا مع الحكومة بهذا الخصوص.
وقال إن اكتفاء الحكومة، بمناشدة القطاع الخاص الحفاظ على سلامة العاملين والعاملات أثناء الظروف الجوية الاستثنائية غير كاف. يجب أن تشمل البلاغات التي تصدرها الحكومة عند تعليق الدوام أو تأخيره العاملين في القطاعين العام والخاص بشكل صريح.
ثلوج تميز بين الأردنيين!
يقول أبو مرجوب إن البلاغ الحكومي بخصوص تعليق الدوام وتأخيره، فيه إشارة واضحة أنه ليس موجها للقطاع الخاص وليس ملزما له. وعندما علقت الحكومة الدوام استمر كثير من العاملين في القطاع الخاص في عملهم حتى السادسة مساء. وفي اليوم التالي التحق بعضهم بالعمل رغم تساقط الثلوج.
وتابع: عام 2016 بعدما صدرت بلاغات تأخير الدوام والتعطيل بسبب الانجماد والثلوج توفي عامل توصيل أثناء تأدية عمله. وتوجهنا للحكومة وقتها لحل مشكلة البلاغات ( غير الملزمة للقطاع الخاص)لكن لا حياة لمن تنادي. الخطر باق ويبدو أن أصحاب العمل لهم سطوة كبيرة على مضمون البلاغات، ولا يهمهم صالح الموظف ولا صحته، ما يهمهم أن تسير أعمالهم.
مشيرا إلى أن النقابة تلقت عدة بلاغات وشكاوي بخصوص دوام عاملين في القطاع الخاص أثناء تعليق وتأخير الدوام من قبل الحكومة لكن لم يتم إحصاؤها بالعدد.
مقارنة في غير محلها
رئيس "بيت العمال" حمادة أبو نجمة قال إن الحكومة تجنبت إستخدام كلمة" عطلة" حتى تعطي أصحاب العمل صلاحيات التصرف بالطريقة التي يرونها مناسبة. علما أن القانون يسمح لصاحب العمل بتشغيل العمال في العطلة بشرطين الأول دفع أجر إضافي بنسبة 150% ، والثاني تحمل مسؤولية أية أخطار أو أضرار يمكن أن يتعرض لها العامل أثناء الدوام أو خلال الذهاب للعمل والعودة منه .
وتنص المادة "78" فصل واجبات صاحب العمل من قانون العمل الاردني الفقرة "أ" بانه يتوجب على صاحب العمل ما يلي : 1 ـ توفير الاحتياطات والتدابير اللازمة لحماية العمال من الأخطار والأمراض التي قد تنجم عن العمل وعن الآلات المستعملة فيه .
وتنص المادة 59 من قانون العمل فصل العمل الاضافي وأيام العطل والاعياد الفقرة "أ" يجوز تشغيل العامل بموافقته أكثر من ساعات العمل اليومية او الاسبوعية على ان يتقاضى العامل عن ساعة العمل الإضافية أجرا لا يقل عن 125% من اجره المعتاد.
والفقرة "ب" من نفس المادة "59" تنص على إذا اشتغل العامل في يوم عطلته الأسبوعية أو أيام الأعياد الدينية أو العطل الرسمية يتقاضى لقاء عمله عن ذلك اليوم اجرا اضافيا لا يقل عن 150% من أجره المعتاد .
ولأن الحكومة اقتنعت بوجود خطر بسبب الظروف الجوية الاستثنائية كان الأولى أن يشمل قرارها العاملين في القطاعين جميعا بشكل واضح. وعدم حدوث ذلك هو تقصير من جانب الحكومة.عندما توفر حماية لمجموعة من العاملين وتستثني أخرى فذلك شكل من أشكال التمييز.
منعا للاستغلال
المحامي عبدالجواد النتشة، المتخصص بالقضايا العمالية، قال إن استخدام كلمة "عطلة" في البلاغات الحكومية يعني قانونا أن يحتسب دوام أي عامل في ذلك اليوم كيوم عمل إضافي . ولو نظرنا إلى القرار الأخير لوجدنا أن الحكومة قد استخدمت عبارة "تعليق الدوام. و إستخدام كلمة "تعليق الدوام" غير ملزمة للقطاع الخاص.
وقال: الخطر في الظروف الجوية لا يميز بين موظف قطاع عام أو خاص . وصحيح أن القطاع الخاص يحكمه قانون العمل، لكن الجهة التي تحدد المخاطر وتلزمه بالعطلة هي رئاسة الوزراء بموجب الدستور .
وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة فيصل الشبول أكد أن كل البلاغات التي تصدر عن رئيس الوزراء " منذ تأسيس الدولة وحتى اليوم ،سواء كانت بخصوص العطل الرسمية أو غير الرسمية، تصدر بالصيغة نفسها وعليه فإن القطاع الخاص مشمول ضمنا وليس نصا". وقال:" لكن المجمعات التجارية مثلا، وهي قطاع خاص، تعمل في الأعياد ، وليس لنا أي سلطة كحكومة باجبارها على الإغلاق وهذا الأمر ينطبق على مؤسسات القطاع الخاص كلها.
وختم الشبول "عند صدور بلاغات رئاسة الوزراء بشأن تعليق الدوام وليس التعطيل أثناء المنخفضات الجوية فإن البلاغ يتضمن عبارة "..ما عدا المؤسسات التي تتطلب طبيعة عملها غير ذلك" و القصد أن هناك مؤسسات في القطاع العام غير مشمولة بتعليق الدوام كالمستشفيات وخدمات المياه والكهرباء".