في الانتخابات: تتغير الوجوه والنصيب واحد
لم يبتعد المشهد الانتخابي تماماً في دوائر عمان السبعة عنه في عدد من المحافظات التي أتيحت لنا الفرصة لزيارتها لمتابعة أجواء الدعاية الانتخابية فيها،
فالشعارات واحدة والمظاهر احتفالية بسذاجة والتقسيمات التي تغلب عليها العشائرية ورأس المال متقاربة.
وباستثناء الشونة الجنوبية التي استقبلنا فقرها بحفاوة بالغة، فإن المال ترك بصماته بوضوح على مظاهر الدعاية الانتخابية في محافظات أربد والزرقاء ومادبا، فالصور الكثيرة واليافطات الكبيرة باهظة الثمن بألوان وأشكال جديدة تولت شركات كبرى للإعلان لمرشحين مقتدرين مستغلة توفر المال وندرة الأفعال لكثير منهم لإنعاش سوقها الجديد نسبياً في الأردن.
بعكس الأغوار الذي اكتفى المرشحين فيه بعدد ضئيل من اليافطات والصور العادية وعدد كبير من الشعارات التي كتبت على الجدران واختلطت مع شعارات المرشحين للانتخابات البلدية التي شهدها الأردن تموز الماضي.
ففي المحافظات "الأوفر حظا"ً وصل التنافس بين المرشحين على هذه المظاهر إلى التنقل لمدة يوم كامل بين أكثر من منطقة لاكتشاف وكشف مظاهر إعلانية جديدة لم تعرضه عليه الشركة التي يتعامل معها.
أحد المرشحين في أربد ذهب خصيصاً إلى مدينة الرمثا" يقال أن مظاهر الدعاية الانتخابية فيها غير شكل" والغريب أن اربد لم تكن بعيدة عن مهرجان الصور واليافطات التي لم تعتني كثيراً بالشعارات قياساً بالألوان والنوعية والحجم لليافطة التي تحمله.
فبعيداً عن قائمة الشعارات التي تبدأ بصوتك أمانة وتنتهي به أحيانا فهناك إن لم تكن جزءً من الحل فأنت جزء من المشكلة، وكان أغربها على الإطلاق" لا أملك إلا وردتين ودمعه" لأحد المرشحين الذي أختار أن يظهر بصورة وهو يرتدي لباس رياضي رخيص.
وعمومية الشعارات وكثرتها وكلفة غالبيتها العالية وغرابتها في بعض الأحيان، كانت أمامنا ليس في مادبا المدينة فحسب وإنما في قريتي لب وملح الرائعتين التابعتان لها، وكذلك في الزرقاء بالإضافة إلى أربد والعاصمة حتى أنك تستطيع أن ترى أي شعار في أي مكان متوقع أو غير ذلك ووصل إلى الإشارات الضوئية واللوحات الإرشادية وكان مصدر لتذمر المواطنين هناك.
أما الحديث عن شراء الأصوات أو المال السياسي كما أحبت الحكومة أن تطلق عليه فكان من أهم الأحاديث التي دارت بين مختلف من قابلناهم في مختلف المحافظات من مرشحين وناخبين والكل بطبيعة الحال يرفض هذه الظاهرة ويدينها ويرفضها، والغريب من أين يأتي الحديث عن أنها أصبحت ظاهرة يجب محاربتها إذن؟!
يقول أحد المواطنين في مادبا"لم نشهد مثل هذا الأمر إلا بدءً من انتخابات المجلس الثالث عشر هذه ظاهرة غريبة على مجتمعنا"
وإذا سلمنا بالرفض لهذا السلوك واعتبرناه أمر حقيقي وواقعي، فإن قصصاً رواها لنا ناخبين ومرشحين في مختلف المحافظات عن محاولات عديدة لبيع أو لشراء أصوات، فأحد المرشحين في أربد" حلفت واحد يمين بأن لا ينتخبني إذا أعطيته ما طلبه مني مقابل ذلك -وهو ملابس باعتبار أن المرشح تاجر ملابس معروف- أما أحد الناخبين هناك فلم يتردد بعرض أصوات على مرشح آخر ولدى رفضه للشراء ترك رقم هاتفه لكي يتصل به إذا غير رأيه" على حد تعبيره لأنه متيقن أنه اشترى أصوات فعلاً"
وكذلك الحال في الشونة الذي استغل بعض المرشحين الفقر والبطالة بين أهلها فوصل سوق الأصوات فيها إلى 100 دينار بالإضافة إلى مثلها "للسمسار" الذي يجلب الهويات للمرشح.
وما جمع المحافظات في هذا المجال، محاولة تجاوز رفض شراء وبيع الأصوات شعبياً وقانونياً ورسمياً لجوء العديد من المرشحين إلى الهبات والعطايا للفقراء بدءً من طرود الخير إلى حصائر توزع في الشونة سعر الواحدة لا يتجاوز الثلاثة دنانير، دون الأخذ بعين الاعتبار أن هذا السلوك مجرم قانوناً أيضاً ناهيك عن إنسانياً.
وكل ذلك بحسب الأهالي الذين التقيناهم وبعض المرشحين الذين أنكروا بطبيعة الحال أنهم يمارسون ذلك وربما في حديثهم صدق واضح نتيجة وضوح حالتهم المادية فماذا تملك سيدة من عائلة متوسطة وتعمل معلمة في وزارة التربية غير ال10 آلاف دينار والتي خصصتها لحملتها الانتخابية هي "تحويشة عمرها" ولدى سؤالها عما تنوى فعله إذا خسرت في الانتخابات بعدما قدمت استقالتها من التربية استناداً لشروط الترشيح، أجابت " الرزق على الله"
هذه الصراحة في الحديث عن تكاليف الحملة الانتخابية في مادبا من إحدى المرشحات التي تدير علمها في القطاع الخاص والتي أصرت أن حملتها الانتخابية لم تكلفها إلا رسوم الترشيح وثمن"كمن يافطة لضرورات الإشهار" إلا أن هذا الجواب لم يتفق مع مقرها الانتخابي الكبير والمكون من خيمتين واسعتين وعدد كبير من اليافطات في مادبا ومليح ، وأعادت علينا الشكوى أثناء حديثها من" سيطرة رأس المال في هذه الانتخابات"
وهو ما كررته إحدى المرشحات في أربد التي قالت ضاحكة أنها"عملت جمعية لتصرف على حملتها الانتخابية" واستدركت رصدت 5 آلاف دينار خصصت ألفين منهم مصروفات للنقل يوم الانتخابات" ولا نعرف كيف رصدت هذا المبلغ ومظاهر دعايتها الانتخابية في مختلف أنحاء إربد بيافطات وصور فخمة وضخمة مقارنة مع 10 آلاف لمرشحة الأغوار التي سبق الحديث عنها وللأمانة لم أر أي يافطة لها في الشونة أو ربما واحد أو اثنتين، وهذا ليس التناقض الوحيد!
فالمرشحات اللواتي تحاورنا معهن يغلب عليهم الثقة بالفوز كعامل مشترك وإقبال على الحديث والتعبير عن أنفسهن ولو بإنشائية ملحوظة بعكس المرشحين الرجال الذين لم نوفق في الحديث مع غالبيتهم في مختلف المحافظات بل أن بعضهم أمطرونا بوعود القدوم ولقاءنا ولكن لم نر أي منهم باستثناء أحدهم في أربد.
أما الزرقاء أو المدينة التي تمثل وجه الأردن كما يحب الكثيرين أن يصفوها فلا بد أن تجد أن أصول سكانها تعود لمختلف مدن وقرى المملكة دون إحساس منهم بعدم الانتماء لهذه المدينة التي إن سألت أحدهم من أين أنت يرد ويقول "أنا من الزرقاء" بعكس باقي المحافظات ومن بينها بوضوح عمان العاصمة نفسها التي لا بد أن يكون الجواب من قرية في إحدى المحافظات أو مركز المدينة نفسها، ولا بد للكثيرين من العودة نهاية الأسبوع أو الشهر أو في الأعياد أو المناسبات ومنها الانتخابات بالتأكيد أن يعود لمسقط رأسه ويصوت "لأبن عمه"
فالمرشحون في الزرقاء بحسب اليافطات المنتشرة في المدينة بكثرة هم من الكرك ومعان والبادية والشيشان وأردنيين من أصل فلسطيني وكلهم أبناء الزرقاء ولكن للأسف ما زالت شعاراتهم عامة وبعيدة عن هم أبناءها الأكبر الفقر والبطالة وحالهم كحال المحافظات جميعاً.
هذه الملاحظات ربما تكون عامة وسريعة ولكنها ملموسة ورأيناها على أرض الواقع ورأينا عن قرب أيضاً عدم اهتمام المواطنين بالتأثير الحقيقي للانتخابات ودروها في رسم ملامح السلطة التشريعية التي يجب أن نحافظ على قدسيتها بالمشاركة الفاعلة في اختيار من يمثلنا فيها، لأنه إذا تراخينا في هذا الدور فمن يمنع تردي أداء هذه السلطة أو من يمنع الحكومة مثلاً من الاستخفاف بها، فهي لم تحظى منا بالرعاية الحقة من الأساس، وربما يكون هذا بدأ فعلاً في تجربة المجلس السابق .











































