فقراء عمان وحلم “مدفأة” في ليل الشتاء
هذا التقرير ليس مجاملا أو مُبالغا، إنما واقعيا إلى درجة المرارة في الواقعية، حيث لا تعبر الكلمات عن ما رأته الأعين، ولا من شعور الأبدان من برودة المكان، حيث جال الإنسان هناك وتعرف على من يشبهونه في الإنسانية.
في عمان، حيث المكان، ومنطق الأمور التجوال والتعرف على الأحوال، لكن الحال ليس كما يُقال أو يسمع إنما حكاية عن ما نتوقعه في الواقع.
من عمان، وفي جبل التاج، حيث الطريق المؤدي من وادي صقرة إلى حي المحاسير في جبل التاج، تبدأ الحكاية وأولى قصص الفقر في برنامج ناس وناس.
على مسافة قصيرة بين جبل التاج وشارع اليرموك تقبع منطقة تسمى “حي المحاسرة”، تتراكم فيها بيوت أسمنتية بطريقة عشوائية تتشابه إلى حد كبير بمخيمات اللاجئين الفلسطينيين لكنها ليست مخيماً.
“حي المحاسرة” حي سكني يقطن فيه قرابة الخمسين ألف نسمة، لا يختلف عن باقي أحياء مناطق العاصمة عمان، أما الاختلاف الوحيد يكمن في طبقة ساكنيه الذين ينتمون غالبيتهم إلى طبقة فقيرة، لا تزيد دخولهم عن 300 دينار في حد أقصى.
برنامج “ناس وناس” جال في الحي، طارقاً هواء مداخل بيوتٍ تتراكم فوق بعضها البعض، بعيدة عن أي تنظيم، عشوائية، تأخذ مسار أزقتها أشكال مختلفة في المتاهات.
تلك البيوت وعلى كثرتها لا تملك بعضها أبوابا؛ فصفائح الزينكو فعلت فِعلتها، بدلا من الأبواب، فإما تشكل ألواحا بديلة بتراكم يشي بشبه باب، أو أسقفا فوق السطوح، ما يعطي الشعور لوهلة أنه سقف لكنه ليس كذلك.
ولا يشعر الفقراء في “حي المحاسرة” بتأثيرات ارتفاع أو انخفاض الأسعار على المحروقات، لأنهم لا يملكون ببساطة وسائل التدفئة، ما يدفعهم إلى التحايل على البرد عبر التحافهم بما يملكونه من أغطية، إلى حين أن يهبط الليل ويناموا ليتجاوزا معاناة بردهم بالنوم.
“لا أبالغ إذا قلت أنني لا أملك مدفئة واحدة في البيت، فها هو أمامكم منزلي، تجولوا فيه وتعرّفوا على ما يحتويه من أدوات”، يقول أبو أشرف أحد سكان حي المحاسير وهو يصطحبنا بجولة داخل منزله المعتم.
بيت أبو أشرف يتكون من غرفة نوم وصالة لا نافذة لها ومطبخ كذلك لا تعرفه الشمس وكذلك الحمام، حاول مرارا تجميع مبلغا من المال لترميم المنزل أو القيام بأي خطوة إصلاح، لكنه لم يستطع، مقنعا نفسه بأن المنزل لا يحتاج إلى إصلاح، “ببساطة لا يصلح حتى مكان سكن لزريبة حيوانات” يقول أبو أشرف.
يعيش مع زوجته واثنين من أطفاله، براتب شهري لا يتجاوز 150 ديناراً، تتوزع المصروفات على 30 دينار إيجار المنزل ومصروف أطفاله الرضع المتفرقة وفواتير الكهرباء والمياه وأكل المنزل بتكلفة 120 ديناراً.
يعمل أبو أشرف مراقباً على خط سرفيس، يردد دائما الآية الكريمة “يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً”. مستذكرا تجربة إقدامه على مشروع (سكن كريم لعيش كريم) واضطراره إلى عدم التفكير بهذا المشروع بعد مطالب مالية كاستحقاق لدخوله فيها وهو لا يملك النذير لها.
أم معتصم لديها 3 أطفال، لم تشعل في بيتها صوبة الكاز التي تملكها منذ زمن، في مسعى لتوفير الوقود إلى حين “يشتد البرد كثيرا التحف الحرامات لأقي رضيعتي وأحفظ الدفء”.
فيما تحار أم عبيد 35 عاما من تأمين الدفء في بيتها الذي يتكون من أربعة أطفال أكبرهم لا تتجاوز من العمر 13، فسقف بيتها “السماء”، مضطرة طوال اليوم إبقاء أطفالها في غرفة الصالة يخزنون الدفء من الشمس.
يتقاضى زوج أم عبيد مبلغ 200 دينار، لا تؤمن لهم القوت الشهري، بيتهم لا يقيهم من الشتاء، “لا أحد يرضى بالسكن في بيتنا، لكننا نريد السترة”.
عماد يتقاضى راتب 210 دنانير، يذهب من الراتب مبلغ 90 دينار سدادا لقرض شاحنته الصغيرة التي سرقت قبل عام، و75 دينار إيجارا لدارهم، وباقي المصاريف على بيته المكون من زوجته وطفلاته الثلاث، وتدخل زوجته خلال الحديث وتقول أنها تتصرف بدينارين فقط لسد احتياجات المنزل من مأكل والمشرب، “لا أحد يرضى عيشتنا، أطعم بناتي خبز وشاي يوميا فقط”.
تتكيف أم سند مع واقعها المادي، فهي وزوجها يتدبران مصروفهم اليومي بمبلغ ثمانية دنانير فقط يحصل عليها في عمله سائقا على تنك نضح، لديهم طفل واحد، ويعيشون جميعهم في غرفة واحدة ولها حمام، بإيجار شهري يصل إلى 35 ديناراً.
أم نورس كذلك تعيش وزوجها من براتب شهري يصل إلى 120 دينارا، حيث يعمل مراسلا لإحدى وكالات السيارات الأجنبية في الأردن، ويتكبد مبالغا مالية من أجرة مواصلات وطعام يومي.
قاطنو حي المحاسرة، يخبئون فقرهم في بيوتهم، ولا يبحثون عن سبل دعم غير حكومتهم، فجميعهم لم يوفروا وزارة أو صندوقاً إلا وسعوا لها، لكنها لا تعترف إلا بالقصر والأرامل وأصحاب الاحتياجات غير ذلك فالطلب مرفوض.