فضائية "وطن" تسقط حقها ثمناً لصلح عشائري
رسالة قصيرة ظهرت أسفل شاشة فضائية وطن (WTV)، وصفت بأنها "أساءت لبنات العباد"، دفعت 15 شابا من كبرى عشائر الأردن للاعتداء، فجر السبت، على مقر القناة وتكسير مقتنيات فيه قدر كلفتها صاحب المحطة، النائب السابق الدكتور رائد قاقيش، بـ25 ألف دينار.
في ساعات معدودة ظهرت الرسالة وتكسرت القناة وتمكن الأمن العام من التعرف على المعتدين بعد أن زودهم العاملين في المحطة بأرقام السيارات الخمس التي جاؤوا فيها إلى القناة وبشريط الفيلم المسجل لكل من دخل القناة وبعد أن أخذت البصمات التي عمت المكان. لكن لم يتم القبض على المعتدين بعد.
"التحقيق جاري والفاعلون معروفون لدينا"، "لو قدم قاقيش شكوى لقدمنا جميع الأطراف للمحكمة، لكنه أسقط حقه"، "من قال أننا ألقينا القبض عليهم؟"، "نحن بانتظار ما سيحدث في جلسة الصلح العشائري، تدخلت وجوه من عشيرة الفايز ونتوقع حل الخلاف"، بهذه الجمل أجاب الناطق باسم مديرية الأمن العام، محمد الخطيب، على سؤال: هل ألقيتم القبض على المعتدين؟
لا جواب شاف عما إذا كان قد ألقي القبض على المعتدين أم لا، لكن الواضح الوحيد هو أن الصلح العشائري، إذا ما تم، سيحول دون تحويل المعتدين للقضاء، وبالتالي لن يعاقبوا على فعلتهم، والقانون لن يأخذ مجراه.
الصلح العشائري قد يحمي من قاموا بالاعتداء على محطة وطن، لكنه لن يحمي المحطة من هيئة الإعلام المرئي والمسموع التي أعلنت، في رد فعل سريع في صباح أول يوم داوم رسمي لها بعد الحادث، عن "إحالة المتسببين بمخالفة أحكام قانون الإعلام المرئي والمسموع المؤقت رقم 71 لسنة 2002 والأنظمة والتعليمات الصادرة بمقتضاه إلى الجهة القضائية المختصة، وذلك على خلفية قيام المحطة ببث رسالة قصيرة "إس إم إس" أرسلها مشاهد وانطوت على بعض العبارات المسيئة".
"تعرضنا إلى قرصنة، يقول قاقيش، استطاع أحدهم الدخول إلى جهاز الإس إم إس واختراقه وظهرت بالخطأ رسالة نصية مسيئة على الشاشة. لم تكن مقصودة إنما كانت عبارة عن فيروس اخترق نظام المسجات في الفضائية".
رجال الدرك يحرسون بيت صاحب المحطة قاقيش، ورجال الأمن العام يحرسون مقر المحطة في شارع وصفي التل، والمحطة أوقفت بثها الذي اقتصر على عبارات اعتذار من عشيرة العباد على الرسالة المسيئة. ولا أنباء عن صلح عشائري بعد، رغم "عطوة" عشيرة الفايز واجتماع عشيرة العباد في ديوان المناصير بحضور عدد من النواب والمحامين ومالك فضائية وطن، رائد قاقيش، واتصالات مع وزراء ومسؤولين.
"نطالب بالإفصاح عن مرسل الرسالة القصيرة المسيئة لفتيات العشيرة والتي بثت على تلفزيون وطن، وإعادة الاعتبار معنويا للفنان شادن العبادي، وإغلاق المحطة"، تقول مثايل الحويان وإبراهيم العبادي، والدا شادن العبادي المشارك في المسابقة الغنائية في فضائية وطن، حيث يرسل جمهورها الرسائل القصيرة.
"آل قاقيش سيكونوا بوجه جلالة سيدنا حتى تأتي جاهة من كافة العشائر الأردنية، ويكون على رأسها سمو الأمير غازي بن محمد، وفيها ستطرح مطالب العشيرة"، تقول الحويان ملفتة إلى أن لجنة لإدارة الموضوع شكلت من ممثلين عن عشائر العباد وتضم نواب ومخاتير ووجهاء عشائر ومحامين وزوجها إبراهيم العبادي ويترأسها النائب بسام المناصير.
وفي ظهيرة اليوم الثاني للحادث، تجمهر العشرات من عشيرة العباد أمام وزارة الداخلية للمطالبة بإغلاق فضائية وطن. وفي عصر نفس اليوم، تجمع حوالي 200 شاب من عشيرة العباد قدموا بسياراتهم الخاصة وهاجموا مبنى المحطة مجددا، إلا أن قوات الأمن العام طوقت مبنى الفضائية وتوجه إلى المكان العميد حمدان السرحان مدير إقليم العاصمة وعدد من المسؤولين الأمنيين. وتجمع أمام مبنى المحطة جمهرة من المواطنين الذين أغلقوا شارع وصفي التل لمشاهدة ما يحدث.
حادثة الاعتداء على مؤسسة إعلامية، أو على صحفيين، بسبب بث أو نشر شيء ما، ليست الأولى من نوعها. من أبزر هذه الاعتداءات كان اعتداء نواب على مصورين صحفيين بالضرب تحت قبة البرلمان، واعتداء شبان، مدفوعين من نائب ووزير سابق، على الكاتب جميل النمري. هذا بالإضافة إلى حالات عديدة من تهديد الإعلاميين بالاعتداء أو الضرب، كشف عن بعضها ولم يكشف عن أخرى لخوف الإعلاميين من التبعات.
لكن نائب نقيب الصحافيين الأردنيين، حكمت المومني، وصف الحادثة بأنها "غريبة على المجتمع الأردني" ودانها وشدد على أهمية اللجوء إلى القضاء في حال تعرض أي مواطن للإساءة أو التشهير من قبل مؤسسة إعلامية وليس الاعتداء عليها.
عضو مجلس النقابة وأمين سرها، ماجد توبة، يقر بوجود المشكلة ويؤكد على ضرورة إيجاد حل جذري لها. "مبدأ الاعتداء على أي مؤسسة إعلامية وأخذ الحق باليد مرفوض ومدان ومستنكر من قبل نقابة الصحفيين والمجتمع وكافة الفعاليات، ويجب أن يحاسب المعتدون وفقا للقانون. القضاء هو الملجأ لأي إنسان أو مشاهد تضرر من فضائية ما، والقضاء كفل حقهم".
لكن القضية، وفقا لتوبة، أخذت بعدا آخرا عندما تنازل صاحب هذه الفضائية عن حقوقه. "يبدو لأنه أدرك أن هناك خطأ ارتكب وأراد أن ينهي المشكلة. وهذا يعيدنا إلى ما تمرره بعض وسائل الإعلام من رسائل على الفضائيات، أو تعليقات على مواقع إلكترونية، منتقدة لأنها مسيئة وتدخل في باب المخالفة القانونية أو مواثيق الشرف الصحافية، والتشهير والطعن الشخصي. وهذا بحاجة إلى تنظيم مهني وضبط وإدارة من قبل وسائل الإعلام لكي لا نقع في المحظور، ولكي لا نتيح الفرصة لمعاداة الإعلام وتقييده".
وللقضية شقين، كما يراها مدير مركز حماية وحرية الصحفيين، نضال منصور. الأول الاعتداء على مؤسسة إعلامية، "وهذا خط أحمر لا نقبل تجاوزه وندينه مهما كانت المبررات. لا نعطي ذريعة لأحد ليقوم بتنفيذ القانون بيديه. نحن في دولة سيادة القانون، لا يجوز أن يقرر أحدهم أن هذا مذنب وأن يعاقبه بنفسه".
والشق الثاني ظهور رسالة مسيئة على فضائية، "وهذا غير مقبول أيضا لأن هناك مدونات سلوك ومواثيق شرف تمنع الإساءة للناس. لكن هناك قضاء يستطيع أي متظلم أن يلجأ له وأن يأخذ حقه من خلاله. في نفس الوقت يجب على وسائل الإعلام أن تطور من مدونات سلوك مهني تضمن احترام الناس وتقديم منتج يسهم في تطوير المجتمع"، يقول منصور.
الحادثة، بالنسبة لفهد الخيطان، "سلطت الضوء على حال الفضائيات الأردنية الخاصة التي انطلقت منذ أربع سنوات تقريبا". ويصف في مقالة نشرتها العرب اليوم يوم الاثنين "أزمة وطن" بأنها "ليست إلا واحدة من عناوين أزمة تطال كل مناحي الحياة في بلادنا...". ويتابع: "تتجلى مظاهر هذه الأزمات في الميل المتزايد للعنف والانكفاء نحو الولاءات التقليدية وتنامي مشاعر العداء بين الناس والعجز عن الابداع والسقوط في عالم الجريمة وفقدان الثقة بالقيم الجمعية والحضارية".
"في مثل هذه الظروف يتجه الناس إلى اخذ القانون بأيديهم، الجمهور الغاضب يريد الفوز لفريقه "خاوة" وطالب الوظيفة لا يفكر بغير الوساطة لتحصيل حقه، والسياسي يسعى للمنصب بالتزلف والتقرب... وهكذا تدور العجلة في المجتمع. عندما تتراجع سلطة القانون والمؤسسات ويندثر المشروع الوطني الجامع ونفتقد قيم العدالة والمساواة ينحدر الوعي الاجتماعي الى ادنى درجاته ويدخل الوطن كل الوطن في ازمة تكفي رسالة نصية مسيئة لاشعال حريق اجتماعي وسياسي"، يقول خيطان.











































