... فرجُــلٌ وامــرأتان

... فرجُــلٌ وامــرأتان
الرابط المختصر

تعد "شهادة المرأة"،باعتبارها مساوية لنصف شهادة الرجل، من أقل القضايا ضجيجا من بين قضايا المرأة الشائكة على الساحة الأردنية، رغم كثرة الحديث حولها في عدة دول عربية، ووصول بعضها إلى توجيه اتهامات بالردة عن الإسلام ، وذلك لما لها من تداخلات في الجانب الحقوقي الإنساني والجانب الفقهي الديني.

القضية في القانون:
في القانون الأردني، لا توجد أية مادة من مواده تنص على اعتبار شهادة المرأة تساوي نصف شهادة الرجل،وتطبق المحاكم المدنية القانون الأردني الذي ساوى بين الأردنيين دون تمييز على أساس الجنس، بينما تأخذ المحاكم الشرعية بمبدأ عدم المساواة في الشهادة،مستندة في ذلك على المرجعية الدينية الإسلامية، وتعممه على جميع القضايا المقدمة إليها،باستثناء بعض الحالات التي تقبل فيها شهادة المرأة المنفردة، بل ولا تقبل شهادة الرجل فيها، وهي القضايا التي تخص النساء، كإثبات البكارة والنسب من قبل طبيبة،والشقاق، وغيرها من القضايا.

وتقف المحامية والناشطة في مجال حقوق المرأة (نور الإمام) مستغربة أمام  وضع شهادة المرأة في الأردن، ففي حين أن النص القرآني الذي يتحدث عن "رجل وامرأتان" في الشهادة، هو نص عن مسألة الديـْن، وهي من القضايا التي تتبع المحاكم النظامية "غير الشرعية" ويطبق عليها القانون المدني، إلا أن المحاكم الشرعية تطبق هذا المبدأ في جميع القضايا الأخرى".
 
واعتبرت ذلك "تمييزا ضد المرأة،وانتقاصا من أهليتها"، مرجعة أسباب المسألة إلى "القراءة القاصرة في العالم الإسلامي لبعض النصوص و بعض الاجتهادات الفقهية"،ومشيدة بالتجربة المغربية في هذا الخصوص، حيث عمل المشرّع في الأحوال الشخصية على الرجوع إلى الشريعة الإسلامية بجميع مذاهبها واختيار الأفضل من بينها بما يتناسب وحقوق المرأة.
 
وحول اتفاقية سيداو، التي تهدف إلى إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة،أكدت "الإمام " على عمل الحركة النسائية ونضالها منذ الثمانينات من أجل الوصول إلى المطالب الواردة في الاتفاقية، والتي تمثل الحد الأدنى من مطالبها، وأما التحفظات التي أبدتها الحكومة الأردنية ، فأرجعتها إلى "أسباب سياسية وليس إلى حالة عداء لحقوق المرأة" ، كتحفظ الحكومة على المادة المتعلقة بجنسية الأردنية المتزوجة من أجنبي.
 
ودعا المحامي والناشط في حقوق المرأة عاكف المعايطة إلى إعادة النظر في الآراء الفقهية التي تناولت قضية شهادة المرأة، التي رأى فيها، تمييزا ضد المرأة، رغم "التخوف" الذي أبداه من مخالفة النص القرآني.
 
وأوضح المعايطة عدم استعداد المجتمع الأردني لتقبل رأي كالمساواة في شهادة المرأة، مما قد يعتبر مخالفة لنصوص الشريعة،مشيرا إلى الاعتراضات التي جوبهت بها اتفاقية سيداو من بعض الجماعات الإسلامية.    
 
الدكتور سليمان الصويص الناشط الحقوقي، نفى ، بحدود معلوماته، وجود أي تحرك في الأردن باتجاه تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في الشهادة، فالتحركات القائمة هي بالإطار العام للمساواة.
 
ورغم عدم التعارض،بحسب الصويص، بين الإسلام الذي حقق مواقف متقدمة من المرأة، وبين الاتفاقيات الدولية وحقوق الإنسان،التي وقع عليها الأردن،فإنه يرى ضرورة الحسم وبوضوح بين الطريقين، لأنه "ليس من المنطق أن تعتبر شهادة المرأة مساوية لشهادة الرجل في محكمة ومنقوصة في محكمة أخرى".
 
ويرى الكاتب سلطان الحطاب،في مقال له، أن الإنجازات الكبيرة التي يحققها الأردن في إشراك المرأة ليست كافية، كما أنها لا تنفي وجود تحفظات تعيد مصادرة جوانب من حقوق المرأة والمساواة،والتي لا يجوز أن تظل رهينة ثقافة سائدة لا بد من تجاوزها، بحسب الحطاب.
 
المساواة مخالفة شرعية !
الآراء المنادية بمساواة المرأة والرجل فيما يتعلق بالشهادة، تجابه بمعارضة غالبية الشخصيات المركزية في أكثر الأوساط الدينية في الأردن والدول العربية عموماً، والتي تعتبر أن شهادة امرأتين تعادل شهادة رجل واحد.
 
أستاذ الشريعة أحمد العوايشة، اعتبر أن الحديث عن المساواة المطلقة بين شهادة المرأة والرجل هو مخالفة شرعية، موضحا أن المحاكم الشرعية تأخذ بشهادة المرأة كاملة في معظم القضايا باستثناء القضايا المتعلقة بالحقوق المالية ومن بينها الزواج.
 
وشنت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن،في وقت سابق، حملة انتقادات واسعة على الحكومة، لمصادقتها على اتفاقية سيداو، ولم تعف التحفظات التي اتخذتها الحكومة على الاتفاقية،من انتقادات الجماعة التي رأت،على لسان المراقب العام للجماعة همام سعيد، أن بعض مواد الاتفاقية تمثل "استهتارا بالأحكام الشرعية وإعراضا عن تشريعات الإسلام الذي هو دين الدولة الرسمي"،وقد أصدر مجلس الإفتاء فتوى شرعية تحرم العمل ببعض موادها.
 
رؤية من الخارج:
ووسط هذه الآراء بين مؤيد ومعارض، جاء برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي أوضح بأن وضع المرأة في الأردن هو محل تجاذب بين اتجاهين متعارضين من قوى إسلامية محافظة وجمعيات حقوق المرأة وحقوق الإنسان.
 
ورغم إشارة البرنامج إلى الإصلاحات السياسية المتعلقة بالمرأة، إلا أنه ألقى الضوء على بعض السلبيات، وخصوصا فيما يتعلق بقضايا الأحوال الشخصية، ومسألة شهادة المرأة، التي تعتبرها المحاكم الأردنية نصف شهادة الرجل،كما هو الحال في العديد من الدول العربية.
 
وتشير التقارير،بحسب البرنامج، إلى استمرار التمييز ضد المرأة الأردنية في مختلف مجالات حياتها،ما يخالف الدستور الأردني نفسه الذي يحظر التمييز على أساس الجنس.
 
زوايـــــــــا من القضية :
 
الآية مثار الخلاف:
الآية التي يستند عليها القائلون بأن شهادة المرأة تساوي نصف شهادة الرجل، هي آية في أواخر سورة البقرة والتي تسمى في المصطلح الديني " آية الديـْن"، لأنها تتحدث عن موضوع الديـْن ووجوب تثبيته بين الدائن والمدين، وموضع الاستشهاد فيها :
(واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء، أن تضل إحداهما فتذكـّر إحداهما الأخرى) (البقرة :من الآية 282)
كما يستند البعض أيضا إلى ما ورد من أحاديث نبوية تشير إلى نقصان عقل المرأة ودينها.
 
قراءة مخالفة للسائد :
قدمت الدكتورة زينب عبد المجيد رضوان، عميد كلية دار العلوم جامعة القاهرة،ورقة عمل أثناء مشاركتها في ملتقى المرأة للدراسات والتدريب في اليمن، وقد سبق للدكتورة تقديم اقتراحات بمساواة المرأة والرجل في الشهادة وغيرها من القضايا مما أثار جدلا واسعا في الأوساط الدينية والحكومية.
 
وتناولت الورقة موضوع الشهادة بناء على الآية القرآنية، حيث رأت الدكتورة  أن "الآية تقرر وجوب وجود شاهدين على العقد (ممن ترضون من الشهداء) والرضا يشتمل معنيين: أن يكون الشاهدان مرضيين في الجماعة، والثاني أن يرضى بشهادتهما طرفا التعاقد، وأن يدعى الشهادة الرجال فإن لم يتيسر ذلك فيكون رجلا وامرأتين".
 
وأما سبب تقديم الرجال على النساء، فترجعه الدكتورة رضوان "إلى أن الرجال في ذلك الوقت كانوا هم الذين يزاولون الأعمال التجارية ووثائق الديون وغيرها من سائر المعاملات المالية التي تتم في مجامع الرجال،وقلماً كان يتاح للمرأة أن تشهد هذه المجالس،وعليه تكون قدرة الرجل على الإلمام بكل جزئيات هذا المجال أكبر من المرأة لابتعادها عنها و احتمال ألا تلم إلماما كاملا بكل التفاصيل.
 
وعن جعل شهادة الرجل تساوي شهادة امرأتين تقول رضوان :"لقد أوضح النص السبب في هذا من خلال قوله تعالى : (أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) والضلالة هنا بمعنى النسيان، والضلال ينشأ من أسباب كثيرة كقلة خبرة المرأة بموضوع التعاقد مما يجعلها لا تستوعب كل دقائقه وملابساته، ومن ثم لا يكون من الوضوح في عقلها بحيث تؤدى عنه شهادة دقيقة عند الاقتضاء فتذكرها الأخرى بالتعاون معها على تذكر ملابسات الموضوع.
 
وانتهت الدكتورة رضوان إلى أن "شهادة المرأة هي كشهادة الرجل وليس هناك نص يمنع من ذلك، إلى جانب أن ما جاء في الآية مثار الخلاف كان متعلقا بواقع معين ومحدد،وهذا أمر غير مطلق لأن المصلحة متغيرة بتغير الزمان والمكان والأحوال.