غاز العدو احتلال:الكشف عن تفاصيل خطيرة واستراتيجيات مستقبلية كارثيّة بالغاز والطاقة

كشف منسّق الحملة الوطنية الأردنية لإلغاء اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني غاز العدو احتلال ، الدكتور هشام البستاني، تفاصيل ومعلومات خطيرة تضمّنها تقرير أصدرته مجموعة الأزمات الدولية، التي تعتبر بمثابة مركز دراسات وأبحاث معتمد كجهة موثوقة في تقديم النصح للاتحاد الأوروبي.

وقال البستاني في مؤتمر صحفي عقدته الحملة في مقرّ حزب جبهة العمل الإسلامي، الاثنين، إن التقرير صدر قبل أيام، وعنوانه إعادة التفكير في دبلوماسية الغاز بمنطقة شرق المتوسط، وهو يحتوي كمّا هائلا من المعلومات الاستراتيجية، بعضها نقلا عن مسؤولين ووزراء أردنيين والكيان الصهيوني تجعل من التقرير منجما للمعلومات حول كيفية إدارة شؤون البلاد.

بدوره أكد النائب صالح العرموطي بأنه من الواجب على النقابات المهنية أن تفتح بيتها للقضايا الوطنية، كما عهدناها منذ عقود طويلة، موجها الشكر للقائمين على الحملة الوطنية من أجل اسقاط اتفاقية الغاز مع الاحتلال.

وقال النائب العرموطي في كلمته، إن ما يريده الاحتلال من خلال الاتفاقيات هو تحقيق أهداف السيطرة على معظم الدول العربية، وما يقوم به وزراء حكومة الاحتلال المتطرفة دليل على ذلك.

وكشف بأن رئيس الوزراء آنذاك (خلال توقيع اتفاقية الغاز مع دولة الاحتلال) طلب من بعض الوزراء التوقيع على الاتفاقية، فيما طلب من الذين يرفضون التوقيع مغادرة مناصبهم.

وأكد بأن لا دافع اقتصادي أو تجاري أو مصلحة للأردن من توقيع الاتفاقية التي تشكل خطر على الاقتصاد الأردني وأمنه السياسي والقومي، وهي عصب خطير جدا.

وأضاف بأن السفير الأمريكي آنذاك زار وزير الطاقة، وطلب منه التوقيع على الاتفاقية، حيث طلب منه الوزير ضمان عدم تفجير خط الغاز على غرار ما كان يحدث في مصر حينها، إلا أن ذلك نقل إلى صناع القرار في الحكومة، مما أدى إلى معاقبة وزير الطاقة.

وكشف النائب العرموطي عن تدخل السفارات الأجنبية والضغط على الأردن بهدف توقيع الاتفاقية مع دولة الاحتلال، حيث قام السفير الألماني بزيارة وزير الطاقة وطلب منه التوقيع عليها، مشيرا إلى أن هذه الاتفاقية لم يصادق عليها مجلس الأمة، خلافا للنص الدستوري.

ملخّص تقرير مجموعة الأزمات الدوليّة، رقم 240، 26 نيسان/أبريل 2023، بروكسل، بلجيكا، 40 صفحة.

أصدرت مجموعة الأزمات الدوليّة (International Crisis Group)، وهي إحدى أهمّ مراكز الدراسات والسياسات المعروفة عالميًّا، والمؤثّرة أوروبيًّا، تقريرًا موسّعًا وشاملًا قبل أيّام قليلة، تناول بالتفصيل والدراسة الموثّقة والبحث الواسع ملفّ غاز شرق المتوسّط، والاتفاقيّات المتعلّقة به الموقّعة تحديدًا بين العدو الصهيوني وحكومات كلّ من الأردن ومصر ولبنان، إضافة إلى منتدى غاز شرق المتوسّط وأهدافه ورؤاه المستقبليّة. وبحث التقرير بدايات ومآلات "ديبلوماسيّة الغاز"، وبحث الجوانب الاستراتيجية لموضوع اكتشافات الغاز في منطقتنا، مقدّمًا توصيات وحلولًا تمثّل الرؤية المستقبلية لهذا الملف على مستوى الإقليم.

رغم عدم اتفاق الحملة الوطنيّة الأردنيّة لإسقاط اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني (غاز العدو احتلال) مع العديد من المقاربات والحلول التي يقترحها التقرير، إلا أننا نجد أن كمّ المعلومات الهائل الموجود فيه، والتصريحات المباشرة التي يقتبسها عن مقرّبين من، ومشاركين في، دوائر صنع القرار في الولايات المتّحدة والكيان الصهيوني والأردن، تشكّل مصدرًا هامًّا يشرح ويوضّح ويفضح كل ملابسات هذا الملف والاتفاقيّات التي نتجت عنه، ويؤكّد كل ما ذهبت إليه الحملة طوال السنوات التسع السابقة منذ تأسيسها عام 2014 ولغاية اليوم، والموثّق في دراساتها وأبحاثها ومنشوراتها وبياناتها المدعّمة دومًا بالمصادر والمراجع.

مجموعة الأزمات الدوليّة ليست جهة "مُعارضة"، بل هي، وعلى العكس من ذلك، جهة تسعى إلى "حل النزاعات" وتحقيق "السلام" و"الاندماج" في المنطقة، وتعمل كجهة بحثيّة استشاريّة ناصحة لصانعي السياسات في أوروبا والعالم، قريبة منهم، وتعمل في ظلّهم، وهي بالتالي جزء مطلّع بشكل قريب على مطبخ صنع السياسات في المنطقة، وجزء من المقاربات الأوروبيّة والأميركيّة المعروفة تجاه فلسطين و"الحلّ" المُتعارف عليه بينهم بخصوصها، لذا فإن المعلومات الواردة في هذا التقرير تكتسب أهميّة خاصة لأنها صادرة عن جهة تسعى لتحقيق دمج العدو في بنية المنطقة، وتحقيق "السلام" المزعوم على حساب الحقوق، ورغمًا عن العدالة، ولصالح مشروع الاستعمار الاستيطانيّ الصهيونيّ.

وعليه، ونحن نضع هذه المعلومات الخطيرة في متناول يد الإعلام، وبين يدي مجلس النوّاب، ولعلم جميع المواطنين، فإن الحملة تؤكد على النقاط المركزيّة التالية:

 

 

1-  إن وضع أمن الطاقة والكهرباء والمياه بيد العدو الصهيوني، وتحويل المليارات من أموال دافعي الضرائب الأردنيين لدعم إرهابه ومستوطناته واقتصاده بشكل مباشر، وتعزيز تبعيّة بلادنا أمام الصهاينة، هي جرائم ارتكبت بحق أمن ومستقبل واقتصاد ومواطني بلدنا، وإهدار كامل للحقوق الفلسطينيّة وعدالتها، وانحياز ماديّ، فعليّ، للاستعمار الصهيوني.

 

2-  إن هذه الاتفاقيّات العبثيّة بكل المعاني (اقتصاديًّا وأمنيًا واستراتيجيًّا وحقوقيًّا) يجب أن تُلغى وفورًا، وأن يُقدّم جميع من قام عليها وسهّل أمرها ووقّعها وساهم في تنفيذها واستمرارها إلى المحاسبة والمساءلة والمحاكمة، كائنًا من كان، وفي أيّ  موقع من مواقع صنع القرار.

 

3-  على مجلس النواب، الذي يتخاذل حتى الآن عن القيام بواجباته الموكولة إليه دستوريًّا في الرقابة والتشريع فيما يتعلّق بهذا الملفّ تحديدًا، أن يقوم، وفورًا، بممارسته صلاحيّاته، وإلغاء هذه الاتفاقيات، ومحاسبة المسؤولين عنها.

 

4-  على جميع المؤسسات الشعبية والأهليّة في البلاد، من نقابات مهنيّة، ونقابات عمّالية، وأحزاب، وغرف صناعة وتجارة، وهيئات تمثيل قطاعات الطاقة، خصوصًا المتجددة منها، بالإضافة إلى شركة المدن الصناعيّة، وشركة البترول الوطنيّة، أن تصعّد من عملها، وتضغط بكل ما أوتيت من قوّة لتنفيذ وتسهيل عمل مشاريع الطاقة السيادية محليًّا، من طاقة شمسية، وطاقة رياح، وصخر زيتي، وحقول الغاز الأردنية غير المطوّرة، والانفصال فورًا عن حلول الطاقة المرتبطة بالعدو وحظر الارتباط بها، وإنشاء آليات النقل والتوصيل والتخزين التي تضمن فصل مشاريع الطاقة المحليّة السياديّة عمّا تقوم به وزارة الطاقة الأردنية وشركة فجر الأردنية المصريّة اللتان شبكتا الغاز المستورد من الصهاينة على خط الغاز العربيّ، وحوّلتا الأردن إلى معبر وممرّ لتصدير الغاز المستورد من الصهاينة إلى مصر عبر الخطّ نفسه، وتروّجان اليوم لبيع الغاز الفلسطينيّ المسروق للقطاع الصناعيّ الأردنيّ، ليستكملا بذلك شبكة التبعيّة العميقة التي بناها أصحاب القرار في الأردن في مجالي الطاقة والمياه، لإلحاق بلدنا بالصهاينة، وهو ما تطلق عليه الحملة اسم "مشروع صهينة الأردن"، وتعمل على مواجهته بكلّ طاقتها.

أخيرًا، يكشف التقرير عن الدور الفعّال للمعارضة الشعبيّة الكبيرة والواسعة لاتفاقية الغاز مع العدو، والتي قادتها الحملة طوال سنوات، في منع تحويل "الربط الاقتصادي" الذي تمّ غصبًا عنّا من خلال آليّات "ديبلوماسيّة الغاز"، إلى مكسب سياسيّ، ما يعني أن العمل الدؤوب يثمر نتائج مهمّة. لكن، وفي مواجهة هذه التحوّلات الاستراتيجية والتغيّرات الجذريّة والعضويّة، نحتاج إلى المزيد من العمل الجاد والدؤوب على أوسع نطاق، فهل من مُجيب؟

النقاط الرئيسيّة المركزيّة التي يكشفها التقرير،

والتي لطالما قدّمتها الحملة طوال السنوات التسعة السابقة في دراساتها وأبحاثها ومنشوراتها وبياناتها الموثّقة:

1-  أن اتفاقيّات الغاز التي وقّعها أصحاب القرار في الأردن مع الكيان الصهيوني دافعها سياسيّ وليس اقتصاديّ.

2-  أن الولايات المتحدة الأميركية (وتحديدًا إدارتها الديمقراطيّة، أوباما وبايدن) هي القوة الرئيسية الدافعة خلف "ديبلوماسيّة الغاز"، باعتبارها آلية سياسيّة لـ"تسوية الصراعات"، وتحقيق دمج عضويّ أكبر للكيان الصهيوني في المنطقة.

3-  استخدمت الولايات المتّحدة الأردن كـ"حالة اختبار" (أي "فأر تجارب") -بحسب تعبير دبلوماسي أميركي في التقرير- لسياساتها المتعلّقة بـ"ديبلوماسيّة الغاز" في المنطقة.

4-  أن أصحاب القرار في الأردن، بتوقيعهم اتفاقية لاستيراد الغاز من الصهاينة، مكّنوا الكيان الصهيوني من استثمار حقول الغاز التي يسيطر عليها، وتحويلها إلى حقول مجدية اقتصاديًّا للاستثمار فيها، ومثّلت "شريان الحياة" -بحسب تعبير التقرير- لاستثمار حقل ليفاياثان من قبل الصهاينة، وهي التي مكّنت الكيان الصهيوني من توقيع اتفاقيّتها الثانية لتصدير الغاز إلى مصر، ومن ثم للتسييل والتصدير عبر المنشآت الخاصة المصريّة إلى أوروبا. بدون هذا الدور المحوريّ لأصحاب القرار في الأردن، لم يكن ليتحقّق هذا الأمر للكيان الصهيوني.

5-  أن منتدى غاز شرق المتوسّط تم تأسيسه من قبل الكيان الصهيوني ومصر تحديدًا، ليؤطّر ويمثّل مصالحهما في مجال الغاز، ليضمّ بعدها البلدان المنخرطة فيه الآن ومنها الأردن.

6-  أتاح منتدى غاز شرق المتوسّط للكيان الصهيوني، وللمرة الأولى في تاريخه، أن يتحرّك بشكل مفتوح في المنطقة، وأن يكون ليس عضوًا فاعلًا فقط، بل عضوًا قياديًّا، في منظمة إقليميّة-دوليّة تضم دول المنطقة.

7-  يتم بحث توسيع اهتمامات منتدى غاز شرق المتوسّط لتشمل الطاقة بشكل عام، والاقتصاد، والأمن.

8-  من خلال تصريحاتهم لمعدّي التقرير، فإن وزراء الطاقة في الأردن الذين تولّوا الملفّ خلال توقيع الاتفاقية مع الصهاينة غير مقتنعين بجدواها، بل العكس، يرون أنها خطرة على أمن الأردن، بل إن دبلوماسيًّا أميركيًّا رفيعًا ذو علاقة بالملفّ يرى بأن الأردن -من خلال اتفاقية الغاز- "بات معتمدًا أكثر مما ينبغي على إسرائيل".

9-  يقرّ التقرير بأن أصحاب القرار في الأردن حاولوا التحايل على المواطنين بإظهار أن توقيع الاتفاقية كان مع شركة أميركيّة وليس استيرادًا للغاز من الكيان الصهيوني.

10-                      يعتبر التقرير أن فكرة تحويل "السلام البارد" بين الأردن والكيان الصهيوني إلى "سلام دافئ" عبر اتفاقيات الغاز باءَت بالفشل بسبب الرفض الشعبي الكاسح لها والحملة التي قامت في مواجهتها، ما يستدعي إعادة النظر بأطروحات وآليات عمل "ديبلوماسيّة الغاز".

11-                      فكرة تصدير الغاز من المنطقة إلى أوروبا عبر الأنابيب انتهت و"ماتت" -بحسب تعبير التقرير-، وهي غير مجدية اقتصاديًّا، وغير ممكنة سياسيًّا، ولا تلبّي احتياجات الغاز العاجلة الأوروبيّة الآن، وتتعارض استراتيجيًّا مع خطّة التحوّل الأوروبية طويلة المدى إلى التخلّص من الوقود الأحفوري.

12-                      يدعو التقرير إلى التركيز على تصريف غاز المنطقة داخل المنطقة نفسها بزبائن محليّين، وتحقيق دمج أكبر عبر مشاريع الغاز والطاقة المتجددة المشتركة، ويدعو التقرير الاتحاد الأوروبي إلى استخدام نفوذه السياسي والاقتصادي لتحقيق هذا الهدف.

13-                      كشف التقرير عن مشاريع جديدة لبيع الغاز الذي ينتجه الكيان الصهيوني إلى غزة عبر مشروع أنابيب "غاز لغزة" بتمويل قطري فيما يدفع "مانحون أجانب" للكيان الصهيوني ثمن الغاز، كما كشف التقرير عن مشاريع أخرى تروّج لها السلطة الفلسطينية يقوم من خلالها الكيان الصهيوني وبالشراكة مع مصر باستثمار حقول الغاز المشاطئة لغزة (غزّة مارين) ومبادلتها بالغاز الواقع تحت سيطرة الصهاينة في حقل ليفاياثان المشاطئ لحيفا لتوريده إلى مناطق السلطة الفلسطينية.

 

اقتباسات مباشرة من التقرير، تتضمّن تصريحات وزراء طاقة سابقين في الأردن، وديبلوماسيين أميركيّين وصهاينة، ذوي علاقة بملف توقيع اتفاقيّة الغاز مع الكيان الصهيوني:

آفاق دبلوماسية الغاز تواجه عقبات كبيرة. الوعد الزائف بتوجيه صادرات غاز كبيرة إلى أوروبا كثّف المنافسة، في حين أن دبلوماسية الغاز فشلت في معالجة الأسباب الكامنة خلف الصراعات. ينبغي على حكومات شرق المتوسط التركيز على الأسواق الإقليمية والتعاون الإقليمي.

أطلقت الولايات المتحدة ما وصفتها بـ "دبلوماسية الغاز"، متطلعة إلى استخدام ثروة الطاقة الجديدة في المنطقة لجمع بلدانها المتصارعة على طاولة المفاوضات. ساد اتفاق على دبلوماسية الغاز خلال إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما (2009 – 2017)، وبعد توقف [أثناء رئاسة ترَمْب]، عادت عندما دخل الرئيس جو بايدن البيت الأبيض في عام 2021، رغم أن إدارته تنزع إلى عدم استخدام المصطلح.

قادت الولايات المتحدة "دبلوماسية الغاز" للتوصل إلى اتفاقيات غاز منفصلة بين إسرائيل والأردن، وإسرائيل ومصر، وإسرائيل ولبنان. كما كانت تأمل بأن الأفعال المدفوعة اقتصادياً حول صادرات الغاز يمكن أن تحفز اللاعبين الإقليميين لتحقيق اختراقات نحو تسوية الصراع في مسائل غير ذات صلة بالطاقة.

أسست إسرائيل ومصر، المستفيدتان الرئيسيتان من الاكتشافات الجديدة [في مجال حقول الغاز]، منتدى إقليمي للغاز.

يبدو أن مشروع خط الأنابيب إلى أوروبا توقف بسبب هواجس تجارية وبيئية.

الآمال العريضة التي علقت على اكتشافات الغاز في شرق المتوسط كان مبالغاً بها. ولذلك ينبغي على جميع الجهات الفاعلة أن تركز الآن على هدف أكثر تواضعاً يتمثل في رعاية مقاربة شاملة لاستغلال الموارد لتعزيز الاندماج والاستقرار الإقليميين.

يمكن القول إن اتفاقية إسرائيل مع لبنان – التي ما تزال رسمياً في حالة حرب معها – أكثر أهمية، حيث أدت إلى اتفاقية ترسيم حدود بين البلدين. لكن اتفاقيات الغاز مع مصر والأردن لم تفعل الكثير لبعث الدفء فيما يمكن أن يشخَّص بأنه "سلام بارد".

منتدى غاز شرق المتوسط. المنتدى، الذي أسسته مصر وإسرائيل بدعم من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ضم بمرور الوقت أيضاً جمهورية قبرص، والأردن، والسلطة الفلسطينية، واليونان، وإيطاليا وفرنسا. ويتوقع أعضاء المنتدى بأنه سيشكل منصة للتعاون الاقتصادي ودرجة أكبر من الاندماج الإقليمي.

لقد حان الوقت لإعادة التفكير بدبلوماسية الغاز، بحيث تعكس ثلاثة عناصر رئيسية:

أولًا، تُحتّم الوقائع التجارية أن تبحث دول الاتحاد الأوروبي عن مناطق أخرى لتلبية معظم احتياجاتها من الطاقة على المدى القريب. بالمقابل، فإن الدول الغنية بالغاز في شرق المتوسط، وبدلاً من السعي إلى التصدير إلى أوروبا أو آسيا، يستحسن أن تتحول نحو أسواق يمكن الوصول إليها بسهولة في المنطقة نفسها.

ثانياً، يتعين على منتدى غاز شرق المتوسط أن يهدف إلى توسيع عضويته – وأن يعمل تدريجياً إذا دعت الحاجة على ضم تركيا. بهذه الطريقة فقط يمكن للمنتدى أن يصبح فعلياً قوة للاندماج والاستقرار.

أخيراً، [إن] أي إستراتيجية ناجحة لدبلوماسية الغاز سيتمثل في فهم محدوديتها، وضمان أن تكون مصحوبة بأجندة سياسية لتسوية صراعات المنطقة.

شكلت الاتفاقية [مع الأردن] شريان حياة لإمكانات إسرائيل في مجال تصدير الغاز. حجم حقل ليفياثان جعله مثالياً للتصدير، [إلا] أن الطلب المحلي [الإسرائيلي] وحده ما كان ليجعله استثماراً مربحاً للمنتجين. أكد توقيع الاتفاق طويل الأجل [مع الأردن] ثقة المستثمرين في ليفياثان، الأمر الذي سمح لأولى مراحل الإنتاج أن تبدأ.

وزير طاقة أردني سابق قال: "منح الأردن ... إسرائيل القدرة على جعل غازها تجارياً".

بالنسبة لإسرائيل، فإن الاتفاق مع الأردن شكل انتصاراً كبيراً، على الأقل لأنه جعل حقل ليفياثان منتجاً مربحاً وبذلك مهد الطريق أمام تصدير الغاز إلى مصر. يجري تطوير حقول الغاز على مراحل. في الوقت الذي تم التوصل به إلى اتفاق مع الأردن، كان ليفياثان في مرحلته الأولى. ولطمأنة المستثمرين بأن الحقل يستحق تجهيزه للإنتاج، كانت إسرائيل بحاجة لتأمين مشترٍ ملتزم من حيث المبدأ. وقد وفر الاتفاق مع الأردن ذلك.

مع تمتع الإنتاج من حقل ليفياثان الآن بسوق مضمونة [هي الأردن]، وقعت إسرائيل اتفاقاً مع مصر في عام 2019 بقيمة 15 مليار دولار، تغطي الإمدادات لعشر سنوات. وستعيد مصر تصدير معظم الغاز إلى أسواق خارجية بعد عملية الإسالة في محطات تصديرها الساحلية.

وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز وصف الاتفاق بأنه "محطة تاريخية"، وأنه المثال الأكثر أهمية للتعاون الاقتصادي بين الدول بعد اتفاقية سلام كامب ديفيد لعام 1979 ، وقال إنه سيحدث ثورة في الاقتصاد الإسرائيلي.

وزير طاقة [أردني] سابق قال: "اتفاق الغاز هذا ليس منطقياً. إذا كان لدينا محطة للغاز الطبيعي المسال ونستورد الغاز، فلماذا نكون بحاجة لغاز الأنابيب من إسرائيل؟ الناس ضد أي اتفاق مع إسرائيل بسبب حقوق الإنسان. لكن أيضاً، لماذا تضع نفسك تحت رحمتهم؟ يمكنهم أن يغلقوا الأنبوب [في أي وقت]."

دبلوماسي أميركي رفيع سابق عمل على قضايا الطاقة اتفق مع الرأي القائل إن الأردن بات "معتمداً أكثر مما ينبغي" على إسرائيل.

دبلوماسي أميركي سابق قال إن الأردن كان "حالة اختبار" بالنسبة لواشنطن، التي كانت حريصة على معرفة ما إذا كان بوسعها استخدام دبلوماسية الغاز في الشرق الأوسط.

وزير طاقة أردني سابق قال: "أنا شخصياً لا أعتقد أن الواردات الإسرائيلية تقدم مكسباً كبيراً."

وزير [أردني] سابق، كان عضواً في الحكومة حينذاك، قال: "لا أحد [في الحكومة] يستطيع فعل شيء بشأنه [أي بشأن ملف توقيع اتفاقية الغاز مع إسرائيل]. لا أحد يستطيع الدفاع عنه علناً لأنه لا أحد يستطيع تبني رواية أننا بحاجة لشراء الغاز من إسرائيل. لم يكن الاتفاق يحظى بأي شعبية، وكان من قبيل الانتحار السياسي بالنسبة لأي مسؤول حكومي يدافع عنه علناً على أساس اقتصادي أو على أساس أي مبرر آخر."

في النهاية، دفعت الحكومة بالاتفاق عبر عقد مع نوبل إنيرجي، الشركة الأميركية الشريكة في ليفياثان، وليس عبر ديليك، نظيرتها الإسرائيلية إلا أن هذه الحيلة لم تُهدئ المنتقدين.

دبلوماسي أميركي رفيع سابق قال إن اتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة سيخفف من هذه المشكلة السياسية على الحكومة الأردنية: "بعد الاتفاقيات الإبراهيمية، سترى كثيراً من التعاون العسكري وتبادل المعلومات الاستخبارية. لقد كان الأردنيون مترددين دائماً بشأن التعاون الاقتصادي مع إسرائيل. إنهم لا يبرزون مزايا السلام. لكن مع مشاركة الإماراتيين، بات لديهم تغطية".

وزير طاقة أردني سابق قال: "أراهنك إذا سألت الأردنيين، فإن 80 إلى 90 بالمئة منهم سيقولون إنهم لا يريدون الغاز من إسرائيل."

مع تلاشي الآفاق المستقبلية لمشروع خط الأنابيب [إلى أوروبا]، تتطلع إسرائيل إلى مصر على نحو متزايد لتصدير الغاز الإسرائيلي، [فـ]محطات الغاز الطبيعي المسال في مصر في موقع مثالي لإيصال الغاز الإسرائيلي (والقبرصي) إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية.

تتابع إسرائيل ومصر خططاً لربط إسرائيل مباشرة بمنشآت تسييل الغاز الطبيعي في مصر عبر خط أنابيب يمتد تحت البحر.

بعد اكتشاف حقل ليفياثان، بدأت إسرائيل بالتطلع إلى قطاع غزة كمقصد لغازها وهي تدرس مشروعاً، الغاز لغزة، الذي يتطلب مد خط أنابيب إلى قطاع غزة من عسقلان، على الساحل الجنوبي لإسرائيل. والفكرة هي أن تتوقف قطر عن توفير الوقود السائل المجاني، أو الديزل، لمحطة كهرباء قطاع غزة، الأمر الذي سيعيدها إلى العمل على الغاز. سيشتري الفلسطينيون هذا الغاز من مصادر إسرائيلية، ويدفع فاتورتها مانحون أجانب من خلال السلطة الفلسطينية. يتمتع مشروع ’غاز لغزة‘ بدعم من عدد من الأطراف وتمويل بتمويل قطري ؛ إذ تنظر الدوحة إلى المشروع على أنه وسيلة لفطام محطة توليد الطاقة في غزة عن الديزل الذي تقدمه.

في مطلع عام 2021 ، ظهرت أخبار تفيد بأن مسؤولين فلسطينيين كانوا يتفاوضون مع نظراء إسرائيليين ومصريين للسماح بإنتاج الغاز من حقل غزة مارين ونقله إلى مصر. في المقابل، سيتلقى الفلسطينيون غاز ليفياثان .

بموجب الاتفاق [لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل]، [و]في حين أن لبنان وحده يمكن أن يستغل حقل قانا، من حق إسرائيل أن تتلقى تعويضات من الكونسورتيوم الذي يستغل الحقل من عائدات الغاز عن الجزء من قانا الواقع جنوب الخط 23. العملاق النفطي الفرنسي توتال، وليس لبنان، سيدفع التعويضات المستحقة لإسرائيل.

 

في 22 تشرين الثاني/نوفمبر، وافقت إسرائيل على أن يكون كونسورتيوم الطاقة القطري شريكاً في الكونسورتيوم المحتمل [لاستثمار حقل قانا في لبنان]، رغم غياب العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين إسرائيل وقطر.

على حد تعبير مسؤول إسرائيلي رفيع، فإن الاتفاق [اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان] من شأنه "أن يزيل محرمات [لبنانية]" فيما يتعلق بإسرائيل. عندما وقّع الاتفاق، ادعى رئيس الوزراء حينذاك يائير لابيد أن دخول لبنان في الصفقة شكل اعترافاً بدولة إسرائيل "أمام المجتمع الدولي برمته".

يناقش المنتدى [منتدى غاز شرق المتوسط] خططًا جديدة رئيسية، بما في ذلك ما إذا كان ينبغي أن يستمر في التركيز على احتياطيات الغاز أم يوسع اهتمامه إلى مجالات أخرى، بما في ذلك الطاقة بشكل عام، إضافة إلى قضايا الاقتصاد والأمن. مدير تنفيذي رفيع لشركة طاقة أوروبية قال: "جوابي البسيط المنطلق من الحس السليم على سؤال ما إذا كان المنتدى قد نجح هو نعم. الدول الأخرى تتطلع إلى الانضمام إليه، وليس فقط دول المنطقة بل أيضاً من خارج المنطقة وحتى القوى الكبرى، وليس لمجرد الحديث عن الطاقة".

كانت باريس لا تكاد تخفي رغبتها باستعمال المنتدى كأداة لمقاومة تركيا. في وصفه لمنظور مصر، قال أحد المختصين بالطاقة إن القاهرة رأت المنتدى على أنه "منتدى سياسي لإقصاء تركيا، وإبقاء الدول العربية قريبة، وبناء العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وإغلاق الباب أمام انتقادات الاتحاد الأوروبي لسجل مصر في حقوق الإنسان"

مسؤول إسرائيلي رفيع قال [عن منتدى غاز شرق المتوسط]: "للمرة الأولى، يمكن لإسرائيل أن تلعب بشكل مفتوح في المنطقة، وأن تناقش القضايا الاقتصادية على قدم المساواة، بل كعضو قيادي."

كانت المفاوضات [بخصوص ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل] تراوح في مكانها لنحو عقد من الزمن. فقط عندما فتحت حرب أوكرانيا نافذة فرصة لاستكشاف الغاز قدمت إسرائيل، بشكل خاص، تنازلات مهمة. ومن ثم أنجز الاتفاق خلال أشهر.

الأولوية بالنسبة لأوروبا هي العثور على مصادر كافية من حيث الكمية (وهو ما لا يستطيع شرق المتوسط توفيره)، في الوقت الذي تسرّع فيه الاتجاه نحو نزع الكربون.

مع مطلع عام 2023 ، وبالنظر إلى صمت بروكسل حيال المشروع [مشروع أنبوب تصدير الغاز من إسرائيل إلى أوروبا تحت البحر المتوسط] وسعيها الحريص لتطبيق أجندتها الخضراء، بدا أن خط أنابيب إيست ميد قد دُفع إلى الهامش. علاوة على ذلك، علق خبير غاز إقليمي قائلاً إن خط الأنابيب معقد جداً سياسياً، على الأقل لأن المياه بين قبرص وكريت متنازع عليها. منذ البداية بدا أنصاره مدفوعين بشكل رئيسي بأجندة سياسية، أجندة تجاهلت جدواه التجارية.

فالطلب الأوروبي الذي حلم كثيرون به من غير المرجح أن يصل إلى المستويات المأمولة، ما يعني أنه من غير المرجح أن تكون أوروبا مصدر استثمارات كبيرة في البنية التحتية. ومن غير المحتمل جداً أن تجد كميات كبيرة من غاز شرق المتوسط طريقها إلى أوروبا، بالنظر إلى الطلب الهائل قصير الأجل الذي لا تستطيع إمدادات شرق المتوسط تلبيته وتسارع العملية الانتقالية إلى مصادر الطاقة المتجددة. ومن المرجح أنه سيترتب على منتجي شرق المتوسط أن يعثروا على أسواق أخرى لغازهم. الأفضل أن تكون الأسواق في المنطقة نفسها.

يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يستعمل قدراته الدبلوماسية والمالية للوساطة وتشجيع حدوث اندماج أكثر شمولاً في المنطقة.

على المدى القصير إلى المتوسط، تضع الوقائع التجارية محطات الغاز الطبيعي المسال في مصر، وليس خط أنابيب إيست ميد [الذي يفترض به التصدير إلى أوروبّا] الميّت، على أنها الطريقة الأكثر قابلية للحياة لتصدير غاز المنطقة.

[ينبغي تعزيز] جهود الاندماج الإقليمي المدعومة من الاتحاد الأوروبي والتي تتطلع إلى ما وراء موارد الغاز ونحو الطاقة المتجددة. ينبغي أن يكون الهدف النهائي جعل منتدى غاز شرق المتوسط أكثر شمولاً، وتحويله إلى منصة تساعد في الحد من التوترات الإقليمية بدلاً من مفاقمة الانقسامات.

رغم كل ضجيج العقد الماضي، فإن الواقع هو أن اكتشافات شرق المتوسط 

 

أضف تعليقك