عن إعلانات الولاء والتأييد

الرابط المختصر

أفهم كتابة وجهات نظر والتعبير عن آراء تحمل كل معاني الولاء والتأييد لحديث جلالة الملك، لكنني لا أفهم صفحات الإعلانات مدفوعة الأجر في الصحف وخصوصا من مواقع ومؤسسات حكومية أو شبه حكومية. فماذا يعني أن ينشر مدير مؤسسة عامّة أو متصرف لواء إعلان تأييد وولاء لجلالة الملك، فالمحافظ أو المتصرف بالأصل هو ممثل جلالة الملك والسلطة المركزية في منطقته.

أتخيل ضيفا من خارج البلاد يفتح الجريدة فيراها تطفح بإعلانات الولاء والتأييد الملونة وباسم مؤسسات وشركات ومسؤولين، فماذا يفهم؟ الانطباع هو نفسه الذي سيتولد عند الأردني حين يذهب الى بلد آخر فيرى الظاهرة نفسها! إنه قطعا ليس بالانطباع الإيجابي عن البلد ولا نظامه السياسي.


الأردن اتسم دائما بالاعتدال، فلم نر أبدا تماثيل القائد ومنحوتاته وصوره في كل زاوية على غرار بعض البلدان الشقيقة، لكن في زمننا الحاضر فحتى إعلانات التأييد في الصحف هي ممارسة غابرة غير جديرة بمجتمع ولا قيادة حديثة، كما هي قيادة جلالة الملك عبدلله الثاني، وهي لا تقدم خدمة للملك أو النظام، وهي آخر وسيلة مجدية.


أمس أعطى جلالة الملك نموذجا رائعا حين داخل شخصيا باسمه كأحد المعلقين داخل الفضاء الإلكتروني الذي أصبح واحدا من أحدث أساليب التواصل والتعبير يستخدمه الشباب على نطاق واسع أكان عبر مواقع الصحف على الانترنت أو المدونات أو المواقع الإخبارية الإلكترونية.

وقد شجع الملك الشباب على التعبير الحرّ وبأسمائهم الحقيقية، وقال إنه يعترض فقط على الاتهامات التي يعوزها الدليل. وشكّلت المداخلة درسا لمن يستخدمون الفضاء الإلكتروني بطريقة خاطئة ومتخلفة تعكس ضعفا وفشلا مثل استخدام المساحة المتاحة لتنفيس الاحقاد وإهانة الآخرين بأسماء وهمية.


ومع الأسف فإن النسبة الكبرى من التعليقات على الإنترنت تعكس ثقافة وسيكولوجيا وسويّة متدنية، بينما هي تتيح مجالا لا حدود له للمساجلة الحرّة بالقناعات والأفكار. ونستدرك للتوضيح أن هذا الاستخدام للأسماء المستعارة لا يتعلق بتعليقات جريئة ضد السلطات مثلا فهي تعكس إحباطا وعجزا وسلبية ومشاعر سيئة تجاه الآخرين.


إن واحدة من مفارقات المرحلة الراهنة تجاور ظواهر الحداثة مع ظواهر التخلف كما لم يحدث من قبل، وفي زمن ما كان الوسط الاجتماعي الاردني متقاربا بالإجمال كبيئة ثقافية وسلوك اجتماعي مع بعض التمايز المفهوم والمنطقي بين الوسط المديني والقروي والبدوي، لكن بيئات يفصلها تباين فلكي تتجاور في المجتمع الآن، وداخل المدينة والحي.


في العمل العام؛ ثمّة فصام غريب، نتكلم لغة عصرية لغة المواطنة الحديثة والديمقراطية والمجتمع المدني ودولة القانون والمؤسسات، وفي مستوى آخر نعود دون رمشة جفن الى لغة بائدة بمفرداتها ومضامينها.


والآن نعيش عصر تكنولوجيا المعلومات واقتصاد المعرفة والإدارات عالية الاحتراف، وندخل السباق بأجيال من الاقتصاديين والمهنيين على قدر ملفت من الجدارة والانفتاح على العالم ثقافيا ومعرفيا، فيما نستمر بالتعايش مع ظواهر ترتد بنا الى ظلامية وتخلف وانغلاق لا عهد لنا بها.

*نقلا عن الغد الاردنية