عنف الجامعات:الخلفيات عشائرية والحلول المقترحة أمنية

الرابط المختصر

بعد عشرات الدراسات الأكاديمية والتقارير والمقالات الصحفية حول «ظاهرة العنف في الجامعات الأردنية»، رفع مجلس التعليم العالي أخيرا مشروع «النظام العام لتأديب الطلبة»لمجلس رئاسة الوزراء لإقرارهويتيح المشروع لرئيس الجامعة «الاستعانة بالأجهزة المختصة، والسماح لهم بدخول حرم المؤسسة لوقف العنف والقبض على الفاعلين أو المشاركين أو المتسببين فيه أو المحرضين عليه،» وذلك بعد أن استبدل المجلس مصطلح «رجال الشرطة» بـ«الأجهزة المختصة».

مجلس التعليم العالي، كما يقول عضو المجلس ورئيس جامعة مؤتة سليمان عربيات، قدّم مشروع النظام لأسباب أهمها «تصاعد عمليات العنف، عدم متابعة بعض الجامعات لها ومعالجتها بأسلوب يعالج هذا العنف. وأنظمة تأديب الطلبة في الجامعات فيها ثغرات تسمح بحدوث العنف».
 
وهو يرى أن موضوع العنف يجب أن ينظر إليه على مستوى كل الجامعات، فهو ينتقل من جامعة إلى أخرى، وقد يشترك فيه أشخاص من خارج الجامعة، وهو ما استدعى الاستعانة بالأجهزة المعنية، كل بحسب اختصاصه في حالة العنف. «صحيح أن للجامعة حرماً لكن في حالة العنف فإن سلطة الجامعة أخلاقية، والأمن الخاص بها لا يمتلك وسائل لمكافحة العنف،» يقول عربيات.
 
د. عدنان بدران، رئيس لجنة السياسات لتطوير وتحديث التعليم في مجلس الأعيان، يعارض دخول الأمن إلى الحرم الجامعي. «إذا مرر هذا النظام فإننا مقبلون على مزيد من العنف؛ دخول قوات الأمن إلى حرم الجامعة يؤجج ردة فعل الطلاب وقد يعلو الشغب ويستفحل كما حدث مرة في الماضي». في إشارة الى أحداث جامعة اليرموك 1986 حين كان رئيسا للجامعة.
 
د. بدران الذي عمل في السابق رئيسا لأكثر من جامعة رسمية وخاصة يؤكد أن المشاجرات التي تحدث ليست أيديولوجية، ولا تستند إلى مذهبية أو طائفية، ولكنها شبه قبلية، هي مشاجرات فزعة وفورة دم. «يجب أن ندرس هذه المشاجرات، كيف تنمو، ما أسسها، كيف نعالجها، كل ذلك يكون من خلال الجامعة» يقول بدران.
 
الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة «ذبحتونا»، ترفض مشروع النظام العام لتأديب الطلبة، وتطالب بضرورة أن يشمل تعريفا واضحا لمعنى كلمة «العنف الجامعي» وتمييزها عن النشاطات والفعاليات التي تقوم بها الحركــات الطلابية من توزيع لبيانات أوتنظيم لاعتصامات أو مسيرات بهدف تحقيق مطالبــات حقوقيــة وأكاديمية.
 
البعض تخوف وحذر من خطورة الظاهرة، وآخرون شككوا في حقيقة حجمها، خصوصا في ظل غياب إحصاءات حول عدد المشاجرات أو حالات العنف، إلى أن أعلن مدير إقليم أمن العاصمة، فهد الكساسبة، عن حدوث 767 مشاجرة وشغب خلال الـ12 سنة الأخيرة (1995 - 2007) داخل حرم الجامعات الأردنية، كان منها 17 مشاجرة خلال عام 2007 و82 مشاجرة خلال 2006 و41 في 2005 و102 في 1999. وكشفت الأرقام عن أن معدل المشاجرات الجامعية في الأردن بلغ نحو 64 مشاجرة في العام، أي أن هنالك مشاجرة على الأقل كل أسبوع، أو ستة أيام، وهو معدل كبير نسبياً في بلد صغير مثل الأردن.
 
يلاحظ منسق حملة «ذبحتونا» د. فاخر دعاس، أن أنظمة مواجهة العنف في الجامعات لا تطبق عند إثارة النعرات الإقليمية والعشائرية، وإنما تطبق على الطلاب الذين يمارسون النشاط السياسي، وأن «هذه الأنظمة كثيرا ما لا تطبق على الطلاب المتورطين في مشاجرات وعنف داخل الجامعة، وبخاصة مع حدوث تدخل عشائري، كما حدث في إحدى الجامعات الخاصة، حيث لم ينفذ قرار إدارة الجامعة العقابي ضد طلاب متورطين بعد تدخل عشائرهم». ويشير استطلاع للرأي قامت به جامعة اليرموك إلى أن تهاون إدارة الجامعة في اتخاذ القرارات الحازمة بحق المشاغبين وذوي الأسبقيات ساهم في تنامي الظاهرة؛ كما أن بعض المشاجرات تنشب على خلفية الانتماءات العشائرية أو الإقليمية بحسب استطلاع الرأي المشار إليه، وعليه فإنها تحل عشائريا.
«حتى الانتخابات الطلابية تعتمد الآن، في مجملها، على المبايعة العشائرية بعيداً عن البرنامج الانتخابي وبعيدا عن كل ما يتعلق بالجامعة، حيث تجد لافتات تقول: العشيرة الفلانية تبايع فلان، للترشح في الانتخابات»، يقول دعاس.
وينص نظام التأديب الجديد في الجامعة الأردنية، الذي أقر ه مجلس الوزراء في حزيران الماضي، على أن عقوبة ترويج المخدرات في الجامعة هي الفصل لمدة فصلين دراسيين، بينما يعاقب من يقوم بتوزيع المنشورات والبيانات بالفصل النهائي.
 
أما سياسات القبول، بما فيها من كوتات واستثناءات، فيرى الكاتب عريب الرنتاوي «أنها طغت على التكوين الطلابي للجامعات، وأصبح تكوينها قبليا وعشائريا بعيداً عن المنافسة الحرة، فباتت التقسيمات الطلابية قبلية بعد أن كانت وفقاً لتيارات». ويشير الرنتاوي إلى بعد آخر هو السياسة المتبعة للانتقاء في الجامعات من حيث الكادر التدريسي والإداري، التي اعتمدت، بحسبه، على الواسطة والجهوية والعشائرية وكان آخر همها معايير الكفاءة والخبرة والشهادة والاستقلالية.
 
ويعزو الرنتاوي السبب في عنف الجامعات إلى «الحملة المنهجية التي تعرضت لها الجامعات طوال ثلاثة عقود، بمنع القوى السياسية من العمل والنشاط داخلها، حيث بقيت الجامعات في حالة خواء سياسي وبعيدة عن العمل العام»، في حين يعزوها منسق الحملة الطلابية ضد العنف في الجامعات، بالمقام الأول، إلى «نظام الصوت الواحد في الجامعات الأردنية الذي عزز الفكر العشائري والإقليمي عند طلاب الجامعات».
 
ويرى الكاتب إبراهيم غرايبة أن «التغييب السياسي ومشاركة الشباب لا يؤدي فقط إلى النزاعات العشائرية والتوجهات الخاطئة والمخيفة لدى الشباب، ولكنه يحرم المجتمعات والطبقات والمدن من تشكيل نفسها اجتماعيا، على أساس من المصالح والمهن والصداقة والروابط المدينية، وتظل مدننا بجامعاتها ومؤسساتها وأعمالها تجمعها القرابات والأيدلويوجيات التي لا تصلح لتنظيم المجتمعات والأعمال والمهن والاحتياجات والخدمات الأساسية وتفعيل الديمقراطية والانتخابات».
 
العنف وأسبابه
في بحث أجراه د. كامل الحوامدة، مساعد عميد شؤون الطلبة في جامعة الزرقاء الأهلية، عام 2006 حول أسباب العنف الجامعي، على عينة من 6 آلاف طالب، أظهرت النتائج أن أسباب العنف هي: الشعور بالكبت الزائد بنسبة 76بالمئة ، التركيز على الجوانب الأكاديمية وإهمال الجوانب الأخرى في بناء الشخصية بنسبة 75بالمئة ، التعصب القبلي بنسبة 62بالمئة ، عدم الانسجام والتكيف مع محيط الجامعة بنسبة 52بالمئة ، والشعور بعدم المساواة في تطبيق القوانين 51بالمئة ، والشعور بوقت الفراغ 42بالمئة ، ومشاهدة الطلاب للمشاهد العنف بنسبة 31بالمئة ، والتعليق على الجنس الآخر 26بالمئة ، والتعب والإرهاق من المواصلات 23بالمئة ، والفقر والحاجة المادية 21بالمئة ، والتحريض على عرقلة المحاضرة 18بالمئة ، والحمية والغيرة على الصديقة بنسبة 16بالمئة واستخدام الألفاظ السيئة بين الأصدقاء بنسبة 14بالمئة .
 
مسؤولية الجامعة
خلص استطلاع للرأي حول ظاهرة «شغب الجامعات» أجراه العام الماضي أستاذ الإعلام في جامعة اليرموك د. عادل زيادات، وتضمن 357 طالبا وطالبة كعينة عشوائية ، إلى 13 سبباً للعنف في الجامعات، تتحمل الإدارات الجامعية مسؤولية 11 سبباً منها. وكان وجود مفاهيم ومدركات مغلوطة للعصبية والقبلية بنسبة تجاوزت 84بالمئة ، وقلّة الوعي والثقافة بمعنى الديمقراطية بنسبة 81بالمئة لدى طلبة الجامعات الأردنية، سببين رئيسيين في ظاهرة شغب الجامعات. تلاهما موضوع دخول الحرم الجامعي لغير الطلبة بنسبة بلغت قرابة 76بالمئة ، فيما حلت الواسطة والمحسوبية عند تطبيق الأنظمة والقوانين وقرارات الجامعة رابعا بنسبة اقتربت من 74بالمئة . وفي المرتبة الخامسة كان عدم وضوح مسؤولية رجال الأمن الجامعي داخل الحرم الجامعي بنسبة اقتربت من 72بالمئة ، فيما جاء تهاون إدارة الجامعة في اتخاذ القرارات الحازمة بحق المشاغبين وذوي الأسبقيات سادسا بنسبة 71بالمئة ، وهي نسبة عالية حسب معد الاستطلاع تعكس عدم وجود الحزم المناسب من الإدارة لردع الطلبة عن الشغب.