عندما تنتحر الدلافين
نقلت الأنباء أن قطيعا من الدلافين البحرية التي تعيش عادة في وسط المحيطات حوصر في مياه نهر ضحل في جنوب انجلترة وفشل في العودة الى البحر. ورغم محاولات السكان والغطاسين توجيه الدلافين ومساعدتها الا ان أكثر من عشرين منها لقي حتفه. وفي جنوب المحيط الهندي اندفعت قطعان من الدلافين الى شواطئ جزيرة مدغشقر حيث نفق 55 دلفينا ، ولم يعرف العلماء وخبراء حماية الطبيعة سببا لهذه الظاهرة التي باتت تتكرر سنويا في أرجاء مختلفة من العالم.
هناك من يؤكد أن الدلافين والحيتان ، وهي من اقرب الكائنات البحرية إلى الإنسان ، إنما تقدم على الانتحار. ويقول هؤلاء أن تلوث البحار والمحيطات وضوضاء السونار الذي تسببه السفن والغواصات العابرة إضافة الى انقراض انواع كثيرة من الاسماك التي تتغذى عليها هذه الكائنات الحساسة ربما تدفع بالحيتان والدلافين الى انهاء حياتها على هذا الشكل.
بدأت الحياة في البحر ثم انتقلت الى اليابسة لكن الحيتان والدلافين ، وهي ليست أسماكا وإنما من الثدييات ، اختارت طريقا معاكسا فعادت الى المحيطات حيث استقرت منذ ملايين السنين. لكن الفساد الذي عم الأرض بفعل الإنسان المتمدن انتقل إلى الماء فارتفعت حرارة المحيطات وقضى الصيد الجائر على انواع كثيرة من الحيتان والدلافين والاسماك. ثم جاء التلوث الصناعي ليحول عالم البحار الى مستنقعات آسنة تنتشر فيها السموم ، وقد اثبت علميا أن امراضا واوبئة مستعصية ومنها أورام سرطانية باتت تهدد اجيالا كاملة من كائنات البحار والمحيطات.
وحتى وقت قريب كانت فرنسا وغيرها تجري تجارب نووية في جزر مهجورة في جنوب المحيط الهادئ ، وحتى اليوم هناك دول لا تزال تدفن مخلفاتها الكيماوية ونفاياتها المشعة في براميل في أعماق المحيط. وقد قضى التلوث وعمليات التنقيب عن البترول على مئات الأميال من الحيد البحري الغني بتنوعه الفطري في استراليا والبحر الأحمر وجنوب المحيط الهندي.
لقد عبث الانسان بالطبيعة وقوانينها دون حكمة أو بعد نظر ، وخلال اقل من قرن نهبت البشرية ثروات المحيطات الشاسعة واعتدت على تركة الاجيال القادمة ضاربة عرض الحائط بكل الاشارات التي حذرت من مغبة الاخلال بالتوازن البيئي والفطري واثر ذلك على مستقبل الانسان والحيوان معا.
نسي الانسان انه مؤتمن على سلامة كوكبه ، وان مصادر الأرض هي بمثابة وقف لا يملك جيل وحده حق التصرف بها وأن هذه الوديعة الرائعة هي اليوم في خطر. لقد انقرض خلال اقل من خمسين عاما آلاف من أجناس النبات والحيوان والطيور والاسماك وعلى القائمة الحمراء للمنظمات البيئية العالمية اليوم آلاف أخرى مهددة بالفناء نتيجة سياسات البشر.
وحين نواجه اليوم ازمة خانقة في الغذاء اضافة الى ظواهر كالاحتباس الحراري وانصهار جبال الجليد في القطبين والتغير المناخي واختفاء مساحات شاسعة من الغابات الاستوائية وتلوث الهواء والماء ، فان علينا ان نفكر مرات عديدة في مصير هذه الوديعة ودورنا كافراد ومجتمعات في الحفاظ عليها.
تنتحر الحيتان والدلافين أو تتوه لا فرق ، فعالمها المائي مريض ايضا وهي بموتها بهذا الشكل الدرامي تبعث رسالة مفادها بانه على الرغم من تعدد الانواع واختلاف اشكال الحياة فالمصير مشترك وان اختفاء جنس ما أو تدمير بيئة حيوية في مكان ناءْ إنما هو بداية لانقراض الإنسان نفسه،
* المقال نقلا عن الدستور الاردنية