عمان ليست للفقراء

الرابط المختصر

لا يبدو التعب ظاهرا على محيا السبعينية "أم إسحاق" عندما استقبلتنا في بيتها المتواضع بحي المصاورة بجبل عمان. "الهمة قوية" تقول ردا على نظراتنا المشككة بقدرتها على الاستمرار في المشي والتجوال داخل بيتها لتعرفنا على تفاصيله المتهالكة.

تقع شقة "أم إسحاق" في عمارة مطلة على شارع حيث جزء منه مشرف على منطقة رأس العين، وتتأمل السيارات من بعيد، وتستذكر كيف كبرت المدينة وتطورت كما حال ساكنيها عدا الفقراء الذين تراجعت أوضاعهم.

يعتبر "حي المصاورة" في جبل عمان أحد أهم المواقع المفضلة لدى الفقراء من الأردنيين والأجانب من الجنسيات العاملة في المصانع والمنازل؛ فالفقر طاغي على المكان من حيث البنية التحتية المتهالكة.

تتفاوت إيجارات الشقق من 45 إلى 100 دينار وتعتمد على حال الشقة ونظافتها. هذه الإيجارات لا يمكن أن تتوفر إلا في هذه المناطق بينما تتضاعف الأسعار خارج الحي، على مقربة منه في جبل عمان يلاحظ الفرق الكبير في الأسعار.
 
"حي المصاورة" لا يزال متربعا في جبل عمان، هذا الجبل الذي بقي طويلا محصورا على طبقة البورجوازيين من ملوك وأمراء ومسؤولين وعائلات ثرية. ها هو اليوم يضم حيا بات يشكل ملجأ للفقراء بل ويشكل القاعدة لهم.
    
أم إسحاق تستدين غسالة جارتها لتغسل الملابس مرة واحدة في الشهر، وتتحدث عن قائمة ديونها. تكثر في حي المصاورة البقالات التي تعتمد في غالبيتها على "بيع الناس بالاستدانة. ويقول أبو عيسى صاحب بقالة: "لولا العيب" سأكتب على ورقة كرتونية أن لدي دفتر دين لاختصر عناء الناس وخجلهم في طلب الاستدانة من المحل"..  (اطلع على المزيد في تقرير سيرة دفتر ديّن من حي المصاروة)
 
"الزيت والزعتر" هو الجواب الوحيد على سؤال أم إسحق اليومي: "ماذا سأطعم الأولاد عندما يعودون من المدرسة". "علب الحمص والفول"، بحسب أحد أصحاب البقالات، هي الوجبة اليومية لسكان الحي الذين يقبلون عليها بشكل كبير لأنها "تشبع العائلة الكبيرة"، فمعظم العائلات القاطنة في الحي تتكون من خمسة أفراد وأكثر.   
 
في بيت أم إسحاق المكونة من 12 فردا، لا يمكن القول أن هناك مائدة طعام يومية. فالطبخ ليس متوفر في يوميا وأولادها يأكلون ما يتيسر لهم في الخارج أما الأحفاد فالخبز والشاي والزيت والزعتر هو أساس الطعام.
 
كان حلم أم إسحاق بإعداد مائدة طعام تتوفر فيها جميع عناصر الخضار والفواكه لكنها لا تستطع شراء أي منها لغلائها، فأسعار الخضار والفواكه في عمان تضاعفت عن السابق، ليصبح طبق السلطة أغلى الأطباق. ورغم توجه الحكومة وأمانة عمان لإقامة أسواق موازية في شتى المناطق لدعم السعر المنخفض لكن بقي السعر عصي على الفقراء.  
 
بموازاة شقة أم إسحاق، تقطن عائلة أبو محمد البالغ من العمر 46 عاما، حيث يعيش وزوجته وأطفاله الستة على راتب يصرف له من صندوق المعونة الوطنية بناءً على وضعه الصحي السيء الذي أتاح له الحصول على دعم بقيمة 180 دينارا بناءً على تقرير طبي يكشف عن وجود اعتلال في قلبه بعد أن  أجريت له عام 2000 عملية جراحية في القلب أقعدته مضاعفاتها في السنوات الأخيرة في منزله غير قادرٍ على الحركة.
 
يبلغ عدد الأردنيين المستفيدين من الصندوق بشكل منتظم (70 ) ألف مواطن، وفق إحصائية صندوق المعونة الوطنية. فيما يطرح الصندوق برامج لدعم الأفراد الأردنيين، تتفرع إلى: برنامج المعونة النقدية المتكررة، رعاية الإعاقات، المعونة الطارئة، التأهيل المهني وبرنامج التأهيل الجسماني...
   
 زوجته "أم محمد" تعاني من ضغط في الدم وتسارع في دقات القلب بطريقة غير منتظمة ما قد يعرض حياتها للخطر، ورغم ذلك لم تذهب إلى الطبيب خشية تكاليف "من المتوقع" أن تهز ميزانية المنزل الشهرية، تقول أم محمد التي تعيش مع زوجها وسط خوف من "طرد" صاحب المنزل لهم "لتخلفهم من دفع الإيجار لعدة شهور".
 
تكلفة إيجار المنزل 45 دينارا فقط، هي على قلتها تشكل لهما أرقاً؛ فالراتب صُمم للطعام والشراب فقط، فيما يسعى صاحب المنزل إلى إصدار قرار قضائي لطردهم من المنزل. ويطمح أبو محمد أن يعمل ذات يوم لأجل سد النقص الذي تعانيه عائلته ولا يلتفت إلى احتياجات أطفاله على اعتبار أن زوجته هي التي تتكفل بهم. أما أم محمد فتشكو من نقص أطفالها للرعاية الجيدة والطعام الجيد، وما عدا ذلك فيمكن الاستغناء عنه.
 
أم باسل، 37 عاما، تعيش وزوجها وأولادها الثلاث في بيت في جبل عمان إيجاره الشهري 150 دينارا، فزوجها يعمل مراسلا لإحدى الشركات السياحية في وسط البلد، أما هي فحاولت سابقا امتهان التطريز وإنتاج المشغولات المنزلية لكنها لم تستمر لأنها كلفتها أعلى من الربح الذي قد تجنيه.
 
دراسة صادرة عن صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة "اليونيفيم" أظهرت نهاية عام 2008 بأن معدلات بطالة الإناث ما زالت مرتفعة خلال العقدين المنصرمين لتقترب بذلك من ضعف معدلات البطالة لدى الذكور.
 
ورغم عمل زوجها الجيد مقارنة بجيرانها تبدي أم باسل قلقها على وضع أطفالها وسوء صحتهم الناجمة من عدم صحة العيش في الشقة التي تعاني من الرطوبة الشديدة ولا تصل الشمس إليها. 
 
"أولادي لا يعرفون الحليب الذي لم يدخل بيتي منذ زمن بعيد، فالشاي والخبز هي وجبتهم الرئيسة"، تقول أم باسل.
 
أم أنور 68 عاما أرملة تعيش هي وابنها الوحيد في بيت مكوناته: غرفة وحمام ومطبخ خارجي، يعيشان على راتب ابنها الشهري، 180 ديناراً، والذي يعمل نجارا لدى إحدى المحال في وادي صقرة. وتعاني أم أنور من السكري والضغط، ويكلفها العلاج قسما من راتب ابنها، ما ساهم في تأخير زواج أنور الثلاثيني.
 
الباحثة الدكتورة حنان هلسة في ورقتها حول واقع الفقر في الأردن وسبل مكافحته، أشارت إلى أن الانهيار الاقتصادي في عام 1989، إضافة الى انهيار أسعار النفط في أواسط الثمانينات، وتدني نسبة تحويلات العاملين الأردنيين في البلدان النفطية، والعوامل الخارجية والظروف والأحداث السياسية والاقتصادية في المنطقة ومنها احتلال العراق، أدى الى دفع 17% من السكان الى الفقر وتحويل 20% من القوة العاملة الى البطالة. وقد أشارت الأرقام كذلك الى ازدياد نسبة الفقر في الأردن في الفترة ما بين (1987-1997) من 24% الى 31%.
 
وأوضح الدكتور إبراهيم عليوات في ورقة أكاديمية حول "التجربة الأردنية في مكافحة الفقر"، جيوب الفقر ومكامنه..اطلع على الدراسة
 
في حين أن دائرة الإحصاءات العامة، أعلنت في العام 2006 عن تراجع معدل الفقر ليبلغ 13% نزولا من 14.1%، في دراسة عن تحديث مؤشرات الفقر.. أطلع على تقرير الفقر في عين الحكومة.. أرقام في دراسات!  
 
وكانت وزارة التخطيط والتعاون الدولي، أصدرت دراسة يتيمة لها في العام 2004 بعنوان تقييم الفقر في الأردن، أظهرت نتائجها أن مستوى الفقر "تقلص" في بعض المحافظات باستثناء الزرقاء التي ارتفع مستوى الفقر فيها، حيث زادت نسبته من 16،3% في عام 1997 الى 22،3% في عام 2002، كما ارتفعت معدلات البطالة من 11% الى14% مما يعني تدهور الظروف المعيشية للسكان في الزرقاء.
 
وحسب الدراسة فإن "الفقراء فقرا مزمناً يشكلون ما نسبته 4% من السكان أو ما نسبته 29% من الفقراء، ويشكل الفقراء فقرا انتقاليا حوالي 70% من الفقراء وهؤلاء هم الفقراء الذين يصل معدل إنفاقهم إلى ما دون خط الفقر بقليل".