عمان تستعد للاحتفال بمئويتها

الرابط المختصر

يحاول اسماعيل البستنجي تخيل ملامح المنطقة التي قضى فيها 45 عاما من حياته, ورحل عنها مؤخرا, بعد ان يغير معالمها مشروع كردور عبدون بما في ذلك سكة القطار الخفيف التي ستخترقها الى طريق المطار باتجاه الغرب, والى وسط البلد باتجاه الشرق, وعلى الرغم من انه يعترف بان العشوائية كانت السمة الغالبة على المنازل التي كانت قائمة في وادي عبدون, واعادة تأهيلها او تحديثها كان امرا ملحا لو لم يلتهم الكردور اركانها, ولا يمكن له ان يعتبر ان منازل الحي كانت تمثل جزءا من بانوراما عمان القديمة, الا ان مغادرة المكان الذي ولدت به وترعرت فيه, وشهد افراحك واتراحك, امر يصعب تخيله, فما بالك اذا ما عشته, والانكى من كل ذلك تفريق الناس عن بعضهم البعض.

 

وفكرة عمان القديمة التي اشار اليها البستنجي تشغل جزءا مهم من ذهن المخططين في امانة عمان الكبرى وفقا لما يقوله مساعد مدير عمان لشؤون الاشغال م. فوزي مسعد, ولكن مفهوم المدينة القديمة لا يشمل بالتأكيد المناطق العشوائية, ولا مناطق ورش الميكانيك وغيرها, مثل الجزيرة الواقعة بين شارعي الملك عبدالله والجيش, اي الجزيرة التي تفصل الشارعين اللذين يصلان المحطة بوسط البلدة فهذه المنطقة على سبيل المثال ستخضع لمشروع لتطويرها عبر ازالة كافة المنشآت غير النظيفة, التي تفسد المشهد العام للمنطقة, اضافة الى افسادها للذوق العام للناس, واقامة مشروع فيها يشمل فندقا ومساكن وحدائق من شأنه تغيير معالم المكان وقد تم استملاك 132 دونما من هذه المنطقة للنفع العام, وبدأ العمل على ازالة العشوائيات عنها.

ولكن ما يخشاه العمانيون, ويشكل لهم مخاوف لجهة خشيتهم من ان مشاريع التطوير او التحديث ستفقد المدينة اصالتها ليست العشوائيات, ولا وادي عبدون, بل المناطق الاخرى, والمنازل ذات الطراز المعماري المتميز, التي يعود بناؤها الى ما قبل ستين عاما او اكثر وهي المنازل المبنية على سفوح الجبال المطلة على وسط البلد, كجبل عمان واللويبدة, والقلعة, والنظيف, والجوفة وغيرها, فعلى  الرغم من ان امانة عمان قامت بدهان بيوت صحن عمان بالالوان الترابية وفقا لمسعد, الا ان المحافظة على طابع عمان القديم لا يقتصر فقط على هذا الامر.

مستشار امين عمان لشؤون النقل د. ايمن الصمادي له وجهة نظر في هذا السياق, فهو يعتقد ان تخفيف كثافة السيارات في وسط البلد عبر مشروع القطار الخفيف, والمسارب المخصصة للباصات, سيمنح فرصة كبرى لاعادة احياء عمان القديمة بنكهة جميلة, بعد ان افسدت الاختناقات المرورية, والتلوث رونق عمان القديمة, وجمال هيئتها, وما ستنشأه الامانة في اوقات لاحقة كجزء من مشروع وادي عمان في الساحة الهاشمية خير دليل على ذلك, فالامانة حسب مسعد ستنشأ في الساحة الهاشمية حديقة عامة في اطار منطقة خضراء, كمتنفس لوسط البلد, اضافة الى ساحة احتفالات في المدرج الروماني عبر تطوير المدرج سياحيا, واقامة خط سكة حديد لربط المدرج الروماني بجبل القلعة.

القطار الخفيف

مسعد يعتبر انه لا يمكن بأي حال من الاحوال الاستغناء عن وسط البلد, وما تنوي امانة عمان تنفيذه سيجعل وسط البلد نقطة تقاطع لكافة خطوط القطارالخفيف, وهو المشروع الذي سيخفف بشكل ملحوظ من اعتماد الناس على السيارات الصغيرة.

ولكن الازمة الاقتصادية بالضرورة ستؤثر على خطط امانة عمان, خاصة انها جادة في الاقتراض لتنفيذ المشاريع المعنية بتطوير النقل العام.

الامانة ستنفذ مشاريع تطوير النقل العام مهما كانت الظروف, ولديها حسب الصمادي خيارات عدة معتمدة على إنموذجات للتنفيذ مختلفة, فالازمة الاقتصادية العالمية التي تؤثر على الجميع لن تقف في وجه الامانة في هذا السياق, لان خلاف ذلك - اي عدم تنفيذ المشاريع - سيجعل وضع السير في عمان امرا لا يحتمل, لذا فان عمان ستشهد في العام 2013 او 2014 اول قطار خفيف لنقل الركاب, ومشروع القطار الخفيف في مرحلته الاولى يشمل ثلاثة خطوط, الاول يبدأ من طريق المطار مخترقا وادي عبدون ووسط البلد ليلتقى مع قطار الزرقاء - عمان الخفيف, والثاني من صويلح مرورا بالجامعة الاردنية, ومن دوار المدينة عبر شارع الشهيد الى شارع الاقصى ومن ثم عبر شارع الاستقلال الى المحطة, والثالث من بيتنا ليمر من امام المسجد الحسيني باتجاه العبدلي عبر وادي صقرة, وهذا الخط سيكون جزء منه تحت الارض, ومن ثم الى شارع مكة وصولا الى جانب المدينة الطبية.

مسارب للباصات

ويقول الصمادي ان مدينة بمليوني ونصف المليون انسان تحتاج لمخططات استراتيجية مختلفة عن تلك المخططات التي كانت سائدة قبل عشرين او ثلاثين عاما ولا سيما ان شوارع المدينة اخذت تضيق من شدة الازدحامات عليها ما يجعل امر تنظيم النقل العام امرا في غاية الاهمية فحسب البيانات الاحصائية يستخدم فقط 30% من سكان عمان وسائل المواصلات العامة, وهذه نسبة متدنية جدا ومن دون رفعها لتكون قريبة من العواصم الاخرى فستبقى العاصمة مكتظة بالمركبات وستبقى الاختناقات المرورية سيدة الموقف وللعلم فان ما نسبته 75% من سكان القاهرة يستخدمون وسائل المواصلات العامة و 60% في تونس.

ورغم ان المشاريع التي ستنفذها امانة عمان خلال السنوات الخمس المقبلة لانشاء شبكة مواصلات حديثة ستكلف اكثر من مليار دينار وفقا للصمادي ايضا ورغم ان الظروف قاسية بخصوص التمويل الا ان الامانة جادة في التنفيذ لانه لا مناص امامها الا ان تنفذ والا ستصبح عمان مكانا طاردا للناس وللاستثمارات وموضوعيا فان البنية التحتية لمشاريع النقل العام غالبا ما تكون ملكا عاما, وتنشئها البلديات والحكومات وهذا سينسحب على مشاريع الامانة الخاصة بالنقل العام, فسكة حديد القطار الخفيف ستنفذها الامانة وكذلك المسارب الخاصة بالباصات وهذه وفقا للتقديرات الاولية تستحوذ على 85% من الكلفة التقديرية بالنسبة للقطار و50% بالنسبة لمسارب الباصات ومسارب الباصات ستغطي الشوارع الرئيسية في عمان وجزء من الشوارع الفرعية وستكون الباصات من النوع السريع ولها مواقف محددة لا تحيد عنها ابدا.

لا ضير في تحديث العاصمة عمان هكذا يقول الاهالي ولكن حينما يقترن هذا التحديث بظلم وقع عليهم ويقصدون موضوع التعويض وقضية العدالة فيها, فان التحديث يكون وبالا عليهم, ولن يستقبلوه بالاحضان وكذلك الحال بالنسبة لعمان القديمة فالحداثة امر لا فرار من مواجهة استحقاقاته كما يقول احد الخبراء في هذا الشأن ولكن المحافظة على تفاصيل المدينة القديمة للابقاء على ذاكرة المكان في عمان امر له خصوصيته ولا يجوز ان يتم التعامل معه باستخفاف او بلا مبالاة, حتى لو كانت المبررات الحداثة والتطور وجذب الاستثمارات خاصة ان عمان تستعد للاحتفال بمئويتها الاولى العام المقبل.0