عمالة الأطفال في الأردن قائمة رغما عن القانون!

الرابط المختصر

في العام 2006 خرج محمد 13 عاما من مدرسته بعد إعلان والده حينها أن ابنه "لا يحب الدراسة ويريد العمل وإعالة أسرته" المكونة من والديه وأربعة أطفال يصغرونه في العمر، فيما يعتمدوا على راتب الأب الذي لا يتجاوز 250 دينارا أردني فقط.

محمد يعمل حاليا "فني" دهان سيارات في محل يقع بمنطقة "وادي صقرة" حيث تتجاور محال تصليح السيارات قرب بعضها البعض، هو، يجمع أيام خبرته على إحدى الدفاتر التي احتفظ بها من أيام دراسته. محمد يعلن نسيانه لما حصل معه سابقا، لكنه، يضطر في أحيان إلى التحايل على بعض الزبائن الفضوليين الذين يوسعونه أسئلة حتى لا يجيبهم عن أسئلة: "هل أكملت تعليمك؟" و"لماذا لم تدرس؟" ولا تؤثر عليه تلك الأسئلة على كثرتها لأن الذاكرة لا تحفظ ما حدث.

يناصفه بمحل مجاور صديق آخر يسبقه بعام واحد يدعى مؤيد 16 عاما وهو الآخر هجر مقعد دراسته بعد أن طلب منه والده أيضا ترك المدرسة والانضمام إلى صفوف العاملين من الأطفال، هجرة المدرسة ليس بالحدث الهام كما قال لنا. "يعني تركت المدرسة بيوم وليلة عادي، لا أحن لها ولا أتمنى العودة لها".

"تحترم الدول الأطراف مسؤوليات وحقوق وواجبات الأهل في أن يوفروا بطريقة تتناسب مع القدرات المتنامية للطفل، التوجيه والإرشاد المناسبين في ممارسة الطفل لحقوقه المعترف بها في الاتفاقية الحالية"، المادة 5 من اتفاقية حقوق الطفل العالمية والذي وقع عليها الأردن مطلع التسعينات.

لا توجد لدى وزارة التربية والتعليم أو التنمية الاجتماعية أو أي من المؤسسات المعنية بالطفولة أية إحصاءات سنوية عن أعداد الأطفال الذين هجروا مقاعد دراستهم، باستثناء دراسة أجريت من قبل وزارة العمل في العامين 2000 و2001 ودراسة أجريت حديثا في العام 2007 من قبل دائرة الإحصاءات العامة.

قانونيا، يحرم قانون العمل الأردني تشغيل الأطفال تحت سن 16 عاما، وينص على ألا يعمل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و 18 عاما أكثر من 6 ساعات في اليوم، ويفرض على أصحاب العمل المخالفين غرامة قدرها 500 دينار في حال تم ضبطه متلبساً بتشغيل الأطفال.

سعيد 18 عاما استطاع "بمعاناة" كما يقول أن يصل إلى مرحلة التوجيهي وسط مساع حثيثة من قبل أبيه على تركه المدرسة والعمل للمساهمة في مصروف البيت، هو حالياً يعمل في منجرة بوسط البلد ويحلم دائما أن يجمع المال ليتمكن من دراسة التصميم الغرافيكي ذات يوم.

حنين 14 عاما لا تخرج من بيت ذويها، حيث أعلن والدها في يوم فجائي عن تركها المدرسة منذ عام، وسط إصرار والدتها التي سرعان ما رضخت للأمر، في مسعى من العائلة نحو الاقتصاد والتقليل من المصروف الذي ازداد مع دوام حنين في المدرسة، فهي تكلفه سنويا "4 دنانير ونصف الدينار" رسوم رمزية للمدرسة الحكومية و15 قرشا يومياً.

حنين لم توفر أحدا من أقربائها الذين يزورن ذويها لتحاول التأثير عليه للعدول عن قراره وما يزيد من تمسك والدها بالقرار هو بلوغ ابنته وتحجيبها وقناعته بأن "البنات حرام يدرسن" كما تقول والدتها.

الأردن وقع على اتفاقية حقوق الطفل العالمية والتي تعترف بحق الطفل في التعليم وما تنص عليه المادة 28 من الاتفاقية: جعل التعليم الابتدائي إلزاميا ومتاحا مجانا للجميع، تشجيع تطوير شتى أشكال التعليم الثانوي، سواء العام أو المهني، وتوفيرها وإتاحتها لجميع الأطفال واتخاذ التدابير المناسبة مثل إدخال مجانية التعليم وتقديم المساعدة المالية عند الحاجة إليها، اتخاذ تدابير لتشجيع الحضور المنتظم في المدارس والتقليل من معدلات ترك الدراسة.

أجرت دائرة الإحصاءات العامة مسحاً وطنياً لعمالة الأطفال في الأعوام 2007-2008 حيث لم يصدر التقرير الوطني بعد، لكنه يهدف وفق القائمين عليه إلى الوصول إلى قاعدة بيانات مفصلة حول عمل الأطفال بين 5-17 عام والتعرف على مدى انتشار هذه الظاهرة في الأردن.

هيفاء أبو غزالة، أمين عام المجلس الوطني لشؤون الأسرة، ترى من جانبها أن عوامل التي تدفع الأطفال إلى العمل كثيرة لكن أبرزها العامل الاقتصادي الذي يحول دون استمرار الأطفال في العمل، كذلك حالات التفكك الأسري.

واحدة من مهام "المجلس الوطني لشؤون الأسرة" متابعة تنفيذ الإستراتيجية الوطنية وخطط العمل المرتبطة بتنمية الطفولة المبكرة وتطويرها، والعمل بشكل خاص على تحقيق رعاية حقوق الطفل.

يتواصل المجلس في الفترة الحالية مع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية فيما يتعلق بشأن أطفال العمالة، وتضيف أبو غزالة أن "سنقوم بإعداد إطار وطني لعمالة الأطفال وسيكون المسح الذي أجرته دائرة الإحصاءات العامة هو الأساس في تعاملنا مع وزارة العمل وعلى أن نشكل فريقا وطنيا مكونا من جميع المؤسسات المعنية بحيث يتمخض عنه الإجراءات السياسية التي ستتخذ في ملف عمالة الأطفال".

تستذكر أبو غزالة توقيع الأردن على الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الطفل وأيضا بقانون العمل الأردني الذي يمنع عمل الأطفال، للتدليل على الجهود التي تقام حكوميا لكنها تدرك في نفس الوقت حجم الظاهرة في جولة في مواقع مختلفة من العاصمة عمان ومناطق الريف من المملكة.

تدلل أمينة عام المجلس على أن العاصمة عمان هي المدينة الأعلى نسبيا من حيث أعداد الأطفال العاملين لكون فرص العمل متوفرة أمام الفقراء بالتالي تزداد فرص التسرب من المدارس.

مركز الدعم الاجتماعي الخاص بالأطفال العاملين والمتسربين التابع لوزارة العمل يعمل على استقطاب الأطفال العاملين لتلقي التعليم المجاني والإرشاد وتعديل السلوك وإقامة ورش عمل من شأنها التعزيز من إمكانية عودته إلى حياته الطبيعية والاعتداد بذاته، المركز يتعامل مع بضعة مئات من الأطفال.

تقول نهاية دبدوب مديرة المركز أن استهدافهم يشمل غير الأطفال ذويهم حيث يتم إخضاعهم للإرشاد الجمعي والفردي ومن خلال وزارة التنمية الاجتماعية يسعى المركز إلى تحصيل معونة تنطبق على البعض منهم في محاولة لتشغيل الأب في حال كان عاطلاً والذي يساهم في ضمان استمرار الأطفال في المدرسة ولعدم إجبارهم على تركها.

دراستان وحيدتان أجرتهما وزارة العمل في العامين 2000 و2001 وتشير إلى أن "الكثافة الكبرى من عمالة الأطفال كانت في عمان لسبب" -كما تشرحه دبدوب- أن "العاصمة عمان فيها عددٌ كبير من السكان إضافة إلى فرص العمل الكبيرة".

أما الدراسة التي أجرتها الإحصاءات العامة في عام 2007 فقد كانت على عينة 15 ألف أسرة من التي تعيش في البؤر الفقيرة وقد دلت على أن الكثافة الكبرى من الأطفال العاملين موجودة في منطقة عمان حيث كان هناك تطابقا في الدراستين من حيث النتائج.

لكن دبدوب تنوه إلى أن هناك أنواع من عمل الأطفال لم يكن مشمولا في الدراسات رغم شمولها في التعريفات الدولية لعمالة الأطفال، هي: القطاع الزراعي والعمل المنزلي بالنسبة للفتيات حيث لا يتقاضوا أجورا رغم ذلك.

يشير تقرير الفقر الذي صدر في عام 2004 إلى أن "الفقر بين الأطفال أعلى من المعدلات الوطنية لأن الأسر الفقيرة فيها عدد كبير من الأطفال، ثلثا الأطفال الفقراء يعيشون في ثلاث محافظات يغلب عليها الطابع الحضري هي عمان الزرقاء وإربد.

أستاذ علم الاجتماع، محمد الجريبيع يرى أن العوامل الاقتصادية تشكلُ جزءً من عمالةِ الأطفال لكن الأثرَ الاجتماعي يؤثرُ سلباً على قيمِ الطفل في تكوينِ شخصيتهِ وبينَ عموم أسرته.

الجريبيع يترأس مركز الثريا للدراسات المتخصصة بمعاينة جيوب الفقر، يرى أن ظاهرة عمل الأطفال "تتزايد بشكل مطرد" وهذا ما يفرضُ تحديات كبيرة على الدولة، آخذا على مؤسسات المجتمع المدني دورا لا يزال "قليل التأثير" والمطالبة القديمة الحديثة هي "تفعيل التشريعات المتعلقة بمنع الأطفال من العمالة".

يطالب الجريبيع بإعادة الدور للأسرة والاعتبار إلى المدرسة والمؤسسات التعليمية المتعددة.

يكفل ميثاق الحقوق الخاص بمنظمة اليونسكو "حق الطفل في التعلم والنهل من معين التعليم الأساسي" وهذا النص صدر وفقاً لقرارات مؤتمر اليونسكو لعام 1990م- ومؤتمر داكار لعام 2000م.

أضف تعليقك