علاء مرتجى... صديق آخر يرحل دون وداع!
كان الخوف بادياً بشدة على صوت والدة الصحفي علاء مرتجى عندما اتصلنا بها في محاولة للحصول على رقم هاتفه الشخصي، للتحدث إليه على الهواء مباشرة عبر الموجة المفتوحة "كلنا غزة" التي تنفذها شبكة الإذاعات المحلية في الضفة الغربية -شبكة فلسطين الإخبارية "المتحدة"- للتضامن مع الأهل في قطاع غزة، وفي محاولة لتقديم ولو شيئ بسيط مما يمكن تقديمه في هذه الظروف.
والدة علاء سألتنا أكثر من مرة إن كنا فعلاً صحفيين، قائلة لنا "لا تؤاخدونني فجيش الاحتلال يتصل بنا باستمرار لتهديدنا وترهيبنا" فقلنا لها اطمئني يا "خالة" نحن نتصل من مدينة بيت لحم ونريد التواصل معه لمعرفة ما يدور حولكم، وتقديم ما نستطيع لخدمتكم، والبقاء على تواصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
في حي الزيتون بقطاع غزة يقع منزل علاء، الذي يعمل في إذاعة ألوان المحلية بمدينة غزة، هذا الحي الذي شهد على بداية الهجوم البري على قطاع غزة، ولا زال كذلك، وخلال اليومين الأخيرين تواصل معنا علاء من منزله لشدة القصف ولعدم قدرته على الحركة خارج المنزل.
كانت قرابة العاشرة والنصف ليلاً بينما كنت أحاول لملمة جسدي المنهك من شدة التعب، وعدم القدرة على النوم لأيام طويلة، والعمل المتواصل على مدار الساعة، كنت أريد بل أتمنى بشدة أن أغمض عيني علني أستطيع الاستراحة ولو لدقائق معدودة، بينما كنت أشأهد الأخبار عبر الشاشة الصغيرة، ولم أعتقد ولو للحظة بأن الوداع سيكون على هذه الشاكلة، من بعيد، ودون أي سابق إنذار.
سمعت بإصابة علاء، فأسرعت بالاتصال ببعض الأصدقاء علنا نستطيع السؤال عنه، أو تقديم أي شيء له، لكننا لم نستطع ذلك، فقد غادرنا علاء على غير رجعة، وعلى الهواء مباشرة، بعد أن غدرته وغدرتنا قذيفة إسرائيلية لقصف عشوائي، أصابت منزله، في حي الزيتون بمدينة غزة، فقطعت شرايينه، ولم يصمد إلا القليل من الوقت بعيد وصوله إلى المشفى، بينما لا زالت "الخالة" أم علاء ترقد في المشفى عسى الله يعافيها من إصابتها في القصف نفسه.
لن يعزنا شيء باستشهاد علاء، لا بيانات الشجب والاستنكار، التي لا تفلح إلا بها كل الاتحادات والمؤسسات التي تعنى في الإعلام في العالم، أو مجرد تحميل إسرائيل مسؤولية استشهاده، أو حتى المطالبة بتشكيل لجان تحقيق لتقصي الحقائق، لأن الحقيقة الوحيدة الواضحة أن علاء غادرنا إلى الأبد، في سبيل نقل الحقيقة.
إننا نعيش في عالم قذر، لا يستطيع حماية أحد، ويتحدث باستمرار عن اتفاقيات جنيف لحماية المدنيين، إنه نفس العالم القذر الذي يتغنى بالديمقراطية بينما لا يعرف عنها شيء، ونفس العالم القذر التي ينادي بحقوق الإنسان بينما يعتقد أنه هو البشر فقط، ونحن لسنا كذلك!
رحم الله علاء، وعزانا هو الله وحده، وهو مواصلة مشواره، لنقل الحقيقة التي غيبته عنا، دون أن نستطيع وداعه للمرة الأخيرة.











































