عزمي بشارة: من الصعب أن تكون عميلا لدولة قامت على خرائب شعبك
ما زالت حملة الملاحقة والتحريض التي تُشنّها وسائل الإعلام العبرية والساسة الإسرائيليون
ضد النائب د. عزمي بشارة في أوجها، وقد تابعها موقع "عمون" منذ البداية. وما زالت هذه الحملة تثير ردود فعل عاصفة، على المستوى المحلي والدولي والعربي.
وقد بعث لنا الصديق النائب بشارة هذه الملاحظات رغم انه لا يستطيع الكلام عن طبيعة التهم بسبب الحظر على النشر الرسالة التالية لموقع عمون الالكتروني وفيما يلي نص الرسالة :
عزيزي الاستاذ سمير الحياري...
مع جزيل الشكر على موقفك وموقف الأصدقاء أثناء وجودي في عمان، وعلى المرافقة أثناء الفحوص الطبية، أكتب لك كما وعدتك إذا لم اجر مقابلة في حينه لأسباب تعرفها، اكتب إليك هذه الأجوبة على اسئلتك لنشرها في موقع "عمون" الإخباري دون غيره .
سألتني عن التهم الموجهة ضدي، هذه التهم هي ذات طابع أمني، حسب المفاهيم الإسرائيلية للامن، وهي تنبع من نية "الشاباك" والدولة ضرب الشخص وضرب الفكر الذي يمثله ويحمله، حيث تزامنت هذه الحملة مع نيتي الاستقالة من الكنيست بعد 11 عامًا من العمل البرلماني المتواصل. هذا العمل الذي يقدر الإسرائيليون انفسهم أنه قلب صورة العمل البرلماني في السنوات العشر الاخيرة وأحدث تغييرا شاملا بالخطاب السياسي لعرب هذه البلاد، إذ تحول هذه الخطاب من الإذناب ومطلب الاندماج المستحيل الى الهوية "الأصلانية" العربية الفلسطينية وتحويل المساواة الى خطاب معاد للصهيونية في الوقت ذاته.
فبعد ان فشلوا في ضرب التجمع والحركة الوطنية بالوسائل الدستورية من نوع اتهامنا برفض يهودية الدولة اوالمطالبة بدولة لجيمع مواطنيها او الثنائية القومية في فهم تركيب البلاد الحالي، والتهم الجنائية من نوع التحريض على العنف ومقاومة الاحتلال والتي واجهناها في السابق، جاء دور الملفات الامنية. والصورة واضحة تماما أن هنالك من يرغب بلوك طابور خامس محلي يسهل التحريض عليه في أجواء فشل الحرب على لبنان، خاصة وأنهم لن يغفروا لنا موقفنا ضد العدوان منذ اليوم الاول.
ولذلك يعيدون الكرة الآن في تنظيم جوقة تحرض اقوى من الجوقة التي رافقت الحرب الأخيرة على لبنان، مرة اخرى هستيريا اعلامية فوجئت بها اثناء وجودي في الخارج. جرى هذا أثناء وجودي خارج البلاد، بعد ان سافرت في رحلة عمل بدأت بمحاضرة في رابطة الكتاب الاردنيين تلتها ما شاهدتموه من مرافقة القمة العربية على قناة الجزيرة ثم مداخلة في منتدى الإعلام في الدوحة، ثم توجهت الى عمان لمقابلة عائلتي لأن الأولاد في عطلة.
إنها حرب من كل الاتجاهات الرجعية والعميلة للمؤسسة الحاكمة، ومن يرتبط بها، لضرب البديل الوطني لهذا كله، والذي حاول بنجاح أن ينمي ويطور البديل القومي في ظروف المواطنة، وهذا يعني تغيرًا في الخطاب والأدوات ووسائل النضال والكلام، وكثيرون يكرّرون الآن هذه التعابير الجديدة دون الإشارة الى مصدرها وإلى مصدر هذا التغيير. ولا بأس، فساحتنا أكبر قليلا من الانشغال بالصغائر.
إسرائيل تتعامل معنا كتهديد استراتيجي، وهي أيضًا تشرح علنا لماذا تتعامل معنا على هذا النحو، ولماذا تعتبر ما طرحناه ضد الصهيونية وفي الطرح القومي وطرح المساواة كمتناقضة مع الصهيونية، طرحًا خطيرًا؟..
نحن نشكل نقيض الحالة المشوهة المرتبطة بالأسرلة وبالسلطة الحاكمة وثقافتها ومصطلحاتها، نحن نهدد وجودهم، ولذلك يروْن بنا خطرًا، وسيكون من غير المنطقي ألا يروا بنا خطرًا، وألا يحاربوننا.
وطبعا من الصعب أن تكون عميلا لدولة قامت على خرائب شعبك وأن تبقى لديك بقية من قيم وخطوط حمراء. ولذلك لا فائدة تُرجى من التصدّي لكلام العملاء، فهو مُغرض ويقصد الاذى ولا يتم بغرض الإقناع والاقتناع. وفي النهاية ما يهمنا هوالصورة الشاملة، وبموجب الصورة الشاملة إسرائيل وأدواتها تحاربنا بكافة الوسائل والناس من المحيط الى الخليج متضامنة معنا الى حد أنني أتأثر مما يصلني من مشاعر الحب والعطف والمودة من الناس، فمن نافل القول أن غالبية الناس ليست أدوات بيد إسرائيل.
كنت في سفر مبرمج سلفا والحملة التحريضية بدأت بعد سفري بأسبوع، ولدي تخطيط لبرامج أخرى كثيرة فأنا لا أسير بموجب إيقاع من يريد أن يُحدّد لي برنامجي، وصحيح أيضا أنّ برامجي تغيّرت بعد هذه الحملة فحجمها ووقاحتها والتهديد يحتاج إلى تفكير عميق بما يجري هذه المرة. ولا نلعب بموجب القواعد التي يحددها آخرون، وها أنتم ترون أجبتُ حين اعتقدت أنه آن الأوان، ولم أنهرق في الردود.
إلا أن حجم التحريض يدل على انهم اتخذوا قرارات خطيرة أوصلتهم حد تصوير بيتي ونشر عنوانه والاهتمام بتحركات عائلتي ونقلها إعلاميا وهكذا. هذه قواعد لعبة جديدة، لا تمت للقضاء والعدل ولا حتى بمفهومه الإسرائيلي بصلة، ولا حتى بمفهوم من يريدونه ان يعتاد أن يثبت براءته للمجرمين دون توقف. لقد سئمت عملية إثبات براءتي أمام مجرمين ساهموا في تدمير بلاد ومجتمعات، بما في ذلك بلادي بمدنه وقراه،ومؤخرا ما يقارب ثلث لبنان البلد الذي نحبه. ما معنى أن اكون بريئا بتظر المجرم؟ هذه تناقضات وجودية أججوها هم ودفعونا هم الى التفكير يوميا بمعناها. بالضبط كما كنت يوميا اتساءل بيني وبني نفسي في الكنيست إبان الحرب على لبنان وإبان العدوان على الضفة الغربية بعد مبادرة السلام العربية: ماذا أفعل هنا؟
عزيزي الأستاذ سمير:
بالنسبة للاستقالة من البرلمان، تعودنا أن نعّير من يتمسك بالكرسي، لا من يستقيل ويفسح مجالا لغيره ايضا ان يتطور ويقدم للحركة. وبدل تحيتنا على هذه الخطوة رغم الخطر الذي يرافقها من التنازل عن الحصانة والامتيازات أصبح علينا ان نجيب بعض الإسرائيليين على الاستقالة من الكنيست كأنها فعل سلبي. فبموجب ما يراد ان يشاع حاليا في المجتمع العربي في الداخل من ثقافة سياسية انتهازية تعتبر الدجل وعدم المبدئية شطارة، واصبح التمسك بالكرسي والمنصب محمودا ويجب تبرير الاستقالة.
لقد مهدت للاستقالة منذ فترة لأني استنفذت الأدوات البرلمانية. لقد انتخبت للمرة الرابعة وفعلت ما يمكنني فعله بالأدوات المتوفرة، ولأن احد عشر سنة مكثفة تكفي، وارغب ان افرد وقتا أطول لامور أخرى تهمني وتهم المجتمع مثل الكتابة الادبية والفكرية واعطاء وقت اطول للقضايا العربية. ورغم الحاح الحزب علي للبقاء في منصبي البرلماني قدمت الاستقالة في أيلول الماضي للمكتب السياسي، وانتظرت لإتمام تشريعات هامة أهمها قانون شلل الأطفال الذي رافقني به مرضى عرب طوال العامين بالماضيين، وهو امانة اديتها.
واترك لآخرين تلخيص تجربة عشر سنوات من العمل البرلماني تركت بصماتها على كافة أدوات معالجة قضايا الناس.
لقد امضيت طيلة الفترة الماضية مهتما بقضايا الناس اليومية بشكل مكثف بما فيها ادخال تقليد زيارات السبت لقرى العربية. ما قمت به في الكنيست بات متاحا للجميع، وهنالك كتلة تجمعية قوية، وقد آن الأوان ان افرد وقتا لما اعتبر ويعتبره الناس مفيدا اكثر في هذا الجيل. وقد اقمنا مؤسسات حزبية بالضبط لتكون غير مشخصنة. ويجب ان يقيم هذا ايجابيا. لم أعد قادرا ان اعمل كنائب في ظروف تعرفونها وان اكتب وانتج فكريا واعمل على بناء مؤسسات الحزب وغيرها، كل ذلك في نفس الشخص ونفس الوقت.
كان هذا هو مجرى الأمور الطبيعي برأينا. وكما قلت فإنه على عكس ما يروج بعض الإسرائيليين وبعض مأجوريهم فإن التطورات الأخيرة لم تدفعنا للاستقالة بل لإعادة التفكير بها، وبكل قواعد اللعبة هذه، هل يعقل ان نلاحق بهذا الشكل؟ هل يعقل ان اسمى "نائبا" وان اتعرض للملاحقة بهذه الأساليب؟ أليس الحصانة في هذه الحالة مجرد غطاء للملاحقة السياسية؟
نحن ندرس خطواتنا حاليا، ولم نتحذ اية قرارات. ولكن هنالك التزامات فعلية عندي علي ان انهيها، فلست عبدا لقواعد لعبة وإيقاع ناس يتعاملون معنا كأعداء، ولا اسمع نصائح من أعرف انه يرغب بتصفيتي، ولا اعاني عقدة نقص امام مستوطنين في البلد تجعلني ارغب بإثارة اعجابهم أو ينهار عالمي اذا شنوا حملة تحريض فعالمنا اوسع وارحب من عالم صغار السياسيين والصحفيين الإسرائيليين ومخبريهم من العرب، وبعضهم لا يعرف أني حتى لا أقرأ ما يكتب.
ليتساءلوا وليحرضوا ولتثر ثائرتهم. فماذا متوقع أن يفعل من يتعامل معك كعدو ويصرح بذلك، ويعترف أنك تهدده بأفكارك وممارستك، وانك قلبت له الخطاب السياسي راسا على عقب، وانه لا يقبل ان يصادر أحد الخطاب الديمقراطي منه، وأنه لا يستطيع احتواءك، وانك ترفض ان تعتبر اعداءه في المنطقة اعداءك؟ هل يمدحك من يعتبرك أحد خصومه الألد والأكثر خظورة ام يبحث عن وسيلة للإيقاع بك؟
لقد ساهمنا في بناء ثقافة سياسية عقلانية ومتحررة من وصاية المؤسسة الصهيونية وهيمنتها على عقولنا، ونحن ثقة أن المبادئ والأخلاق الوطنية قادرة على تحدي حملة التحريض والتهويل والصمود في هذا الامتحان أيضا.
وشكرا لكم ولموقعكم المتميز .
الرسالة نقلا بالتنسيق مع موقع عمون الاخباري
www.ammonnews.net











































