عراقيون في الأردن: هربوا من العنف فوقعوا بالسخرة

عراقيون في الأردن: هربوا من العنف فوقعوا بالسخرة
الرابط المختصر

يصف محمد عدنان أيام العمل بأنها أشبه “بلعبة القط والفأر”، حيث لا ينشغل بأداء عمله فحسب، وانما عليه أن يبقى شديد الحذر والانتباه من المارة في الشارع،يقول أن له “عين على الشغل وعين على الشارع خوفا من الشرطة وموظفي وزارة العمل” كونه يعمل من دون اذن تصريح عمل رسمي والذي يصعب الحصول عليه للاجئين العراقيين.

الأربعيني عدنان الذي أتى من العراق قبل خمسة أعوام يقيم مع زوجته وأولاده الاثنين، نقل بين وظائف عدة وأرباب عمل استغلوا وضعه غير القانوني ليعطوه راتبا أقل ويبررون ذلك بحجة أنهم يتحملون المسؤولية للقبول بتوظيفه من دون اذن تصريح رسمي.

“كنت أتفق مع رب العمل على راتب معين 250 دينارا ، ثم يعطيني في نهاية الشهر نصف الراتب وفي بعض الحالات ربعه، ويستغل أنني لن أتقدم بأي شكوى”، يقول عدنان.

أوضاع العمال العراقيين غير القانونية جعلت من استغلالهم من قبل أرباب العمل “نتيجة طبيعية” بحسب ناشطين حقوقيين. حيث يتقاضى كلا من عدنان وأحمد أجورا أقل من الأجور التي تدفع لغيرهم من العمال الذين يقومون بنفس العمل.

يذكر عدنان أنه تقدم لشركة حتى يعمل بوظيفة مهندس ميداني فيها، وكان فيها من مختلف الجنسيات ويقول “اللبناني الذي يعمل بنفس المهنة ونفس الدرجة كان يتقاضى 5 آلاف دينار، بينما تم الاتفاق معي على 220 دينار فقط على الرغم من أنني أمتلك خبرة أكثر منه!”

من جهته، فإن أحمد لا يريد أن يقارن نفسه بالمواطن الأردني الذي يتقاضى أجرا أعلى، وانما يذهب لمقارنة نفسه بالعامل المصري كونهم يعدون من العمالة الوافدة والتي تتراوح ما بين 300 و400 ألف عامل بحسب الاحصائيات الرسمية. يقول بأن “العامل المصري الذي يعمل معنا كان يتقاضى 12 و 13 دينار كأجر يومي، بينما أنا يدفع لي 8 دنانير، ويقال لي بأنني عبء على العمل، أما المصري فيمكن أن يتم اصطحابه لأي مكان على عكس حالتي حيث يتجنب صاحب العمل اصطحابي إلى أماكن تواجد رجال الأمن”.

ويشارك هؤلاء الحال ذاته الشاب العراقي سامر والذي يعمل في مقهى انترنت منذ الساعة العاشرة صباحا وحتى الساعة العاشرة مساءا. ساعات العمل المتواصلة لا يتخللها أي استراحة، ويعي سامر بأن حقوقه في المعاملة العادلة تنتهك بهذه الظروف خصوصا وأنه يتقاضى أجرا لا يتجاوز الـ 120 دينارا ولكنه يقول “المبلغ لا يكفي لدفع آجار السكن حيث أدفع ما يقارب الـ 70 دينارا، حاولت طلب زيادة من صاحب العمل ولكنه أخبرني بأن أقنع بما يقدمه، بصراحة لا أملك خيارا آخر”.

بالنسبة لمحمد عبدالله، وهو أستاذ تاريخ في أحد الجامعات العراقية، فإن فرص العمل القانوني أمامه كانت معدومة، حيث أنه ومنذ قدومه إلى الأردن قبل أربع سنوات لم يترك جامعة إلا وطرق بابها بحسب تعبيره. يعترف عبدالله بأنه يقوم بمهام لا تليق بأستاذ جامعي، حيث يضطر في بعض الأحيان إلى انجاز بعض الأعمال مثل مراجعة العقود وتدقيق حسابات لتجار لا يعرفون القراءة والكتابة مقابل أجر يتقاضاه “بالقطعة”.

بيد أن مشكلة عبدالله هي اضطراره للعمل في كتابة رسائل الدكتوراة والماجستير لطلاب الجامعات الأردنية وبيعها حتى يوفر الدخل لعائلته، ويقول “أعي تماما بأنه عمل غير أخلاقي وغير قانوني لا يليق بأكاديمي ولكنني لم أجد بديلا آخر!”.

جدلية عدد العراقيين

بحسب احصاءات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، فإن عدد اللاجئين العراقين المسجلين في المفوضية يصل إلى 32,507 لاجئ، بيد أن الأرقام تتضارب حول الوجود العراقي في الأردن، فتذهب بعض التقديرات إلى اعتماد رقم 750,000 لاجئ والذي جاء نتيجة احصاء قامت به منظمة الفافو النرويجية لصالح الحكومة الأردنية ويضم العراقيين المسجلين في المفوضية وهؤلاء الذين يحملون الاقامات الرسمية بالاضافة لآخرين يعانون من أوضاع غير قانونية.

يشكك الدكتور أيمن هلسة، وهو أستاذ جامعي متخصص في القانون الدولي وحقوق الانسان، بصحة الأرقام المعلنة حول أعداد العراقيين في المملكة، حيث يقول بأن جهات رسمية تدعي بأن عدد اللاجئين يصل إلى المليون، وهو أمر فيه “الكثير من المبالغة” على حد قول هلسة.

ويضيف هلسة بأن “هناك جهات لديها مصلحة في الادعاء بوجود عراقي كبير في الأردن كون ذلك يؤثر على المساعدات التي تقدمها الدول المانحة، ولكن هناك دلائل على أن الأرقام غير دقيقة مثل عدد الأطفال العراقيين الذين دخلوا فعلا إلى المدارس الحكومية حيث بلغ عددهم ما يقارب الـ23 ألف على الرغم من أن التوقعات كانت تشير إلى 50 ألف طفل.”

بحسب الدكتور هلسة، فإن استغلال أرباب العمل لظروف العاملين العراقيين “هو نتيجة طبيعية لوضعهم غير القانوني”، حيث تشير الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية في عام 2008 إلى أن 30,000 عراقي حصلوا على اقامات قانونية، بينما تشير أرقام وزارة العمل إلى أن 1555 عراقي حصلوا على تصاريح عمل في 2008 وانحفض العدد إلى 1419 في عام 2009، مما يعني بحسب هلسة “أن السواد الأعظم من اللاجئين يعيش ويعمل بصورة غير قانونية، وهو ما يجعلهم لا يشتكون اذا حصل أي انتهاك لحقوقهم”.

يقول هلسة أنه وعلى الرغم من أن الأردن ليس من بين الدول الموقعة على اتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين، إلا أنه يعد ملتزما باتفاقيات أخرى أشمل من الاتفاقية الأولى مثل اتفاقية مناهضة التعذيب والتي تنص على منع ابعاد أي شخص من الممكن أن يتعرض للتعذيب في بلده الأصلي، ويضيف “الحكومة الأردنية تغض النظر عن مخالفة العراقيين لقانون الاقامة، ولكنها لا تتخذ أي اجراء لتصويب أوضاعهم أيضا”.

عدنان يصف حادثة دخول أحد موظفي وزارة العمل إلى مكان عمله، حيث سأله المفتش عن تصريح العمل، ولم يجد مخرجا فاضطر للتحايل وأخبره بأنه ليس عراقي الجنسية وانما سوري، “المفتش لم يتخذ أي اجراء ولكن صاحب العمل طلب مني أن أترك العمل خوفا من تكرار الحادثة”ويضيف “عملت لمدة خمسة أعوام، لم يكن لدي يوما أي عقد عمل وقد طلبت في احدى المرات فقط أن يكتبوا لي شهادة خبرة ولكنهم رفضوا خوفا من أي تبعات قانونية، لم أتمتع بامتيازات أي عامل آخر، حتى أنني أصبت ذات مرة أثناء العمل، وقام صاحب العمل بخصم أجور الطوارئ والعلاج من راتبي”.

بالنسبة لأحمد، فإن الراتب الذي كان يتقاضاه من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لا يكفي لتأمين “أبسط متطلبات الحياة” على حد تعبيره، حيث كان يدفع له 120 دينارا في البداية ثم تم تخفيض المساعدة لتصل إلى 75 دينارا فقط، وهو ما اضطره للعمل بصورة غير قانونية في جلي البلاط.

يقول أحمد وهو شاب عراقي يبلغ من العمر 22 عاما “عندما يأتي المفتشون، كنت أركض مسافات أو أقفز من ارتفاعات عالية ولم أكن آبه، كنت شديد الخوف لأنني لا أملك جواز سفر ودائما كنت أخشى أن يتم تسفيري!”.

العمل القانوني

يوصي هلسة بالسماح للعراقيين بالعمل بصورة قانونية، ولا يرى في ذلك تعارضا مع مصالح الأردنيين الباحثين عن فرص العمل، يرى بأن “هناك فئة تعمل في وظائف لا يقبل الأردني عليها أصلا، ونحن نقوم بتشغيل عمالة وافدة في هذه القطاعات”، ويضيف بأن الاجراء المنطقي يقتضي بأن تعترف الحكومة بوجود العاملين العراقيين، “طالما الشخص يعمل بصورة قانونية أو غير قانونية، فإن الاعتراف به سيوفر له الحماية ويمكن الحكومة من الاستفادة منه كما وأنه من الممكن أن يرفد الخزينة بالأموال ويدفع الضرائب اذا كان دخله يندرج تحت الدخول المشمولة بالضرائب.”

يؤيد المحلل الاقتصادي الدكتور يوسف منصور السماح لللاجئين العراقيين بالعمل بصورة قانونية، حيث أنه يعتقد بأن هناك فئة كبيرة تنتمي إلى الطبقة المتعلمة الغنية والمتوسطة التي “يفوت الأردن فرصة كبيرة عليه ان لم يحسن الاستفادة منها” بحسب قوله.

في مقابل الخطاب الذي يبرر عدم السماح للعراقيين بالعمل حتى لا ينافسوا الأردنيين على فرص عمل محدودة، يقول الدكتور منصور بأنها حجج واهية فـ”اذا كان لدينا طفرة من الأطباء، لماذا لا يكون لدينا طفرة في المستشفيات أيضا؟ لم لا يكون هناك رأس مال بشري ورأس مال مادي متفاعل معه بطريقة ايجابية؟ أستغرب أن تقبل دولة مثل كندا باستقبال طبيب عراقي ولا يقبل له الأردن بالعمل، نحن نفوت علينا الفرص اذا أهدرنا خبرات العراقيين ورؤوس الأموال.”

يدعم منصور وجهة نظره باحتساب الرسوم التي تدفعها العمالة الوافدة للحكومة الأردنية، يقول بأن كل عامل يدفع رسوم تقدر بـ 360 دينار، “اذا اعتبرنا أن 200 ألف عراقي قادر على العمل، فإن ذلك يوفر للخزينة 72 مليون دينار سنويا من الرسوم فقط”.

ويضيف بأن الفكر الاقتصادي السليم يقتضي أن ينمو حجم الاقتصاد كلما زاد حجم العمالة متسائلا عن السبب الذي يدفع ببلد مثل الأردن لرفض توظيف مهندسين وأطباء بخبرات عالية.

من جهته، ينفي وزير العمل الدكتور محمود الكفاوين أن يكون هناك أي سياسة رسمية لمنع اعطاء تصاريح العمل للعراقيين، ويقول بأن “الوزارة تتعامل مع كل عامل غير أردني على أنه عمالة وافدة بغض النظر عن الجنسيات، حيث أن القانون لا يفرق بين الجنسيات”.

ويعلق الكفاوين على انتهاك حقوق العمال العراقيين بالقول “الوزارة تستطيع أن تساعد العامل الذي يعمل بشكل قانوني، اما اذا كان العامل يعمل بصورة غير قانونية فهذا شأنه ولا

الرعاية الصحية

قد تمتد معاناة بعض العراقيين في الأردن إلى الرعاية الصحية التي تعد واحدة من أوليات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والتي تدرك أن هناك أعدادا متزايدة من المرضى العراقيين الذين يعانون من أمراض خطيرة وهم بأمس الحاجة للمساعدة من اجل الحصول على العلاجات المتقدمة والمكلفة.

يحمل حاتم، وهو عراقي الجنسية مقيم في عمان منذ عام 2004، العديد من التقارير الطبية التي تثبت أنه خضع لإجراء عملية في الجيوب والتي تكلفت بها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، ومن ثم تبين أن هناك خطأ طبي في العملية الأولى ما استدعاه إلى اجراء عملية أخرى حتى يتمكن من التنفس بصورة طبيعية.

يقول حاتم “راجعت المفوضية وأخبرتهم بحاجتي لعملية أخرى، فأخبروني بأنهم غير مسؤولين عن المرة الثانية بما أنهم دفعوا نفقات العلاج في المرة الأولى”، ويتابع “اخبرتهم بأن الخطأ ليس ذنبي وأنني لا أستطيع أن أتنفس بصورة طبيعية وأشعر بالاختناق، فقالوا بأنهم يدفعون لي راتب مقداره 75 دينار وهم غير مسؤولين عن مشكلتي”.

يتسائل حاتم عن مدى كفاية هذا الراتب الذي يتقاضاه لسد الاحتياجات الأساسية، فهو على حد قوله لا يملك ثمن الأكل الكريم ويعيش على “بوكسة بطاطا” لمدة أسبوع، كما أنه يضطر للاستدانة من الجيران ويعيش في ظروف مادية يصفها بأنها “تعيسة”.

عندما راجع المفوضية، طلب حاتم أن يتحدث لمسؤول حتى يشرح له معاناته وحاجته للعملية، ولكن قوبل برجل أمن أخرجه من البناية ويقول “هددني وقال لي بأن أذهب أو أنه سيطلب الدرك، فقلت له بأنني لاجئ وأن المفوضية ليست مغفرا للشرطة”، ثم يضيف بأنه وبعد هذه الحادثة لم يعد للمفوضية خوفا من أي رد فعل خصوصا وأنه لا يملك جواز سفر بعد أن فقد جوازه وخشي أن يبلغ عنه.

كان لحاتم محاولة اخرى مع احدى المستشفيات التي يتلقى فيها العراقيون العلاج بدعم من المفوضية، ولكن مدير المستشفى بنفسه قام بطرد حاتم أمام المرضى بطريقة قال أنها “مهينة”.

دور المفوضية

في عام 2007، رصدت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين مبلغ يقدر بـ 14 مليون دولار للتوسع في الخدمات الصحية المقدمة لللاجئين العراقيين، وقد تم تخصيص جزء من هذا المبلغ للتعاون مع وزارة الصحة الأردنية وزيادة الخدمات المقدمة من القطاع الصحي الحكومي.

وفقا لمسؤولة العلاقات العامة في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين دانا بجالي فإن هذه الاتفاقية التي وقعت مع الحكومة الأردنية تعد بمثابة “انجاز يسجل للمفوضية، حيث أصبح بمقدور اللاجئ أن يحصل على الخدمات الصحية في القطاع الحكومي بالأسعار الخاصة بالأردني غير المؤمن”.

تقول بجالي أن “المفوضية كانت في السابق تتكلف بكلف الرعاية الصحية بشكل كامل، أما بعد توقيع الاتفاقية، فقد أصبح يُطلب من اللاجئ أن يدفع نسبة من العلاج، مثل نسبة 20 % من الأدوية، ونسب أخرى تختلف بحسب الخدمة”. تضيف بأن هناك حالات استثنائية تتم معالجتها بالكامل، وذلك من خلال لجنة الحالات الاستثنائية التي تدرس الحالات الطارئة مثل أمراض السرطان وغيرها من الحالات الخطرة.

في الوقت الذي تقر فيه بجالي بأن “الرواتب التي تدفع لللاجئين والتي تتراوح ما بين 40 إلى 250 دينار قد لا تكون كافية”، فإنها تقول بأن المفوضية تحاول أن تتصرف بحسب الموارد المتاحة حيث بلغت ميزانية المفوضية في عام 2010، 26 مليون دولار على الرغم من أن حاجة المفوضية كانت تصل إلى 54 مليون دولار، وفي العام الحالي، فقد تلقت المفوضية مبلغ 15.37 مليون دولار حتى الآن، في الوقت الذي طلبت فيه المفوضية مبلغ 36.1 مليون دولار لتنفيذ المشاريع كاملة.

بالنسبة للعديد من اللاجئين، فإن نسبة 20 % أو أكثر من قيمة العلاج قد لا تكون متوفرة أصلا في ظل ظروف معيشية صعبة، ومساعدات متدنية يحصل عليها هؤلاء من المفوضية.

يقول أحمد، وهو شاب عراقي في العشرينيات من عمره، أنه تعرض لضربة في ظهره أثرت عليه بصورة كبيرة، حيث أصبح يعاني من صداع نصفي وآلام متعددة، وهو يحمل العديد من الوصفات الطبية التي يحتفظ بها في المنزل. “لا أدري من أين لي بـ20 % من المبلغ التي يجب أن أساهم بها، وعندما راجعت، قالوا لي بأنني أستلم راتب، فما كان مني إلا أن سألت الموظف اذا كان يعطيني المساعدات من جيبته ام من نفط العراق!”

بالنيابة عن معارفه من العراقيين، يقول منتظر أن هؤلاء يعيشون في معاناة حقيقية، “هناك من يذهب للمستشفى وحتى قبل العلاج، يطلبون دفع الرسوم، اذا كانوا يحتاجون لمصاريف تصل إلى 400 دينار، وهم شباب لا يعملون ولا يستطيعون العودة إلى العراق لأنهم مهددون، والمستشفى تطلب منهم 50 % من القيمة، من أين لهم بهذا المبلغ؟”.

ويضيف منتظر بأن التوطين في بلد ثالث أصبح في نظرهم بمثابة “الحل الوحيد” حتى يحصلوا على حقوقهم كاملة ويعيشون “حياة كريمة”.نستطيع اتخاذ أي اجراء لحماية حقوقه