عاملات المياومة: معاناة أشهر في ساعات معدودة
ما زالت "ليلي" تغير مكان إقامتها كل بضعه أشهر تقريباً وبصورة دورية، بعد أن اختارت الهرب قبل سنتين من منزل مخدومها بسبب تحرشه جنسياً بها.
حين فكرت ليلى بالهرب، كانت تريد التخلص من حالة مزرية تعيشها، ولكنها
لم تكن تعلم أن هروبها هذا سيكون بداية معاناة أخرى طويلة امتدت ثلاث
سنوات، من تاريخ تركها لمنزل صاحب العمل حتى هذه اللحظة.
ليلي عاملة منزل في السابعة والعشرين من العمر وأم لطفلين تركتهما في
موطنها سريلنكا، على وعد بالعودة لهما بعد سنوات قليلة تكون وفرت خلالها
المال اللازم لتعليمهما وتربيتهما تربية كريمة، لكن الرياح لم تجر بما
تشتهي سفنها.
تقول ليلي شارحة معاناتها بعد ترك المنزل الذي كانت تعمل فيه:" كنت اخدم
منزل واحد، وأتعرض لمضايقات واضطهاد عائلة واحدة ورب عمل واحد، أما ألآن
فأنني أمر بهذا كل يوم، فأنا أعمل في تنظيف المنازل بالمياومة".
قررت ليلي الهرب من منزل العائلة التي تعاقدت معها في إحدى الليالي التي
"تمادى فيها صاحب المنزل لأكثر من مداعبه بالأيدي كانت تتكرر مراراً تحت
مرأى من زوجته، كما تؤكد ليلى، وإذا بها تجد نفسها في ساعة متأخرة من
الليل في شهر تشرين الثاني/نوفمبر قبل سنتين في الشارع بلا أوراق ثبوتية
رسمية وبدون متاع أو مأوى.
توجهت لسفارتها، لعلها تجد مأوى آمناً وحلاً سريعاً لمشكلتها، لكنها صادفت
هناك معاناة أكبر، فسوء المعاملة والضرب وعدم التحرك للمساعدة هو كان
العنوان الأبرز للفترة التي عاشتها في سفارة بلدها، كما تقول، وانتهى
الأمر بها الى ترك مبنى السفارة، ليس بمفردها بل مع عاملة أخرى اسمها
سانتي. استأجرت العاملتان غرفة متواضعة في جبل الجوفة، وبدأتا تعملان في
خدمة المنازل بشكل يومي.
التفاصيل لدى سانتي مختلفة قليلاً، ، فهي هربت من منزل كفيلها لأن صاحبة
المنزل كانت "تعيرها" لأفراد العائلة الآخرين من دون أن تدفع لها أي
مقابل، بل أن راتبها دائماً يتأخر عليها باستمرار، فضلاً عن سوء المعاملة،
فقد كانت تتعرض للمنع من تناول الطعام وتحبس كما ما قالت.
في اليوم التي تجد فيه إحداهن عملاً في منزل جديد تتوقع فيه كل شيء: فشبح
التحرش لدى ليلي ما زال يتربص لها عندما تدخل أي منزل مختلف كل يوم،
والتجويع والاستغلال وارد لدى سانتي كذلك.
ولكن هذا لا يقارن بالتعب الجسدي الذي تتحملانه كل يوم نتيجة العمل
المنزلي المرهق والمكثف؛ من الساعة السابعة وحتى الرابعة والنصف مساءً
مقابل 12 ديناراً شاملة الطعام والمواصلات.
من هذا المبلغ تخصم قيمة أي علاج قد تحتاجه إحداهن، فلا تأمين صحي يخفف
العبء ولا عائلة مستقرة واحدة يلزمها القانون بالتكفل بنفقات العلاج،
ووزارة العمل غائبة عن هذه الفئة "لصعوبة حصر إعدادهن فغالبيتهن أصلاً من
الهاربات والمخالفات لشروط الإقامة" كما تقول الوزارة.
تشتكي ليلي: " احتاج لمبلغ كبير فلدي كيس ما ء في الرحم...تعبانه كثير بسببه ولا أقدر أن أعمل كل يوم ".
التعب الجسدي بسبب العمل اليومي المستمر وبسبب حالتها الصحية بشكل أساسي
يمنعها من جمع المبلغ اللازم لغايات العودة إلى سريلانكا:" قالوا لي احتاج
إلى 700 دينار لشراء التذكرة، وهذا مبلغ كبير لا استطيع تجميعه"
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد اضطرت ليلي أن ترتدي الحجاب -رغم أنها
غير مسلمه- خوفاً من تعرض فرق تفتيش العمل التي تلاحق العمالة الوافدة
المخالفة، وهي بالطبع بلا أوراق ثبوتيه، وتعمل سبعة أيام في الأسبوع
وثلاثين يوماً في الشهر لتجمع قيمة المخالفة عليها، لكي تعود إلى ولديها
بمبلغ من المال يبرر غيبتها الطويلة عنهم.
وتبرز مشكلة هروب عاملات المنازل، وتحديداً السرلانكيات والفلبينيات كتحد
كبير أمام ألأجهزة الأمنية، إذ أن" أعداد الهاربات من منازل مخدوميهن
كبيرة لدرجة أنه لم تسجل إحصائية دقيقة لها لتكررها بشكل واسع" بحسب تقرير
صادر عن الأمن العام.
العنف ضد العاملات هو السبب الأساسي للهروب وكذلك العمل المرهق، العنف
محرك اساسي له ولكنه ليس الدافع الوحيد، فهناك رغبة بعض عاملات المنازل
في الحصول على مصدر رزق أعلى بالعمل لحسابهن الخاص، ويتم ذلك أحياناً
بإغراء مواطنات لهن بترك المنازل التي يعملن لديها والانضمام إليهن للعمل
بدخل أعلى وبحرية تنقل أكبر، فالعمل في المنازل بنظام الساعة تتقاضى
العاملة في المتوسط عن ثماني ساعات ما بين 10 إلى 12 دينار.
سميرة أسم سيدة سرلانكية كانت هربت اختارته بعد استقرارها في الأردن وزواجها من شاب مصري، وهي تقيم في أحد أحياء جبل الحسين الشعبية.
كانت هربت من المنزل الذي استقدمها للعمل في ألأردن قبل سبع سنوات، وعملت
فترة في مكتب كخادمة بالمياومة كانت تتقاضى عشرة دنانير تذهب ثلاثة دنانير
منها للمكتب. بعد فترة قررت سميرة العمل بشكل مستقل عبر الاتصال المباشر
مع ربات المنازل.
توسع العمل لديها، حتى أصبحت هي نفسها تشغل شبكة من مواطناتها
السرلينكيات وتتقاضى هي نسبتها بدلاً من المكتب الذي تقول إنه كان
يستغلها هي وزميلاتها.
في دراسة حملت عنوان (المرأة العاملة المهاجرة في الأردن..دراسة حالات
العاملات الهاربات) نشرتها (اليونفيم) وجمعية أصدقاء المرأة العاملة،
وتناولت أوضاع العاملات الهاربات من الجنسيات السيريلانكية والفلبينية
والاندونيسية في الأردن، قالت عايدة أبو راس، مديرة جمعية أصدقاء المرأة
العاملة إن "هروب العاملات ظاهرة وتدلل على مشاكل تنتج من المستخدمين
للعاملة" وأضافت "إن الجمعية بصدد جمع قاعدة بيانات دقيقة لأعداد
الخادمات الهاربات من منازل مخدوميهن نظرا لغياب مثل هذه الأرقام وتعدد
مرجعياتها ما بين المركز الوطني لحقوق الإنسان وسفارات الخادمات
-الفلبينية والأندونسية والسريلانكية- ودائرة الحدود والأجانب، وقاعدة
البيانات هذه ستسهل إنجاز الإحصاءات بدقه مما يعنى أن التحرك سيكون أسهل
بناءً عليها وحل المشاكل في مناطق الخلل إينما وجدت"
جمعية أصدقاء المرأة العاملة، ترى أن غياب التشريعات المحددة لعلاقة
العامل مع صاحب العمل خلق إرباكا كبيرا في أوضاع عاملات المنازل مما يفتح
بابا واسعا أمام الانتهاكات التي يتعرضن لها. وتحاول الجمعية من خلال حملة
"إنصاف" للتوعية بحقوق العاملات في المنازل والتي أطلقتها منتصف آب 2008 ن
أن تحل بعض مشالك العاملات الهاربات.
ليلي وسانتي وحتى سميرة التي استقرت إلى حد ما في الأردن، أبدين أملهن
بأن تشملهن الحملة، بخاصة أنهن يعانين، إلى جانب التعب الجسدي الذي يعشنه
كل يوم، تعباً نفسياً أعمق واشد، كونهن مطاردات بشكل يومي من الحكومة
لمخالفتهن شروط الإقامه، في ظل تملص سفارتهن من مسؤلياتها وعدم اعتراف
العديد ممن يعلمن لديهم بأدنى حقوقهن الإنسانية بالمعاملة الحسنة.











































