عاالأوف مشعل...أوف مشعلاني

الرابط المختصر

خلال هذا الاسبوع شهدنا نموذجين في ادارة وحل مشكلة واحدة هي قضية استيراد الخضراوات من الكيان الصهيوني، وكان النموذج الاول فيما حدث خلال الاعتصام الذي دعته إليه جهات نقابية ضد استيراد الخضراوات والفواكه من اسرائيل، وفكرة الاعتصام او المظاهرة ضمن سياق القانون أحد اشكال التعبير الديمقراطية، لكن ما حدث ان الامر تحول الى قصة فيها ضرب واعتقالات وفض للاعتصام واخبار على الفضائيات.

وفي اليوم الثاني التقى نقباء النقابات المهنية مع وزير الزراعة ليكون النموذج الثاني في ادارة القضية، وكان اجتماعا مثمرا تم خلاله الاتفاق على طريقة وآلية هي ان يكون على اي منتجات صهيونية يتم استيرادها بطاقة معلومات يعرف من خلالها المواطن ان السلعة التي أمامه اسرائيلية او اوروبية او عربية او محلية، ليكون هذا الحل مرضيا للمعترضين ومرضيا للحكومة التي تتعامل وفق معاهدات واتفاقات دولية، علما أن من يقوم بالاستيراد ليس الحكومة بل القطاع الخاص وهو تجار من الناس لكن معاملات الاستيراد تتم بطرق رسمية كما اي معاملة تجارية مع اي دولة في العالم.

هذان النموذجان في ادارة ذات المشكلة يثبتان ان بإمكاننا كأردنيين من كل المؤسسات الرسمية والاهلية ان نصل الى توافقات وحلول ترضي الجميع من دون ان نحتاج الى اي مظاهر غير مقبولة، ومن دون ان نتحول الى خندقين او نكون نحن جميعا اخبارا في فضائيات بأننا نعتقل ونضرب بعضنا.

دائما يفترض ان يحكمنا جميعا القانون الذي يمنح لمن يشاء حقوقا في التعبير، ايضا لغة العقل والحوار، فالمطلوب ليس فقط التظاهر ضد الاستيراد من اسرائيل بل ان يتم اعطاء الناس حق الاختيار، لأن المواطن الذي يقف في محل الخضراوات لا يدري ان كانت هذه المانجا من مصر او السودان او اسرائيل، وعندما يقف امام "بسطة" الخضراوات ليس لديه القدرة على معرفة شجرة العائلة لكل "بكسة" فراولة او غيرها من الخضروات، والاتفاق الذي تم يمنح الناس حق معرفة مصادر ما لديه ويدرك ان هذه المادة من اسرائيل فيرفض شراءها.

لكن ربما علينا ان لا ننسى ان من يستورد هم تجار ومواطنون وان عليهم ان لا يمارسوا فعلا يجبر اي اردني على التعاطي مع منتجات صهيونية، وربما عليهم ان يمارسوا نوعا من التعامل المتوازن، فالأمر ليس تجارة فقط بل ايضا هنالك ابعاد اخرى، فإسرائيل لم تترك لها صديقا حتى من اشد المؤمنين بالحل السياسي، وتمارس هدرا حتى لأشد التعامل العربي والفلسطيني تجاوبا مع السلام، ولهذا فالتاجر جزء من شعبه وأمته حتى لو كان من اشد انصار التطبيع.

لكن المهم ايضا ان نكرس في عملنا السياسي والعام ان نجذر ممارسات نصل فيها الى الحلول من دون ان ندفع الكثير من الاثمان السياسية والاعلامية، وأن تكون الاولوية اولا للحوار قبل اي شيء آخر، لأنه حتى العرب في امثالها تقول ان آخر الدواء الكي، فلماذا نجعله نحن احيانا اول الدواء ونحوله الى داء نعمق من خلاله لغة الخنادق على اكثر من صعيد؟ جزء من مشكلات العمل العام والسياسي ان البعض يهرب من المنطق السياسي والحجة الى التراشق والاتهامات، وهي حجج المفلس والضعيف ومن يعرف ان على رأسه ألف "بطحة" وليس واحدة، ولعل في نموذج ادارة ملف الخضراوات الصهيونية حافزا لنا جميعا لأن نجعل اول الدواء الحوار وليس الكي، وما نشهده على اكثر من صعيد من اخلاقيات اغتيال الشخصيات والاتهامات الباطلة والاسلوب اللاخلاقي والردح يدل على وجود مشكلة كبيرة في بعض المفاصل والاشخاص وربما الاجواء العامة.