طوافو الغابات في خطر و القوانين لا تحميهم
في منتصف إحدى الليالي بداية العام الحالي، ورد للطواف ب.ط (عامل حماية الغابات) اتصال يفيد بأن أحدهم يعتدي على أشجار غابة في منطقة عمله، فخرج بسيارته الخاصة لضبط الاعتداء. لم يتصل بزملائه ولا مديرية الشرطة البيئة لأنه الحادثة كانت خلال ساعات الفجر من يوم الجمعة وهي عطلة رسمية ودورية الشرطة الوحيدة في اللواء تحتاج للوصول لموقع الاعتداء وقت طويل يكون الحدث قد انتهى حينها، فتعرض للضرب والتهديد وتم تكسير سيارته.
بعد هذا الحادث، تقدم بشكوى رسمية للحاكم الإداري، المسؤول قضائيا عن إدارة شؤون المنطقة التي يحكمها. تم حل القضية بالصلح مع المعتدين، مقابل التكفل بعلاجه وصيانة سيارته، وسجن المعتدين لأيام.
يعمل ب.ط مع وزارة الزراعة منذ تعيينه بصفة "عامل ورشة"، ويمارس مهام "طواف حراج"، وذلك المسمى لا يوفر له صفة "الضابطة العدلية"، بالإضافة إلى أنه يعمل لعدد ساعات غير محدد، إذ عليه وقف الاعتداءات متى ما حدثت في منطقة عمله، وإلا تعرض للغرامات.
الضابطة العدلية: هم الموظفون المكلفون باستقصاء الجرائم، وجمع أدلتها، والقبض على فاعليها، وإحالتهم على المحاكم الموكول إليها أمر معاقبتهم.
يمكن تخيل عمليات الإعتداء في لواء بني كنانة كجزء من أفلام سينمائية يوضح الناشط المجتمعي في اللواء محمد رقيبات والذي يهتم بمواضيع قطع الأشجار والتهديدات التي يتعرض لها الطوافين. ويقول إن العملية تتم حسب تخطيط منظم، تحديد كل من الزمان والمكان والحطابين والمراقبين، وعادة ما يحملون أسلحة نارية أو بيضاء.
ومن خلال معايشته الواقع يقول رقيبات أنه منذ سنوات قبل الجائحة كانت تتواجد دوريات البيئة بمنطقة الغابات وبالقرب من المواقع السياحية مثل العشة والشعلة أثناء العطل والزيارات السياحية، أما باقي الأيام لا نشاهد هذه الدوريات ويبقى الاعتماد على الطوافين فقط.
أعدادهم قليلة.. طوافون غير مجهزين
يشكو لواء بني كنانة من قلة أعداد الطوافين مقارنة مع باقي المواقع الحرجية في المملكة، فهم 12 طوافاً و5 عمال، يتوزعون على مساحة حرجية تقدر بـ 48 ألف دونم في اللواء، بالإضافة لـ 10 كيلومترات على ضفاف الطرق المزروعة بالأشجار الحرجية، بحسب مدير زراعة لواء بني كنانة، عبد الإله عبيدات.
ويقول عبيدات إن لكل منهم قطعة أرض تبلغ مساحتها مابين 5 و6 آلاف دونم مسؤول عن حمايتها، ويتعرض كل طواف للمخالفة، في حال تعرض قطعته إلى اعتداءات في أي وقت، هذا المتعارف عليه على مرّ السنين. ووصف عبيدات المنطقة الحرجية بين قرية ملكا وسحم الكفارات "بالساخنة"، لكثرة حالات الاعتداء على الأشجار، خصوصا أشجار الملول (نوع من البلوط) المفضل لزبائن المعتدين، وأيضا لأن معظمها أراضي ذات ملكية خاصة، يصعب حمايتها مقارنة مع الأراضي المملوكة للدولة.
تقول خبيرة البيئة عضو هيئة التدريس في قسم الجغرافيا في جامعة اليرموك رنا جوارنة، إن الطوافين غير مجهزين بالمعدات والأدوات لعمليات الضبط والمسح في الميدان، وذكرت أن هناك دولا متقدمة بدأت العمل باستخدام طائرات بدون طيار "الدرون"، فهي تساعد الطواف لتفقد وحماية مواقع حرجية وعرة في الغابات، كما أن من سلبيات طرق حماية الحراج هو أن تختار وزارة الزراعة طوافين من سكان ذات المنطقة، وعدم السماح بدخول السيارات للأراضي الحرجية سواء الإداريين أو لغيرهم.
وطالبت الجوارنة بوجود نظام محدد لعمل الطوافين على ساعات وفترات محددة لكل طواف، واستحداث حوافز تشجيعية لهم ولوجستيات ملائمة، حتى لا نفقد ولائهم وانتمائهم للمهنة والدولة وينصاعون للاعتداء على الأشجار والتجارة.
وتبين الجوارنة "أن الحاكم الإداري ليس من المتوقع أن يكون له سلطة قوية ورادعة، إنما الأوضاع الحرجية الحالية وأوضاع الطوافين تتطلب تدخل مباشر من قبل الأمن العام لضبط المعتدين واتخاذ الإجراءات القضائية الصارمة بحقهم حيث تعرف الأجهزة الأمنية بسلطتها الكبيرة في المملكة مقارنة مع الحاكم الاداري".
تبين الصور أن التحطيب يتم بقطع الشجرة وترك أجزاء منها،
لا يمكن أن ترى بواسطة الأقمار الصناعية وبرنامج (جوجل إيرث)
غابات تتناقص
عزا الخبير البيئي عمر شوشان، ارتفاع وتنوع أشكال الاعتداءات على الحراج والطوافين إلى الطريقة "الرخوة" في حماية الغابات، بالإضافة إلى ضعف التنسيق بين الجهات المعنية، مثل وزارة الزراعة ومديرية الأمن العام ووزارة الداخلية والبلديات ومنظمات المجتمع المدني، بالإضافة إلى عدم الاستفادة من المجتمع المحلي الذي يعيش في الغابات، من حيث التوعية والتعاون مع الجهات المعنية في الرقابة.
واتهم شوشان إدارة الحراج بأنها تمر في حالة ضعف مؤسسي ومالي في الوقت الراهن، "ما يجري على أرض الواقع لا يمت بصلة بالممارسات العالمية في إدارة الغابات مثل الولايات المتحدة الأمريكية، التي تشمل إدارة الأنظمة البيئية منها الحيوانية والنباتية وإدارة مساقط المياه وخدمات الأنظمة البيئية، مثل السياحة والبيئية والطبية، على خلاف الأردن الذي يركز على الحماية فقط، وليس بالشكل المطلوب وغير مؤهله فنيا ولا لوجستيا".
وينوه شوشان إلى ضرورة العودة لسياسة إدارة الحراج، التي أعدتها منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" للأردن، والانطلاق منها في تحقيق الإدارة الشمولية للغابات في أبعادها الفنية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية، وأن تأخذ إدارة اللواء محمية غابات عجلون نموذجا.
مطالبات بقانون عصري ومحاكم بيئية
ينص قانون الزراعة (رقم 50 وتعديلاته لسنة 2015 - المادة 63) على أنه لا يجوز للمحكمة المختصة الأخذ بالأسباب المخففة التقديرية لتنزيل العقوبة عن الحد الأدنى المقرر لأي مخالفة من المخالفات المنصوص عليها في هذا القانون، والمتعلقة بالأراضي الحرجية والحراج، كما لا يجوز دمج العقوبات اذا تعددت المخالفات.
وفي هذا الشأن يرى المحامي المختص بالقوانين البيئية علي الحموري، أن المادة المذكورة تلزم القاضي بعدم الأخذ بالأسباب المخففة التقديرية بهدف تخفيف العقوبات، لكن ما يضعف هذا النص بنظر الحموري، هو ما جاء في المادة (40): تنظر دعاوى الحراج والمراعي أمام محاكم الصلح أو الحكام الإداريين، ويتم البت فيها بصفة الاستعجال، هنا أقترح أن تحال دعاوى الحراج وبالرغم من عدم وجود قضاء بيئي متخصص إلى محاكم الصلح وليس الحكام الاداريين.
يلخص مساعد مدير قسم الحراج في وزارة الزراعة خالد المناصير، مشكلة تراجع نسبة الأشجار الحرجية في اللواء، بنقص الكوادر وضعف التمويل لمشاريع الزراعة، إذ أن ميزانية الحراج المقدرة بـ 700 ألف دينار سنويا لا تغطي احتياجات القطاع، الذي يتطلب وجود دوريات حماية ومراقبة أكثر من المتوفر حاليا، وتكثيف أعداد الطوافين حتى يتسنى وقف الاعتداءات واستدامة الثروة الحرجية.
ووصف المناصير قوانين الزراعة الأردنية بأنها من أقوى القوانين الرادعة في المنطقة، إلا أن تطبيقها يتيح تكرار الاعتداء، "يتاح للقاضي ألا يتبع أحكام المواد الدستورية المنصوص عليها في قوانين الزراعة لحماية الثروة الحرجية والزراعية، نظرا لأنه قضاء مستقل"، وأمام هذه الحالة، طالبت الزراعة من المجلس القضائي الأردني استحداث "غرفة قضائية بيئية"، والتي لم ينظر بها حتى اليوم رغم الاجتماعات المطولة على مر السنين، يقول المناصير.
الغرف القضائية المتخصصة بالشؤون الزراعية والبيئية، تكون في المحاكم الأردنية يعمل بها قضاة مدربون متخصصون، تساهم في سرعة التقاضي.
لجنة الزراعة والمياه والبادية في مجلس النواب المنوط بها الدور التشريعي والرقابي، أجابت عبر رئيسها محمد العلاقمة: "نرفض أي اعتداء على الأراضي الحرجية، والعبث في الأشجار وتقطيعها، ويجب محاسبة المعتدين وتطبيق القانون بكل حزم".
وبحسب رد المجلس القضائي، فإنه خصص قضاة خضعوا للتدريب في مختلف المحاكم، للنظر في القضايا البيئية، ومن ضمنها الاعتداءات على الأشجار الحرجية.
قضايا نظرت بها محكمة صلح بني كنانة
(36) قضية خلال عام (2021)
(44) قضية خلال عام (2020)
(27) قضية خلال عام (2019)
(21) قضية خلال عام (2018)
ويقول المجلس القضائي إن المخالفات تدخل ضمن اختصاص وزارة الزراعة وغيرها من الجهات ذات العلاقة، وإن دور المحاكم يبدأ بعد إحالة الملفات إليها بالشكل الذي رسمه القانون.
في المحصلة، عمليات إعدام الأشجار مستمرة، وتصاعدت معها الاعتداءات على الطوافين في مناطق الشمال الواسعة. وفي المقابل، لا توجد خطة لزيادة عدد الطوافين أو توفير حماية لهم في بلد لا يزيد فيه الغطاء الحرجي عن 1 في المئة من الأراضي، ومهدد بالتناقص يوما بعد يوم.