طمي السدود يحبس الماء عن أراضي المزارعين

يشتكي المزارع مثقال الزيناتي، الذي يجتهد في زراعة أكثر من 30 دونما بالأشجار المختلفة، من رداءة مياه السدود الواصلة إلى مزرعته في غور الأردن ، بسبب ما يرى أنه "زيادة في نسبة ملوحتها، وزيادة ترسبات الطمي في السدود"، ويقول:" لم تقدم لنا سلطة وادي الاردن معلومات كافية حول المخزون الحقيقي للسدود التي تؤمن مزارعنا بالمياه، بالرغم من مطالباتنا المستمرة بذلك ".

أما علي خليوي، الذي يزرع نحو 40 دونما من ورق العنب، فيشكو من غياب اهتمام المسؤولين في السلطة بالمزارعين، ويقول:"قبل سنتين كانت سلطة وادي الأردن تعقد اجتماعات بين الحين والآخر مع المزارعين وتستمع لمشاكلهم واقتراحاتهم، إلا أن السلطة لم تعد تقوم بمثل هذه الاجتماعات، ما فاقم من حدة المشكلات الأساسية وزاد من الضغوط على المزارعين".

وتابع" في الموسم الزراعي السابق وبعدما قمت بحرث أرضي وزراعتها، تكبدت خسائر بأكثر ستة آلاف دينارا؛ بسبب شح المياه الذي لا يكفي لزراعة ورق العنب، وتعطلت عن العمل لأكثر من ستة شهور بعدها" .

 المزارعة م.ظ التي تشرف على 20 دونما من شجر الموز في مزرعتها تؤكد أن "سلطة وادي الأردن كانت توفر المياه من خلال ضخها من السد مباشرة لكل مزارع لما يقارب 8 ساعات يوميا ، لكن اليوم تقلص عدد الساعات الى 6 ساعات فقط، وهي مدة غير كافية، من دون إبداء أي سبب وجيه لهذا التقليص".

تقول:" وصل بنا الحال أن نمد أيدينا على قناة الملك عبدالله بطريقة غير شرعية ونتعرض للمخالفات ودفع الغرامات العالية في سبيل إنقاذ محاصيلنا من التلف. المزارع الأردني بين خيارين إما أن يتلف محصوله وهو مصدر رزقه الوحيد، وإما أن يأخذ الماء عنوة وبطريقة غير شرعية ويدفع غرامات قد تصل بعضها إلى ألف دينار".

 

إتلاف المحصول لا يتوقف عند خسارة الموسم فقط، فالأرض تحتاج من سنة إلى ثلاث سنين لإعادة إنعاشها من جديد. وفي حال تصدير محصول كان يعاني من قلة الري للأسواق المحلية لا يتم شراءه بسبب قلة جودته مقارنة مع المحاصيل المشبعة بالمياه، أو يتم بيعه بأرخص الأثمان، وهذه خسارة على كل من صاحب الأرض والأيدي العاملة.

 

يشدد المزارعون الذين إلتقيناهم على أن المشكلة الأكبر والأهم لديهم تكمن في "عدم مشاركتهم في عملية صنع القرار". واقترحوا وضع مندوبين عن المزارعين من المنطقة نفسها يعلمون المشاكل التي يعاني منها المزارعون، أو تشكيل مجلس إداري لمياه كل سد لتنظيم عملية التوزيع بشكل سليم، وطالبوا بتوفير المعلومات التي تتعلق بمنسوب المياه، والكميات التي سيتم توزيعها، والخطط المستقبلية، بكل شفافية للمزارعين وعدم إخفائها عنهم .

التوزيع بعدالة

 مساعد الأمين العام لسلطة وادي الأردن للأغوار الشمالية والوسطى المهندس ماجد الخريسات أكد أن هناك بالفعل العديد من الشكاوى التي تصل إلى السلطة من قبل المزارعين حول قلة المياه، ومطالبات بزيادة كميتها، إلا أن السلطة، بحسب ما يقول، لا تستطيع تلبية هذه المطالبات لأن "الوضع المائي الحالي لا يسمح بزيادة عدد ساعات ضخ المياه المحددة من قبل السلطة".

وأشار الخريسات إلى أن "التوزيع يتم بعدالة على المزارعين كل حسب حجم المحصول الزراعي له مراعين حجم المحصول المائي داخل السدود". وقال :"يتم تقدير كمية المياه التي يحتاجها المزارع ويُمنح دورتين إلى ثلاث دورات من الضخ أسبوعيا وتمثل كل دورة 6 ساعات" .

أكد الخريسات أن السلطة تقوم باجتماعات دورية ومستمرة على مدار السنة، وفي حال أراد المزارعين الاجتماع بالسلطة لمناقشة موضوع طارئ يهم الجميع يتم تقديم طلب لإحدى الجمعيات المختصة في المنطقة ويتم إعلام السلطة بهذا الطلب و يعقد اجتماع فوري لتلبية نداء المزارعين، وأشار لاجتماع عقد نهاية شهر 5 لإطلاعهم على الوضع المائي الحالي في السدود.

    وأوضح أن "السلطة تقوم بتقسيم المحصول المائي المتواجد داخل السدود على المزارعين ليكفي الموسم الصيفي والموسم الشتوي حتى لا يتم استنفاذ الماء بالكامل في موسم واحد على حساب الموسم الأخر".

وأكد الخريسات وجود مندوبين في الميدان "أصحاب كفاءة وخبرة عالية، وبعضهم من أهل المنطقة نفسها". 

ي

عملية صعبة ومكلفة

لا يوجد دراسات رسمية عن حجم الطمي والرسوبيات في السدود، وجميع القيم التي يتحدث عنها هذا التقرير وتقارير صحافية أخرى هي قيم تقديرية.

منار المحاسنة تقول" أن دراسة نسب الطمي بتحتاج لشركات متخصصة في مثل هذه  الخدمات، للآن لم تعلن الحكومة عن أية أرقام لوجود سدود خرجت من الاحتساب، وسدود تم رفعها، وسدود تم إزالة كمية طمي منها".

 بحسب أستاذ هندسة المياه في الجامعة الأردنية الدكتور رضوان الوشاح فإن "حجم الطمي بالسدود الأردنية يتراوح ما بين 13 - 27% أكثرها في سد الملك طلال حيث يقدر حجم الرسوبيات فيه بنحو 23 مليون متر مكعب" من أصل 75 مليون متر مكعب سعة السد. 

ولفت إلى أنه قبل سنتين لم يتم التفكير بتنظيف السدود من الرسوبيات بشكل جدي كما هو الان، وحتى ذاك الوقت تم إزالة 495 ألف متر مكعب فقط من الطمي وهو رقم يشكل نسبة صغيرة مقارنة بحجم الطمي والرسوبيات المتواجد في السدود.

وبيّن الوشاح أن عملية تنظيف السدود، بشكل عام، تتم بثلاث طرق إما بواسطة الآليات التقليدية، أو الحصر الهيدروليكي، أو التنظيف بالوقاية من خلال عمل مصائد للرسوبيات. موضحا أن "العملية الهيدروليكية، التي تتم من خلال مراوح تبعثر وتخلط الماء مع الرسوبيات ليتم ضخه عبر أنابيب واستخراجه من السد ونقله إلى مكان آخر،لم تجرب من قبل في الأردن".

وقال:" صحيح أن هذه العملية قد تكون مكلفة، لكن يجب تطبيقها ولو على مستوى ضيق".

صورة للطريقة الهيدروليكية

 

 بحسب المادة (3) من قانون تطوير وادي الأردن لسنة 1988 يعهد إلى السلطة إجراء الدراسات اللازمة لتقييم مصادر المياه بما في ذلك الدراسات الھیدرولوجیة والھیدروجیولوجیة والمسح الجيولوجي وحفر الآبار الإختیاریة وإقامة محطات الرصد، ودراسة تصميم وتنفيذ وتشغيل وصيانة مشاريع الري والمنشآت والأعمال التابعة لھا على اختلاف أنواعھا أو غایاتھا بما في ذلك السدود وتوابعھا ومحطات القوى المائية وتوابعھا والآبار ومحطات الضخ والخزانات وشبكات توريد وتوزیع المياه وكذلك أعمال الصرف الجوفي والسطحي وأعمال الحمایة من الفيضانات وطرق وأبنیة التشغیل والصیانة.

تؤكد الأمين العام لسلطة وادي الأردن منار محاسنة على أنه "تم البدء بعلاج الطمي والرسوبيات في السدود على محورين: الأول وقائي للتخفيف من الطمي والرسوبيات من خلال التحريج ووضع سلاسل حجرية في منطقة جريان الأودية لعمل مصدات، وهو مشروع ممول من الوكالة الألمانية للتعاون الدولي. والثاني عبر توقيع مذكرة مع سلاح الهندسة الملكي، تم بموجبها تنظيف 450 ألف متر مكعب من سد الموجب. كما سيتم العمل على سد وادي شعيب من خلال اتفاقية مع إحدى شركات القطاع الخاص لتنظيف 50% من الطمي في سد وادي شعيب، وستعمل آليات وكوادر سلطة وادي الأردن على تنظيف الباقي لأن كمية الطمي فيه عالية جدا".

لكن محاسنة تشير إلى أن تنظيف السدود "ليست عملية سهلة، فهي مكلفة وتستغرق وقتا كون كميات الطمي كبيرة" بحسب ما تقول.

 وتوضح :" هناك آليتان للتنظيف؛ أما أن يكون السد جافا بالكامل فتستخدم الطرق التقليدية بجرف الطمي ونقله لمكان بعيد ليس ضمن روافد السد، أو عبر آلة تشبه الحفارة حيث يمكن تنظيف السد بوجود المياه فيه، وهي طريقة يصلح استخدامها في سد مثل سد الملك طلال، كون المياه الداخلة إليه مستمرة على مدار العام ولا يجب أن يصل إلى مرحلة الجفاف، لكن هذه الطريقة مكلفة وغير متوفرة في الأردن، ولا نعرف بعد مدى جدوى استخدامها في جميع السدود".

ولفتت محاسنة إلى أن "هناك سدود جنوبية مخزونها قليل حاليا مثل سد الموجب وسدود الكرك واللجون وسد التنور، وذلك بسبب ضعف الهطول المطري في تلك المناطق".

س



 

أضف تعليقك