طلاب عالقون.. معاناة حرب تجاوزت الجغرافية اليمنية

الرابط المختصر

في شقة صغيرة يجلس أحمد عاطف في زاوية غرفته التي يتشاركها مع طالبين آخرين، يتناول وجبة لا يتجاوز ثمنها نصف دينار واحد، هي وجبته الوحيدة لليوم. 

التحق عاطف بكلية الطب في الجامعة الهاشمية في الأردن ضمن برنامج التبادل الثقافي الأردني اليمني. مع انتهاء العام الدراسي الحالي ينهي سنة الامتياز.

يعيش عاطف ومن معه حياة تقشف نتيجة تأخر صرف مستحقات الطلبة اليمنيين المبتعثين، التي تصرف كل ثلاثة شهور أو ما يعرف بالربع.

بدأت معاناة عاطف منذ السنة الجامعية الثانية وتفاقم الأمر في العامين الأخيرين؛ 2020 و 2021. يقول" تمر سنة نستلم ربعين بدلا من أربعة أرباع والآن نحن مستلمين الربع الثاني من العام 2021".

تأخر صرف المستحقات، معاناة مستمرة

ما يمر به عاطف من تأخر رواتب الابتعاث ينطبق على 223 طالبا وطالبة من المبتعثين اليمنيين الذي يدرسون في الأردن ضمن منح التبادل.

يوضح العاطفي أن تأخر صرف مستحقات الطلبة المبتعثين يتسبب بمشكلات عديدة لهم؛ إذ يجدون صعوبة في تأمين دفع الإيجار وتسديد الفواتير، ما قد يجعلهم عرضة للطرد من مساكنهم.

 لافتا إلى أن الطلاب يلقون تعاونا من قبل المؤجرين لكن تأخر الصرف لأشهر يفوق طاقة المؤجرين.

لا تقتصر التحديات على السكن وتوفير الوجبات بل تمتد إلى التحصيل العلمي، إذ يضطر  بعض الطلبة إلى التغيب عن الجامعة بسبب عدم توفر تكاليف المواصلات.

ترسل عدد من الجهات الحكومية اليمنية طلابها للدراسة في الأردن سنويا، غالبيتهم مبتعثين من وزارة التعليم العالي. 

يتوزع الطلبة المبتعثون على سبع محافظات أردنية؛ يعيش أكثرهم في إربد وعمان، حيث تحتضن الأخيرة نصف الطلبة المبتعثين، ما يزيد الأعباء المالية التي يتحملها الطلبة ومنها ارتفاع الإيجارات وغلاء المعيشة والمواصلات. 

تقول أمل وهي طالبة تدرس في كلية الطب إنها تضطر إلى الاستدانة لتتمكن من دفع ماعليها من التزامات مالية. وهي تسدد ديونها عند صرف المستحقات، إلا أنها تعود لتغرق في الدين من جديد بسبب تكرار تأخر الصرف.

توضح أمل أنه يصعب عليها أن توفق بين دراسة الطب والعمل. لافتة إلى أن معاناة الفتيات تفوق الذكور فهن ينتمين إلى مجتمعات محافظة، ويجدن صعوبة في الانخراط مع من حولهن. 

عالقون خارج الوطن

لا تختلف معاناة محمد عن أمل والعاطفي، فبعد أن أنهى دراسة الصيدلة العام الماضي ما زال عالقا في الأردن ينتظر مستحقات ستة أشهر من العام 2021 لم يستلمها بعد.

يقول محمد إن الطلاب اليمنيين نظموا عددًا من الاعتصامات للمطالبة بمستحقاتهم المالية. كما توجهوا إلى الملحقية الثقافية اليمنية في الأردن لكن يكون الرد بأنه لم يجر تحويل المستحقات بعد، وقد تُقدم سلفًا لهم تسدد من مخصصاتهم لاحقِا، حسب رأيه.

" لا توجد حلول جذرية لمشكلتهم وهناك تجاهل لهموم الطلاب من كل الجهات المعنية." يقول محمد.

يعمل محمد في مطعم يقضي فيه نحو 12 ساعة عمل يوميًا ويتقاضى لقاء ذلك  250 دينار كل شهر(  350 دولار تقريبًا). ينفق منها 150 دينار إيجار شقة يتشاركها مع طالب آخر، أما ما تبقى فينفقه في دفع أجور المواصلات وفواتير ومصاريف معيشة. علاوة على تأخر صرف راتبه، يقف محمد عالقا بين الأردن واليمن. 

بموجب قانون الابتعاث يحصل الطالب على تذكرة ذهاب بداية دراسته وتذكرة عودة عند الانتهاء منها. يقول محمد إنه حضر إلى الأردن على حسابه الخاص وسيغادر بالطريقة ذاتها. 

لا يملك محمد أحلاما سوى توفير قيمة تذكرة سفر يعود بها إلى الوطن. يشاركه في ذلك طلبة آخرون. 

كشف استبيان أجراه معد القصة وشمل 54 طالبا وطالبة من الموفدين إلى الدراسة في الأردن على حساب الحكومة اليمنية، عن أن نحو 60% من الطلبة المشمولين في الاستبيان يرغبون بوقف الدراسة ومغادرة الأردن.

يواجه ثلثا الراغبين في وقف الدراسة معوقات مالية تزيد من صعوبة مغادرة البلاد، منها عدم القدرة على شراء قيمة تذكرة سفر وتراكم الغرامات ناتجة عن عدم تجديد الإقامة  وغيرها، حسب الاستبيان.

قوانين عمل صارمة 

الكثير ممن قابلناهم من الطلاب الجامعيين اليمنيين تحفظوا على الحديث حول طبيعة عملهم لاسيما وأن بعضهم يعمل في مطاعم لتغطية نفقاته اليومية، إذ ما زال العمل في مطعم ضمن المهن المنتقصة في الثقافة اليمنية، خصوصا للطلبة الجامعيين. يقول مدير أحد المطاعم في العاصمة عمان أن الكثير من الطلاب اليمنيين قدموا للعمل لديه.

يقول عز الدين حميد، وهو موظف في السفارة اليمنية في الأردن، إن الطلبة اليمنيون يحصلون على بطاقة إقامة بموجب القيد الدراسي شريطة عدم العمل، في حين تتخذ الحكومة الأردنية إجراءات صارمة ضد من يعمل منهم، حسب قوله.

الحرب تطال الطلاب اليمنيين في الخارج

يوضح الخبير الاقتصادي اليمني فارس النجار أن مشكلة تأخر صرف مستحقات الطلبة ليست بالجديدة، إذ بدأت في العام 2016 بتأخر مستحقات 6 أشهر وتفاقم الأمر لاحقًا لتصل مدة التأخير إلى  15 شهرا في العام 2020.

ويشير النجار إلى أن المشكلة نتجت عن الحرب التي اندلعت في مارس 2015 ونتج عنها الكثير من التشوهات الاقتصادية، ولم يكن الطلاب اليمنيون في الأردن بمنأى عن ذلك، حسب رأيه.

تقر الدكتورة قبلة سعيد الملحقية الثقافية اليمنية في الأردن الطلاب بوجود تأخر وعدم انتظام في المساعدات المالية المقدمة للطلبة، وتقول إنهم في وضع لا يحسدون عليه.

وحسب سعيد لا تقتصر المعاناة على الطلبة المبتعثين في الأردن، بل يطال الأمر الطلبة اليمنيين في كافة دول الابتعاث.

توضح  سعيد أن الملحقية وفرت مساعدات للطلبة قدمها يمنيون مقيمون في الأردن.

كما تتواصل الملحقية مع المؤجرين، وأصحاب المطاعم من أجل تأجيل دفع ديون الطلاب لهم، بهدف التخفيف من معاناة الطلاب اقتصاديا ونفسيا ومعيشيا، حسب رأيها.



 

حصلت وزارة التعليم العالي اليمنية على منحة مالية بقيمة 46 مليون دولار تقريبًا من البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، لتغطية مستحقات الطلاب في مختلف دول الابتعاث من منتصف العام 2020 إلى منتصف العام 2021.

يُقر مدير عام الشؤون المالية جلال الغلابي بتأخر صرف مخصصات الطلبة المبتعثين،  يؤكد الغلابي أن  آخر راتب استلمه الطلبة المبتعثين حتى تاريخ شهر نيسان / إبريل 2022 كان  الربع الثاني للعام 2021.

يوضح الغلابي أن تجهيز وتحويل المستحقات المالية للطلبة المبتعثين يتطلب وقتًا إضافيًا في ظل ما وصفه بالوضع الاستثنائي الذي تمر به البلاد.

إلى أن يعودوا إلى وطنهم، يبقى مصير الطلبة اليمنيين المبتعثين ومنهم؛ العاطفي ومحمد وأمل رهن انتظار تحرك حكومي جاد لوقف معاناتهم.

أنتجت هذه القصة بالتعاون مع أريج وبدعم من سفارة مملكة هولندا- مشروع 100 واط